حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية، نهاية إبريل الماضي، الرئيس السوري من مخاطر حرب إقليمية في حالة تزويده حزب الله اللبناني بصواريخ بعيدة المدي، مؤكدة أن الرئيس الأسد يتخذ قرارات قد تعني الحرب أو السلام في المنطقة، ولم تكد تمضي أيام حتي اتخذ الرئيس باراك أوباما قراره بتجديد العقوبات الأمريكية علي سوريا متهما إياها بدعم المنظمات الإرهابية والسعي للحصول علي برامج لأسلحة الدمار الشامل والصواريخ، موضحا أن "أفعال سوريا وسياساتها تشكل خطرا مستمرا غير عادي علي الأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد في الولاياتالمتحدة"، وكان من شأن هذه المواقف إعادة طرح مسألة الحرب الإقليمية بقوة، الأمر الذي يدفعنا إلي بلورة عدد من الملاحظات التي قد تساعد علي فهم طبيعة هذه المواقف وأهدافها والإطار الذي يحيط بها: 1- إن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية جاءت في سياق كلمة ألقتها أمام اللجنة الأمريكية اليهودية، وبالتوازي مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي لواشنطن أعلن خلالها، في مؤتمر صحفي بمقر وزارة الدفاع الأمريكية، أن بلاده لا تسعي لتفجير الصراع، وإن كانت تراقب عن كثب التطورات التي تتعلق بحزب الله، معبرا عن اعتقاده بأن الأخير لا يساهم في استقرار المنطقة. وحقيقة الأمر أن هذه المواقف جاءت في أعقاب حملة أطلقها مسئولون إسرائيليون مفادها قيام سوريا بتزويد حزب الله اللبناني بصواريخ سكود، وهو ما لم تكن كل من إسرائيل والولاياتالمتحدة قادرتين علي تقديم أدلة علي صحته. 2- تضمنت كلمة الوزيرة الأمريكية الإشارة إلي وجود "تهديدات واقعية ومتنامية لأمن إسرائيل، يلزم معالجتها"، موضحة بجلاء أن إسرائيل تواجه "أصعب التحديات في تاريخها" لاسيما من إيران وسوريا والجماعات التي تحصل منهما علي الدعم مثل حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، ومؤكدة مجددا تصميم واشنطن علي حملهم علي تغيير المسار، وهو ما مثل تبنيا واضحا وصريحا لمواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي التي تقدم إيران علي أنها خطر وجودي علي بلاده وتشير علي الدوام إلي محور الشر الإقليمي بمكوناته الأربعة التي أشارت إليها المسئولة الأمريكية في كلمتها. 3- أسفرت التهديدات الأمريكية والإسرائيلية معا عن بلورة رد فعل قوي شاركت فيه كل من طهران ودمشق فضلا عن حزب الله اللبناني؛ حيث اعتبر نائب الرئيس الإيراني، في ختام اجتماعات اللجنة السورية الإيرانية العليا بدمشق، أن التهديدات الإسرائيلية لسوريا ليست لها قيمة، وأن بلاده ستكون بجانب سوريا في التصدي لأي تهديد تتعرض له وبكل ما تملك من قوة، أما رئيس الوزراء السوري فقد أكد أن البلدين في خندق واحد لمواجهة التهديدات والتحديات، أما أمين عام حزب الله المعني الرئيسي بالقضية فقد ذهب إلي أن الادعاءات بأن سوريا تنقل صورايخ سكود إلي حزبه تهدف إلي الضغط علي سوريا ولبنان. 4- إن وضعية التوتر التي وجدت لبنان نفسها في خضمها دفعت مسئوليها إلي اتخاذ مواقف قوية ومتناغمة، ففي حين أوضح رئيس الدولة، العماد ميشيل سليمان، أن هدف إسرائيل من تهديداتها علي خلفية ما تردد عن تزويد حزب الله بصورايخ سكود هو خلق حالة من الانقسام في الصف اللبناني، محذرا إياها من أنها ستدفع ثمنا كبيرا وتتألم كثيرا إذا اعتدت علي بلاده، وسخر رئيس الوزراء، سعد الحريري، من هذه الادعاءات وشبهها بالاتهامات الأمريكية للعراق بحيازة أسلحة دمار شامل قبل غزو عام 2003 . 