علامات استفهام كبيرة وكثيرة تفرض نفسها منذ اللحظات الأولي لعلمنا بهذا الخبر، فأزمة "ألف ليلة وليلة" لم تنته بعد، ودار النشر "وليدة"، لا يكسبها شهران وإصداران فقط توجها ما مستقرا وكافيا، يمنحنا شيئا من الاطمئنان، فهل من الجائز لنا أن نفكر في أن الأمر لا يمكنه الابتعاد عن كونه مجرد دعاية ترويجية يحتاجها أي مشروع جديد؟، لماذا "الكاماسوترا" الآن بالتحديد؟، وأي نوع من الجسارة تلك التي يمكن أن تتحلي بها - في هذا التوقيت بالذات - أي دار نشر مصرية - مهما كان حجم رسوخها وعراقتها - وهي تقدم علي مثل هذه الخطوة؟ فلم يسبق صدور هذا الكتاب في مصر، وانحصر تداوله عربيا - علي استحياء - في طبعات سوريا ولبنان فقط. الاستفهام والتعجب يزداد إلحاحا خاصة وأن الإعداد لطبعة عربية مصرية من "الكاماسوترا" مازال في طور التجهيز، كما علمت من أسماء يس صاحبة مكتبة ودار نشر "مرايا" حديثة التأسيس، ولا نملك أية حقائق مادية عن الخبر، حتي المعلومات التفصيلية وصلتنا ناقصة مبهمة، فالنص الهندي في الأساس المنسوب للفيلسوف الهندي "مالاينجا فاتسيايانا"، ويتناول كما هو معروف السلوك الجنسي لدي الإنسان، مع رسوم إيضاحية للأوضاع الجنسية، وترجم تقريبا إلي كل اللغات الأجنبية، تتم ترجمته كما تخبرني أسماء من النسخة الإنجليزية للكاماسوترا، ليصبح بذلك - إن صح الخبر - أول طبعة مصرية، في حين رفضت الناشرة الإفصاح عن هوية المترجم، مكتفية بالتأكيد علي إنه مترجم قدير حتي وإن كان غير معروف! عرفنا منها كذلك أن الدار ومقرها مدينة 6 أكتوبر، تستعين في الكتاب الذي سيتم طرحه في معرض الكتاب القادم وفق كلامها، بفنان تشكيلي رفضت أيضا تعريفنا به، ستكون مهمته العمل علي إعادة صياغة الصور الملحقة بالكاماسوترا، وعندما سألتها إن كان يعني ذلك التدخل بتخفيف حدة صراحة الصور حتي تتناسب مع البيئة العربية، نفت ذلك، موضحة أن المعالجة الجديدة للرسوم تقتصر علي تقديم نسخة معاصرة من الكاماسوترا، مع تأكيدها في المجمل الالتزام حرفيا بالنص كما ورد في ترجمته الإنجليزية الأصلية، التي أعدها المستشرق ريتشارد فرانسيس بيرتون، مترجم الليالي أيضا، وأنجزت في عام 1883وهي الطبعة التي من المفترض أن تكون الناشرة قد تقصدها، أو ما نستنتجه من حديثها المقتضب. عدا هذه العناصر المجهّلة، نبقي متأكدين من "المعلومين": المطبوع ودار النشر، فمعظمنا - إن لم يكن جميعنا - يعرف بعض أو كل ما يخص "الكاماسوترا"، من لم يقرأها فقد قرأ عنها، وربما شاهدها إن جاز التعبير، حيث يوصف الكتاب بأنه موجز فن الحب وعلم الجنس لدي البغايا في المعابد الهندوسية، حيث كان الجنس يعد من ضمن الطقوس التي تقوم عليها العبادة وقتها، في القرن الرابع الميلادي. أما دار النشر فقد افتتحت في مارس الماضي كمكتبة في البدء، بغرض الخروج من مركزية القاهرة وشغل فراغ القراءة والثقافة الذي تعانيه منطقة 6 أكتوبر بحسب شرح أسماء، حيث فوجئت بخلو مقر إقامتها من مكتبة واحدة لشراء الكتب وهذا ما حفزها، والدار تخصص قسما مستقلا بالترجمة، إما ترجمة خاصة ب"مرايا" أو بإعادة نشر كتب مترجمة من قبل، إلي جانب نشر وتوزيع الكتب المؤلفة علي اختلاف أنواعها. ما يزيد من التباس أمر "مرايا"، هو إعلانها صدور كتاب "يوميات آن فرانك" عن الدار، وهي مذكرات فتاة يهودية في المخبأ الذي لجأت إليه مع أسرتها هربا من النازية، في الوقت الذي تداولت صحف أجنبية خبر طرح نفس الكتاب كأول ترجمة عربية، ولكن عن دار نشر أخري هي "مكتبة علاء الدين"، أسماء اكتفت بأن الكتاب متاح في مكتبة الدار باسم "مرايا"، وأنها اشترت حقوق الترجمة من مؤسسة مالكة لتلك اليوميات، بينما طلبت مهلة بعدم النشر في هذا الخصوص، إلي حين إطلاعنا علي كافة التفاصيل، ونحن في الانتظار، لكننا هنا ننشر ما يخص الكاماسوترا. عموما خطوة جريئة لو تحققت، ولننتظر ما تعدنا به "مرايا"، وستخطو حين تصدق وتخرج عملا متقنا في الشكل والمضمون أولي عتبات الرسوخ والانتشار، من جانبها تؤكد صاحبة الدار أن فكرة إعادة طبع الكاماسوترا راودتها منذ شهرين ولا علاقة لها بأزمة ألف ليلة، وفي كل الأحوال تلطف أسماء أي وخز بالتشكك في خطوتها الجريئة قائلة: "المشروع جاد وجدي، ولا أفضل طريقة الهواة في الشغل"، وعن احتمال المصادرة ونشوب أزمة جديدة ترد: "لن أتراجع وسأنشر الكتاب، التاريخ يعيد نفسه ونعيش ردة ثقافية في مصر بقدر تناقضنا، حيث نتناول مثل هذا النوع من الكتب بنهم شديد، يعقبه استغفر الله العظيم".