يفترض في الولاياتالمتحدة أنها بلد ملهم لمن يسعون إلي الحرية والديمقراطية.. لكن المرء يحار وهو يتابع أخبارها وتعليقاتها والجدل الدائر فيها.. إذ في الوقت الذي تقف فيه واشنطن ضد قانون الطوارئ في مصر.. فإنها تصدر أمرًا باغتيال واحد من مواطنيها.. مولود في الولاياتالمتحدة.. ويحمل جنسيتها.. لأنه خطر علي الأمن الأمريكي. فيما بعد التعليقات التي صدرت عن الولاياتالمتحدة بخصوص طوارئ مصر.. وفي ضوء أن الولاياتالمتحدة تمثل نموذجًا ملهمًا لي في مسار الحرية.. فكرت مليا أن أنقلب علي التوجهات القانونية في بلدي.. وأن أطالب مصر بأن تتبع أوامر الولاياتالمتحدة.. وأن مناخ الحرية المتحررة المحررة الحر هو الذي يمكنه أن يحمي البلد من أي إرهاب.. لكن الولاياتالمتحدة أربكتني.. حين قرأت عن أوامر صدرت بإعدام المواطن الأمريكي أنور العولقي المنضم إلي تنظيم القاعدة. قلت لنفسي: أليست هذه إجراءات غير قانونية.. أليس في هذا إعدام بدون محاكمة.. أليس في هذا ما يفوق القواعد والتدابير المنصوص عليها في قانون الطوارئ في مصر؟ وقبل أن أعاني من صدمة مروعة في إيماني بإلهام الولاياتالمتحدة للأحرار.. كان أن عالجتني فقرات في تقرير نشرته النيويورك تايمز قبل ثلاثة أيام حول الجدل القانوني الذي ثار في الولاياتالمتحدة بخصوص هذا الأمر.. فقرات تعمدت أن أقرأها مجتزئة.. وأهملت من بينها فقرات تهاجم هذا القرار.. الذي يقضي بإعدام مواطن أمريكي بدون محاكمة.. لأنه إرهابي عدو. تجاهلت مثلاً فقرة تذكر صانع القرار الأمريكي بأن التعديل الخامس في الدستور الأمريكي ينص علي أنه (لا يمكن حرمان المواطن من الحياة والحرية وحق التملك بدون إذن قانوني). وتجاهلت فقرة تقول إن الرئيس أوباما تعهد انتخابيًا بأن يكون عهده أفضل من عهد الرئيس السابق جورج بوش فيما يتعلق بإجراءات التحقيق والاعتقال مع الإرهابيين. وتجاهلت فقرة في تقرير النيويورك تايمز تقول: (يعتبر قرار تمكين الحكومة من إعدام أحد مواطنيها وهو بعيد عن ساحة القتال وبدون مسار قضائي يسمح بذلك واعتمادًا فقط علي معلومات أجهزة الأمن والمخابرات إنما هو قرار يثير قلق (بعض) السلطات القانونية). وتجاهلت كذلك أن الرئيس أوباما الذي وعد بأن يغلق معتقل جوانتانامو وأصدر بالفعل قرارًا بذلك.. لم يتمكن من تنفيذ قراره.. ولم يغلق المعتقل.. ولم يفرج عن المسجونين فيه منذ سنوات.. بدون تحقيق أو محاكمة أو اتهام. قلت لنفسي إن الولاياتالمتحدة باعتبارها منارة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. من حقها أن تعدم العولقي المختبئ في اليمن بدون محاكمة.. ومن ثم قررت أن أقرأ الفقرات المؤيدة لهذا القرار في تقرير النيويورك تايمز.. لأنها تساند اقتناعي بأن الولاياتالمتحدة نموذج الحرية الملهم. مثلاً.. قررت أن أضع في إطار فضي (برواز) العبارة التالية: (يري مسئولو الإدارة الأمريكية أنه لا توجد حقوق للعولقي الذي أعلن أن الحرب علي الولاياتالمتحدة هي واجب ديني). وقررت أن أضع الفقرة التالية في إطار ذهبي: (إن الجنسية الأمريكية لا تعطي صاحبها (كارت بلانش) لشن هجوم علي الولاياتالمتحدة.. إذا كنت مشاركًا مع الأعداء فإنه ينبغي أن تشاركهم حتفهم). ومن ثم فإنني أصبحت مزهوًا بالعبارة التالية التي يجب أن أضعها في إطار مرصع بالماس، وقد وردت علي لسان مسئول أمني: (إن عمليات القتل المستهدف للإرهابيين لا تعتبر اغتيالاً مخالفًا للقانون). ما هذه الروعة ذلك هو ما يميز الملامح العظيمة لجمال ديمقراطية الولاياتالمتحدة.. الصحف تنشر الجدل.. وتكتب عن اختلاف وجهات النظر.. ولكن هذا لم يؤد علي الإطلاق إلي تراجع السلطات الأمريكية الملهمة عن قرارها في قتل العولقي.. خصوصًا أن هناك تقديرات أمنية مجرد تقديرات تري أنه ألهم الذين خططوا لتفجير (تايمز سكوير) الفاشل.. ومن ثم فإن علينا أن نتفهم قرار إعدام مواطن أمريكي.. بدون محاكمة.. وبدون حتي قانون طوارئ.. تلك هي الديمقراطية. وباعتبارها دولة ملهمة.. وباعتبارها دولة وصية علينا.. فإن علينا أن نقتدي بها.. لأننا نريد أن نكون أحرارًا مثلها.. ببساطة نستحضر العبارات التي أدلي بها كل المتهمين بالإرهاب.. والمحتمل أنهم سوف يكونون إرهابيين.. والمشكوك في أمرهم.. حتي لو لم يكن لدينا أدلة عليهم.. وبدون أي إجراء طوارئ نقرر اغتيالهم في الطريق العام.. أو بالصواريخ في جبال اليمن.. أو في جبال أفغانستان.. لكي نحمي ديمقراطيتنا.. وحين تندهش أي مسئولة في الولاياتالمتحدة.. فإننا نهمس في أذنها بكلمة السر: (العولقي).. ساعتها سوف تفهم.. وتتفهم.. وينتهي الأمر. وبالتالي فما الذي يمنع من أن تتبع ذلك مجموعات مختلفة من الدول التي تواجه الإرهاب.. وبما في ذلك مصر.. فنشكل قياسا علي ما تفعل الولاياتالمتحدة.. فرقًا للإعدام.. وكتائب للاغتيالات.. ونلاحق المخططين والموحين بالأفكار.. خارج البلاد وفي جميع أنحاء العالم.. علي أساس (تعديل العولقي).. ومبدأ الإدارة الأمريكية الملهمة لنا.. علي ألا نقوم بهذا في أرض الولاياتالمتحدة نفسها خاصة أن لديها سجينًا مصريا لا يريده أحد اسمه عمر عبدالرحمن.. أصدر عشرات الفتاوي بتكفير المجتمع. وبوجوب قتال الدولة. فلتعش حرية الولاياتالمتحدة وليعش انتقادها لمكافحة الإرهاب وفقًا لتدابير الطوارئ المصرية.