تربطني والراحل بدر الدين أدهم مدير تحرير الزميلة «الأخبار» صداقة دامت 37 عاماً.. تباعدت وتدانت بفعل عوامل الغربة وهموم الحياة ومسئولياتها.. بدأت عام 1973 ونحن نخطو أولي خطواتنا الجامعية داخل كلية الإعلام.. شاب مفعم بالحيوية.. يعشق الحياة.. بداخله طفل جميل يجبرك علي احتضانه.. اجتماعي بشكل يثير انتباه ودهشة الغرباء.. وأزعم أنه ظلت بداخله تلك الصفات حتي أيامه الأخيرة. صعب جداً.. خاصة علينا نحن معشر الصحفيين أن يتلقي أحد منا خبر وفاة صديق عمره علي صفحات الجرائد مثله في ذلك مثل القارئ العادي.. هذا بالفعل ما حدث معي.. تلقيت الخبر الفاجعة مطبوعاً علي صفحات الصحف.. كنت في إجازة مرضية الأسبوع الماضي.. ومساء الاثنين نزلت لشراء صحف الثلاثاء ودون أدني لهفة هذه المرة لقراءة محتوياتها أو عناوينها الرئيسية.. وضعت الصحف داخل السيارة واتجهت إلي المنزل.. وداخل غرفتي وأنا أطالعها تلقيت الخبر الصادم «وفاة الصحفي بدر الدين أدهم» وبجوار الخبر صورة للفقيد وهو يبتسم كعادته.. لكنني تخيلتها هذه المرة وكأنها ابتسامة تسخر من القدر الذي وضعنا دون أن ندري في هذا الموقف.. ورحل بدر «بدّور» بتشديد الدال كما كنت أناديه دائما وشعرت وقتها أنني فشلت مهنياً لعدم معرفتي بالخبر الفاجعة فور حدوثه.. وأخلاقياً لأنني لم أتمكن من المشاركة في تشييع جثمان صديق عمري حيث دفن عصر اليوم الذي تلقيت فيه النبأ في المساء! في سرادق العزاء يوم الأربعاء قبل الماضي.. أخذت مقعدي وجلست صامتاً.. وجوه كثيرة أعرفها لكنني لست بقادر علي التواصل مع أحد.. صحفيون يتقدمهم النقيب الأستاذ مكرم محمد أحمد والنقيب السابق الأستاذ جلال عارف.. وعدد من رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف.. أصدقاء وزملاء المهنة.. اكتشفت في تلك اللحظة أننا صرنا لا نلتقي سوي في سرادق العزاء.. وشعرت وقتها كم أن مهنتنا قاسية إلي الدرجة التي جعلت فيها الموت هو الشيء الوحيد الذي يجمعنا!! السرادق يمتلئ أيضا بالدبلوماسيين المصريين والعرب يتقدمهم عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية حيث كان الفقيد مسئولاً عن تغطية أخبار جامعة العرب التي كنت أتمني أن ينصلح حالها قبل رحيله.. لقد مات الفقيد مهموماً بقضايانا العربية وما أكثرها! جلست ما يقرب من الساعة وانصرفت حيث كان الفشل لايزال يطاردني.. وأنا أقدم واجب العزاء شاهدت من بين أهل الفقيد الشاب بدر أدهم في صورة ابنه الصغير «نور» الطالب بالثانوي.. عرفته رغم أنها المرة الأولي التي التقي فيها به وقلت حقا «اللي خلف مامتش».. لكنني فقدت بدر الصديق.، ولا عزاء للمهنة.