5- جاءت المناورات العسكرية الضخمة التي قام بها الحرس الثوري الإيراني في الأسبوع الأخير من إبريل الماضي في منطقة الخليج ومضيق هرمز، والتي تلتها مناورات بحرية أخري من قبل الجيش الإيراني، لتزيد من نبرة التصعيد في المنطقة؛ حيث شهدت تشغيل نحو ثلاثمائة زورق من طراز "يا مهدي" الذي تم تقديمه علي أنه فائق السرعة ويمكنه تفادي أجهزة الرادار وقادر علي تعقب واستهداف سفن العدو بطريقة ذكية وتدميرها. وفي هذه الأثناء خرجت معلومات حول تفادي مواجهة أمريكية-إيرانية بالخليج في الحادي والعشرين من إبريل حيث نقلت وكالة أسوشيتد برس عن ضابط أمريكي أن طائرة مراقبة إيرانية حلقت علي نحو ألف ياردة من حاملة الطائرات إيزنهاور يو إس إس. وإذا كانت المعطيات السابقة، بما فيها من مواقف سياسية وتحركات عسكرية، تثير بقوة إمكانية اندلاع حرب إقليمية في المنطقة، فإن المتابعة الدقيقة لما رافقها من تطورات أخري قد تقود إلي نتيجة أخري مفادها أن ما يجري علي الأرض ما هو إلا جزء من تحركات أوسع تشمل المنطقة برمتها كما أنها تندرج في إطار حرب نفسية تستهدف ما يطلق عليه "قوي الممانعة" وتخاطب ما دُرج علي تسميته "قوي الاعتدال" في الإقليم، وللتدليل علي ذلك قد يكون من المفيد التذكير بمعطيات أخري تزامنت مع ما تقدم، وعلي رأسها: 1- الدفع الأمريكي المتواصل لاستئناف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية حتي وإن كانت غير مباشرة، ومعاودة وزيرة الخارجية الأمريكية في نفس الخطاب المشار إليه عاليه مطالبة الدول العربية بتقديم دعم أكبر لتحركات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية وإلي التوقف عن تسليح المتشددين وأن تتخذ خطوات محددة وملموسة تُظهر للإسرائيليين والفلسطينيين أن السلام ممكن وأن له فوائد ملموسة إذا ما تحقق. وليس أدل علي ذلك من أن الخطوات التصعيدية تجاه كل من إيران وسوريا تزامنت مع جولة جديدة للسيناتور ميتشل للمنطقة لإطلاق محادثات السلام غير المباشرة التي حظيت بضوء أخضر عربي في ضوء المؤشرات الإيجابية التي أرسلها الجانب الأمريكي. 2- السعي الأمريكي الدءوب لكبح جماح الآلة العسكرية الإسرائيلية ومنعها من الإقدام علي مغامرة عسكرية ضد إيران، وفي هذا الإطار يمكن تفسير اللهجة المتشددة تجاه سوريا علي خلفية ما ذهبت إلية إسرائيل من تزويدها لحزب الله بصواريخ متطورة، وإعادة التأكيد علي وقوف الولاياتالمتحدة إلي جانب إسرائيل للدفاع عن أمنها، وتكثيف الجهود الدبلوماسية للحصول علي موافقة كل من الصين وروسيا علي فرض حزمة جديدة من العقوبات علي إيران، في إطار ما أصبح يعرف تحت مسمي "استراتيجية المسارين" التي تقوم علي المزاوجة بين خياري الحوار الدبلوماسي والعقوبات الدولية، مع التلويح بأن الخيار العسكري ما زال مطروحا علي الطاولة. وإذا كانت المواقف الأمريكية الأخيرة تعيد إلي الأذهان بقوة سياسات الإدارة السابقة التي تبنت مواقف متشددة من كل من إيران وسوريا وحركات المقاومة الفلسطينية، وعملت علي حشد التأييد العربي في إطار ما عُرف آنذاك ب "محور الاعتدال" ضد إيران باعتبارها الخطر الرئيسي علي دول المنطقة، فإن المواقف الصادرة عن تلك الدول من المزاعم الإسرائيلية تجاه سوريا تبرز بجلاء أن التوجه الأمريكي في هذا الاتجاه لا يزال يواجه نفس العقبات التي اصطدم بها خلال فترة ولاية الرئيس السابق جورج بوش، وأن التغيير أصبح ضرورة ملحة يلزم ترجمتها علي أرض الواقع لتجنيب المنطقة من الانزلاق في حرب إقليمية جديدة.