ستظل قضية التعليم في مصر قائمة في ظل الاعتماد علي سياسة المسكنات لا سياسة البتر وإعادة البناء ومع كل تغير وزاري يخرج إلينا الوزير الجديد بالعشرات من التصريحات واللجان التي «علي حد تعبير المسئول الجديد» ستحل المعضلة التعليمية في غضون أيام، وسيبدأ التعليم مرحلة جديدة تواكب أحدث ما وصل إليه التعليم في العالم وبعد أيام قليلة تهدأ الزوبعة ويبقي كل شيء علي حالة وتكون الشكوي ضيق ذات اليد!! وبالفعل تأتي قضية ضيق ذات اليد علي قمة مشكلات الهرم التعليمي في مصر فبحسب بعض الإحصائيات التي أكدت أن قيمة ما يحصل عليه الطالب في المرحلة ما قبل التعليم الجامعي لا تتعدي 130 دولاراً أمريكياً في العام في حين تصل في إحدي الدول المجاورة إلي نحو 5 آلاف دولار وفي بعض الدول العربية إلي أكثر من 1300 دولار. أيضا لدينا نحو 40 ألف مدرسة قرابة 25% منها آيل للسقوط تحتاج لأكثر من 750 مليون جنيه سنويا لإعادة صيانتها. وهنا نتساءل: كيف نطور التعليم وهناك عجز في عدد المدرسين بعد أن تم تحويل ما لا يقل عن 50% منهم إلي وظائف إدارية وإشرافية؟ كيف نطور التعليم ومرتبات المدرسين لا تكفي لأدني مستوي معيشي وبالتالي يلجأ المدرس إلي الدروس الخصوصية لمن يستطيع أن يدفع؟ كيف نطور التعليم وهناك فصول تصل كثافتها إلي نحو 70 طالبا؟ ناهيك عن قضية الموسم وكل موسم والمعروفة باسم «تطوير المناهج التعليمية» والتي مازلنا نتحدث عنها منذ انعقاد المؤتمر الأول لتطوير التعليم الابتدائي الذي عقد في فبراير عام 1993 والمؤتمر القومي لتطوير التعليم الاعدادي الذي عقد في عام 1994 . ثم تلا ذلك مؤتمر قومي عن المعلم إعداده وتطويره ورعايته وكان في عام 1996 وفي عام 2000 عقد المؤتمر القومي لاكتشاف الموهوبين ورعايتهم. وفي ديسمبر 2004 عقد مؤتمر التعليم في الإسكندرية والذي أكد علي ضرورة الإبقاء علي مجانية التعليم كحق لكل مصري والتأكيد علي تطبيق مبدأ التدرج في عملية التعليم وأجمع الخبراء من خلالها علي ضرورة تطوير المناهج التعليمية تطويراً جذرياً ووضع سياسات تعليمية جديدة تتواكب ومتغيرات العصر ناهيك عن التعليم الفني فحدث ولا حرج. ومع اقتراب العام الدراسي الحالي من الانتهاء بدأنا من جديد نتحدث عن تطوير المناهج أو تغييرها ولكن هناك فرقاً بين التطوير والتغيير فبحسب المتخصصين التغيير يتجه نحو الأفضل أو الأسوأ بينما التطوير يتجه نحو الأفضل والأحسن، التغيير يحدث بإرادة الإنسان أو بدون إرادته بينما التطوير يحدث بإرادة الإنسان ورغبته الصادقة، التغيير جزئي إذ ينصب علي جانب معين أو نقطة محددة بينما التطوير شامل ينصب علي جميع جوانب الموضوع، التطوير عملية شاملة وديناميكية شاملة كونها تنصب علي جميع الجوانب وتمس جميع العوامل المؤثرة في الموضوع وديناميكيه لأن جميع العناصر التي تدخل فيها تكون في تفاعل مستمر وكل عنصر يؤثر في غيره من هذه العناصر. وتعود أهمية تطوير المنهج باعتبار أنه عملية مهمة لا تقل أهميتها عن عملية بنائه والدليل علي ذلك هو أنه لو قمنا بإعداد منهج بجميع صور التكنولوجيا والتقدم الحديث وأهمل هذا المنهج لسنوات عدة فسيحكم عليه بالتجمد والتخلف. ومن هنا تظهر عملية تطوير المنهج لدرجة أنه من يقوم في أيامنا هذه بعملية بناء المنهج لابد أن يضع تحت نصب عينيه أسس تطويره. أما دواعي التطوير فهناك عدة دواعي، من أهمها طبيعة العصر الذي نعيش فيه، الإسهام في التقدم العلمي والتقني، سوء وقصور المناهج الحالية ويتم معرفة ذلك من خلال نتائج الامتحانات وتقرير الخبراء والموجهين والفنيين. وآخر نتائج البحوث التربوية عدم قدرة المناهج الحالية علي الإسهام الفعال في التغيير الاجتماعي، عجز المناهج الحالية عن ملاحقة التطور في الفكر التربوي والنفسي، ارتفاع نسبة الفاقد في التعليم وأخيراً مشكلة الغزو الثقافي. ومؤخرا عقد الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم مؤتمراً صحفياً بحضور مفتي الجمهورية أكدا خلاله علي ضرورة تطوير المناهج الدينية كي تتواءم مع متغيرات العصر وأرجع وزير التعليم قرار المراجعة إلي وجود عبارات في مناهج التربية الإسلامية فسرها البعض بأنها تحرض علي العنف وهو بعيد عن سماحة الإسلام. وأوضح مفتي مصر أنه وغيره من علماء التربية قد وضعوا خبراتهم السابقة في مجال تطوير مناهج التربية الإسلامية أمام وزير التعليم وبناء علي طلبه لخدمة المصالح العليا للوطن والارتقاء بمستوي التعليم الأساسي ودعا وزارة التربية والتعليم إلي مراعاة أن تحتوي المناهج الجديدة علي ما يدعم تكوين إنسان مسلم قادر علي إدراك التنوع البشري وضرورته ويحترم المخالفين له في العقيدة أو اللون أو اللغة أو الجنس ويؤمن بأن البشر جميعا إما أخ في العقيدة أو نظير في الخلق له حرمة وقدسية إنسانية فرضها الله سبحانه لكل نفس بشرية مؤمنة كانت أم غير مؤمنة. وفي نفس الوقت أعلن وزير التربية والتعليم أنه قد أرسل إلي قداسة البابا شنودة الثالث يطلب منه إعادة دراسة مناهج الدين والعمل علي تطويرها. أيضا وفي نفس الوقت خرجت علينا بعض وسائل الإعلام لتؤكد أن تطوير مناهج التربية الدينية تأتي طبقا لأجندة أمريكية وأن هناك بعض المتخصصين في هذا الشأن من اليهود سيشاركون في عملية التطوير وهو ما نفاه فضيلة المفتي من خلال البيان الذي صدر عن دار الإفتاء وأوضح فيه أن الأزهر الشريف هو الجهة الوحيدة في مصر المنوط بها تطوير مناهج التربية الدينية الإسلامية. وهكذا سيظل موضوع التطوير صراعاً دائماً بين من ينشدون التطوير لمستقبل أفضل وبين من لا يريدون التطوير بدعوي وجود أجندة أجنبية وسيبقي التطوير دخاناً في الهواء.