السياسة ليست رهبنة.. والمصالح لا تعني فسادًا (ال) التعريف هنا لا مبالغة فيها، ف (الوطني) يشار له دون غيره في الحياة السياسية المصرية بأنه (الحزب)، الآخرون.. مع كامل الاحترام لهم.. لابد أن يشار إليهم بأسمائهم لكي يعرفوا.. وبين الأحزاب المصرية ال24 من قد لا يعرف حتي لو ذكر اسمه. و(الوطني)، الذي تكثفت أيديولوجيته، واتضحت، منذ خضع لعملية تطوير منظمة ومتدرجة في 2002، هو كيان تنظيمي سياسي له رؤية، لكن أهميته ليست فقط في كونه (الحزب الذي تنتمي له الأغلبية)، أو الحزب الذي يرأسه الرئيس كما يقول البعض، وإنما كذلك في أنه الكيان السياسي الأقدر علي تلبية تعقيدات الحياة المجتمعية (فئويًا ومهنيًا وعائليًا وقبليًا وعرقيًا ودينيًا وعمريًا).. وهو ما لم يتمكن من تلبيته أي حزب آخر. يصف هذه الحالة بعض المعلقين بأنها تعبير عن (شبكة مصالح)، والعبارة نفسها ليست عيبًا في قاموس السياسة ولا تشير إلي قبح، فالأحزاب تعبر عن مصالح الفئات والطبقات وأصحاب الآراء.. وأهمية (الوطني) تنبع من أنه استطاع أن يضع كل هذه المصالح تحت إطار أيديولوجي واحد.. في قنوات تنظيمية تستوعب الاختلاف والتنوع. لكن الثقافة الستيناوية ألبست كلمة (المصالح) بشكل عام معاني سلبية، ورسخت في الذهنية العامة معني أن السياسة مرادف للزهد، وأن العمل السياسي نوع من الرهبنة، ولا يجوز الاستفادة منه.. ومن ثم تطور المعني بمضي الوقت.. ومع تواصل الحملات الإعلامية.. والاتهامات التي لا تتوقف.. إلي جعل السعي لهذه المصالح (فسادًا). الناس يمارسون السياسة لأنهم يريدون أن يحققوا أهدافًا بعينها، بدءًا من الرغبة في تطبيق رؤية معينة.. وصولاً إلي بلوغ المناصب والمواقع.. وما بين هذا وذاك هم يدافعون عن خصائص يريدونها للمجتمع.. وتوازنات بعينها، ودولة بصفات محددة، سياسة تحقق الفوائد للبلد كما يرونها.. وبما في ذلك السعي لتحقيق مصالح اقتصادية في إطار القانون والدستور وعبر آليات الشرعية.. واتساقًا مع معايير الشفافية. وقد نجح الحزب في أن يرقي أهداف الشبكة الاجتماعية والمجتمعية المعقدة التي يعبر عنها بحيث إنه بعد 2002، متسلحًا بالفكر الجديد، جعل لهذه الأهداف بوتقة سياسية علمية منظمة، ترسخ وجود الحزب وانتشاره.. ومن المدهش أن هذا قد أدي إلي تعضيد وجوده وتوسيع بنائه وعضويته.. علي الرغم من أن حملات انتقاده قد تعمقت وزادت ومازالت مستمرة منذ بدء عمليات التطوير. ما لا يستطيع الكثيرون استيعابه، أو ربما يتجاهلونه، هو أنه لا يوجد كيان سياسي آخر له القدرة علي تحقيق هذه المصالح الاجتماعية لمن يعبر عنهم كما يحقق ذلك (الوطني)، لا سيما أنه المعبر الحقيقي عن الطبقة المتوسطة. وبافتراض أن جماعة الإخوان المحظورة تتميز بكونها الكيان المناظر تنظيميًا، والمعروف بأيديولوجيته الواضحة، إلا أنها بخلاف كونها ضد المبادئ الدستورية.. وتخلط الدين بالسياسة وتستخدم هذا من أجل ذاك أوضح حالات الفساد السياسي والديني بخلاف هذا هي لا تملك القدرة علي تلبية المتطلبات الاجتماعية الشاملة لكل فئات المجتمع بنفس قدرة (الوطني). الإخوان جماعة تستبعد الأقباط، وتستبعد قطاعات كاملة من النساء، وهي ضد مصالح طبقات كاملة في المجتمع. وهي لا توفر الطمأنينة للرأسمالية الوطنية، وتمثل خصمًا لأنصار المدنية والحياة العصرية، وعنوانًا لعدم الاستقرار الذي يثير احتماله قلق فئات عريضة في المجتمع.. ومثال ذلك موقفها من اتفاقيات السلام.. وبالتالي فأيًا ما كانت قدرتها التنظيمية وإمكانياتها في اجتذاب قطاعات من الشباب وخداع فقراء، إلا أنها لا تمثل حقًا بديلاً اجتماعيًا وسياسيًا كما قد يعتقد البعض. قياسا علي معايير القوة والضعف تلك، واستنادًا إلي أن القوي السياسية الأخري في المجتمع ليست في حالة مقارنة وما تكتسبه خلال التنافس السياسي يمثل طفرات وومضات لا تعبر عن سياق متصل، وفي ضوء أن الحركات الاحتجاجية ليس لها جذور من أي نوع رغم صخبها الإعلامي، فإنه ليس من المتوقع أن ينكسر انفراد (الوطني) بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ولعل هذا هو أحد الأسباب التي تدفع القوي السياسية المنافسة نظريًا إلي أن تشن حملتها المستمرة علي الحزب، بحيث تبقيه تحت النار منذ فترة بعيدة وإلي اليوم.. مرسخة في أذهان الناس ما يعني أنه كيان (شرير) و(احتكاري) ويمثل (شبكة من الفاسدين).. ولست أدري كيف يكون 2 مليون عضو في الحزب، لكل منهم عائلاتهم.. وانتماءاتهم الاجتماعية والقبلية.. كلهم فاسدين.. إلا إذا كان المجتمع كله قد فسد؟ وطريقة التعامل مع حالة (تحت النار) هذه تستوجب وقفة.. خاصة أن بعض النيران (صديقة).. وقفة لا تنبع من أسباب تتعلق بالانتماء الحزبي.. بقدر ما ترتبط بالرغبة في تخليص الحياة السياسية المصرية من أحد أهم أمراضها.. ذلك أنه إذا كان الحزب الأكبر علي هذا القدر من (الشر) كما تصر الحملات المضادة علي وصفه.. فإن التحليل الأبعد يقودنا إلي أن الحياة الحزبية برمتها (فاسدة) ويجب أن تهدم بأشملها.. لو صح كل ذلك.. وهو بالتأكيد غير صحيح. وقد يكون مدهشًا للبعض أن نري أن السبب الأول في نمو تلك الحملة هو أن (الحزب) لديه معرفة كاملة بقدراته، وتنظيمه، وإمكانيات فوزه.. إن ثقته بنفسه وباحتمالات فوزه في انتخابات نزيهة خاضعة للمتابعة متنوعة الأساليب (قضائيًا وإعلاميًا ومدنيًا)، هي التي تجعله يمارس الصمت في مواجهة تلك الحملات.. لكن هذه الحالة تحتاج إلي شرح.. كما أن هناك نقاطًا أخري. ونواصل غدًا اقرأ ايضا لعبدالله كمال فى نفس العدد (مقال عمود [ولكن ]فى الصفحه الاخيره) : الزمالك..امن قومى ! [email protected] www.abkamal.net