نستعيد هذا العدد ما سبق وأرجأنا الحديث بشأنه إلي حين اكتمال باقي المعلومات، كان ذلك بخصوص الترجمة العربية ليوميات "آن فرانك"، الفتاة اليهودية التي راحت ضحية النازية، وتركت وثيقة إدانة بريئة أرعبت هتلر والهمت زعماء العالم فقد قادتنا الصدفة لمعرفة صدور تلك الترجمة من مصر، عن دار نشر "مرايا" حديثة الإنشاء، لكن لم توافينا صاحبتها "أسماء يحيي" كما وعدت بماهية المؤسسة التي قالت: إنها اشترت منها حقوق النشر بالعربية. ومن المعروف أن تلك المذكرات نشرت في ستين لغة أخري، بعد نشرها لأول مرة بلغتها الأصلية الهولندية عام 1947 تحت عنوان "البيت الخفي أو السري"، الأمر لافت ومثير، بالبحث كشف خيط جديد في سلسلة مافيا أو عصابات النشر الخاص في مصر، فبعد المماطلة في طبع الكتاب أو تعمد اللجوء إلي العقود الشفهية، ثمة أساليب أخري أحدث للخداع والتحايل والفساد الثقافي، نكشف هنا أمدها. كان مهما بالنسبة لنا مواصلة البحث للحصول علي نسخة من تلك الترجمة، لأنها بالفعل حدث لافت يستحق الاهتمام، فإن كان صحيحا فستكون تلك هي أول مرة تصدر المذكرات بالعربية، كما أن خطورتها وأهميتها ومدي تأثيرها عالميا، يدعو للتساؤل عمن سمح بإصدارها بالعربية، وإن كانت هناك عراقيل أم لا، وما هي الجهة المختصة بنشر تراجم لتلك المذكرات، هذا ما حاولنا معرفته من أسماء، ولم نلق شيئاً، غير مراوغة الإجابات، مرة غير معروض للبيع، ومرة لم تبدأ بعد في خطة توزيع الكتاب. الغموض نفسه والشبهات تحيط أيضا بما تسمي ب"مكتبة علاء الدين"، التي أعلنت علي الإنترنت عن نسخة إلكترونية من اليوميات بالعربية، وذلك بعد مرور أكثر من ستين عاما علي صدورها، وهي نفس المكتبة التي أصرت صاحبة "مرايا" أنه لا علاقة لها باليوميات وأنها هي صاحبة الترجمة العربية الأولي، من جهة أخري ترفق تلك المكتبة المجهولة غير العربية، ألحقت "لينك" خاص لتنزيل نسخة "بي دي إف" من المذكرات، يتضح بعد النقر علي اللينك أنه يشترط الاشتراك أولا في موقع الدار، لكن الغريب أنه علي مدار تكرار محاولة الاشتراك أكثر من مرة، تفشل المحاولات بلا سبب واضح، ويتم الرفض ولا تتاح النسخة للقراءة. بقي أن ننوه عما يخص مذكرات آن نفسها، تلك الفتاة اليهودية المولودة في فرانكفورت عام 1929، ولقيت حتفها في الخامسة عشرة عام 1945، هي وأختها في معسكر نازي شمال ألمانيا، بعد التأثر بالتيفويد، وفي هذه المذكرات البريئة المرهفة، وجدت الصهيونية ضالتها حيث أفرغتها من بعدها الوجداني والطفولي، وحاولت الاستفادة منها كوثيقة إدانة للنازية أولا، ثم لتأنيب الضمير الأوروبي و"تأثيمه" انطلاقا من المحرقة، والعكس هو الصحيح فتلك اليوميات تصف مشاعر طفلة عاشت في المخبأ مثل فأرة تقتات من فتات الخبز، ونلمس عبرها ملامح نظرتها المكسورة إلي العالم، وكيف عرفت فتاة صغيرة معاني النفي والعزل مبكرا، بدلا من أن تذوق طعم وروح الطفولة المنطلقة. كانت عائلة فرانك قد انتقلت للعيش في هولندا، بعد وصول هتلر إلي السلطة في العام 1933، هربا من المطاردات المتزايدة التي طاولت اليهود في ألمانيا، وبعد مرور سبع سنوات، احتل الألمان هولندا وتهددت مرة أخري سكينة عائلة فرانك، علي إثر ذلك اختبأت آن وعائلتها في مخبأ سري في شقة تقع بالقرب من مكتب عمل والد آن، وفي أغسطس 1944 شن قادة الجيستابو (الشرطة السرية الألمانية) بالاشتراك مع معاونيهم الهولنديين، هجوما علي المخبأ السري، بعد تلقيهم اتصالا من مجهول قام بالإفصاح عن مكان المخبأ، وتم إرسال المعتقلين إلي معسكر "أوشفيتز" ببولندا، وفي أواخر أكتوبر 1944، نُقلت آن وشقيقتها إلي معسكر الاعتقال بيرجين- بيلزن "Bergen-Belsen" شمال ألمانيا نظرا لصغر سنهما، قبيل أسابيع قليلة من وصول القوات البريطانية وتحريرها معسكر الاعتقال بيرجين- بيلزن في 15 أبريل 1945. كانت آن قد احتفظت خلال تواجدها في المخبأ بدفتر يوميات دونت عليه مخاوفها وطموحاتها وتجاربها، وبعدما نشرت أدرجت هذه اليوميات في البرامج المدرسية والجامعية في بلدان عدة، لتعليم دروس تطبيقية في الشقاء والخوف والألم، والصمود أيضا، كما اعتبرت صوت الكرامة البشرية والطفولة البريئة في أزمنة العذابات الكبري والخسائر عبر التاريخ.