يحكي أن شاباً كان نائماً نوماً عميقاً وكان يحلم بأنه يتمشي في مكان جميل جداً ذا مناظر خيالية.. وإذا به يري أسدا ضخماً ينطلق بسرعة خيالية نحوه، وكان الجوع بادياًًً علي الأسد المسرع لالتهام الفريسة.. أخذ الشاب يجري بسرعة والأسد يجري وراءه، وعندما اقترب منه الأسد رأي الشاب بئرا قديمة فقفز قفزة قوية فإذا هو في البئر.. ولما أمسك بحبل البئر الذي يسحب به الماء، أخذ الشاب يتأرجح داخل البئر. وبمجرد أن أخذ أنفاسه، وهدأ روعه، وسكن زئير الأسد؛ إذا به يسمع صوت فحيح ثعبان ضخم بجوف البئر.. يا للمأزق! الأسد فوق، والثعبان بأسفل البئر والشاب معلق علي الحبل لا يستطيع الهروب!! وفيما هو يفكر بطريقة يتخلص بها من الأسد والثعبان، اذا بفأرين أحدهما أسود والآخر أبيض يصعدان الي أعلي الحبل، ثم يقرضان الحبل.. حل الخوف والرعب علي الشاب المسكين حتي أخذ يهز الحبل بيديه ليبعد الفأرين عنه. وأخذ يزيد في تحريك الحبل بشدة بسبب رعبه، حتي أصبح يتأرجح يميناً ويساراً بعنف داخل البئر.. وأخذ يصطدم بجوانب البئر من هنا وهناك.. وإذا به يشعر بشيء رطب ولزج يضرب بمرفقه، وشيئا فشيئا أدرك الشاب أن هذا السائل اللزج علي جوانب البئر هو عسل النحل.. وبالرغم من الموقف العصيب الذي يعانيه، قام بتذوق العسل وكرر ذلك مرة ومرات؛ حتي أنه ومن شدة حلاوة العسل نسي الموقف الذي هو فيه.. وفجأة استيقظ من النوم.. لقد كان هذا حلما مزعجا! قام الشاب منزعجاً وقرر أن يذهب الي شخص يفسر له الحلم.. وبالفعل ذهب الي أحد الحكماء وقص عليه الحلم.. فضحك الحكيم وقال: ألم تعرف تفسير الحلم وحدك، ولم تدرك معناه؟؟ قال الشاب: لا.. قال له الحكيم: الأسد الذي يجري وراءك هو الموت، والبئر الذي به الثعبان هو قبرك، والحبل الذي تتعلق به هو عمرك، والفأران الأسود والأبيض هما الليل والنهار يقرضان من عمرك شيئا فشيئا حتي ينتهي.. قال الشاب: وما هو العسل إذن؟ قال الحكيم: العسل هو الدنيا، وحلاوته هي حلاوة الدنيا التي غالبا ما تنسي الإنسان أن الموت يلاحقه، والنهاية تنتظره، وعمره ينقضي بسرعة! تري هل كان الحلم حلما صحا الشاب منه إلي أرض الواقع؟ أم كان الحلم هو الواقع الذي نهرب من مواجهته عندما نصحو إلي أرض العسل؟ ونتجاهله بالرغم من حقيقته لنستمتع بحلاوة العسل؟ وننسي أو نتناسي أن ذلك هو الواقع الآتي حتما لنختار حلما أو أحلاما وقتية تنتهي سريعاً بالنهاية المحتومة؟ ليست هذه دعوة للتشاؤم، ولا للتفلسف، ولا حتي للزهد.. وليست مجرد تأمل في قصة رمزية، أو معان أدبية، أو رؤي دينية.. ولكنها دعوة لأصحاب العقول: للفكر، وللتبصر، ولرؤية الحقيقة، والتفريق بين الحلم والواقع.