الحلاوة التي نتكلم عنها ليست الحلاوة الطحينية او حلاوة المولد ولا تندرج تحت اي نوع من انواع الحلويات الشرقية او الغربية وهي حلاوة لا تؤكل عن طريق الفم ولا تهضم عن طريق المعده بل هي حلاوة من نوع خاص تؤكل عن طريق اليد وتهضم في جيوب المرتشين والفاسدين ومذاقها له مرارة شديدة علي النفس البشرية، ويعرف مذاقها كل من تعامل مع المحاكم وجميع وقائعها تدخل في باب العلم العام للجميع. ووقائع هذه المقالة تبدأعندما كنت اجلس بالمحكمة في احدي غرف المحامين وسمعت صراخ مواطن وهو يقول «سيبوني خلاص انا مفضلش معايا حاجه الا تمن المواصلات» وخرجت لاستطلاع الامر فاذا برجل وحوله مجموعة كبيرة من الناس يلاحقونه بالقول الحلاوة يا بيه وشخص منهم تنزف الدماء من يده يقول له العشرين جنيه اللي انا أخذتها منك واحد منهم عضني في ايدي وأخذها مني طيب اديني تمن العلاج، والرجل يصرخ: خلاص مفيش مش قادر، وطلبت من عامل غرفة المحامين ان يدخله الي الغرفة وان يبعد عنه هؤلاء الناس، وقال لي عامل الغرفة: المشهد ده بنشوفه كل يوم ودول ناس زي التتار ومالكش دعوه بيهم، إلا انني امسكت بيد هذا الرجل وقمت بادخاله الغرفة وساعدني في ذللك عدد من الزملاء، واغلقت باب غرفة المحامين، وطلبت من هذا الرجل الجلوس حتي يهدأ وقدمت له كوبا من الماء وبدأ من تلقاء نفسه يحكي لي روايته بأنه اتهم في احدي الجنايات ظلما وقام بتوكيل محام الا ان المحامي طلب منه بعض المستندات ليقوم بتقديمها الي المحكمة، «وذهبت لاستخراج هذه المستندات من قلم الحفظ في احدي المحاكم، وذهبت الي موظف الحفظ وطلبت منه استخراج المستندات فبادرني بالقول هتدفع تمن البرسيل والصابونة ام ريحه الملف بتاعك قديم والواحد محتاج يغسل هدومه ويستحمي بعد ما يخرجه فقلت له كام قال لي تلات برايز فافتكرت انهم تلاتين قرش فرد عليا انت فاكر نفسك في زمن السافو والرابسو احنا في زمن الاوتوماتيك وكيلو اللحمه ابو 70 جنيه البريزة يعني عشرة جنيه واحمد ربنا اني ماطلبتش منك بريزة كبيرة يعني مائه جنيه لان باين عليك راجل غلبان فقلت له كتر خيرك ودفعت طبعا لاني لازم استلم المستندات دي علشان هيه دليل براءتي. وفي اول جلسه في محكمة الجنايات واول ما دخلت قاعه الجلسه طلب مني المحامي لاثبات حضوره وحضوري ان اذهب الي امين السر وفوجئت بيه بيقوله انا عايز كحكاية كبيره فسألت ايه هي الكحكاية الكبيرة فرد عَلَي يعني خمسين جنيه ودفعت طبعا وطلب مني دخول القفص وقبل دخولي القفص ان اسلم الجهاز المحمول والساعه واي مبالغ ماليه لاحد اقاربي حتي لا يتم علي حد قوله تقليبي في القفص او في حجز المحكمة ودخلت القفص عن طريق الحجز اللي في بدروم المحكمة ثم انعقدت المحكمة وقررت المحكمة تاجيل القضيه لجلسه النهارده لعدم اعلان المتهم الثاني وفي اخر الجلسه علشان استلم البطاقه لازم ادفع وعلشان اخرج من الحجز الكئيب اللي تحت الارض لازم ادفع تاني، طب انا كنت سلمت الفلوس لاحد اقاربي فطلبوا مني ان أقول لهم اسمه فقلت الاسم وان دليل دفعه للاكراميات هو وصول البطاقة الي الحجز بعدها سيتم صرفي من هذا المكان وبعد حوالي ساعه وصلت البطاقه وخرجت وسألت قريبي ايه اللي حصل؟ فقال لي اني ماليش دعوه بالحكايه دي بعد كده وقال علشان استلم البطاقه واسلمها الي الحرس دفعت مبلغ وعشان الحرس ياخدها ويخرجك عرضوا عَلَي إما ان ادفع مبلغ دفعه واحده ويتولي المستلم توزيعها أو ان ادفع الاكراميات لكل واحد علي حده فاخترت الاولي ودفعت 200 جنيه بالعافيه. واللي حصل في الجلسه الاولي عند بدايتها حصل في جلسه النهارده دفعت الكحكاية وسلمت البطاقه ودخلت القفص ورفض قريبي ان يستلم مني الفلوس او اي شيء واحتفظت بيهم معايا وسلمت امري الي الله وبدأت الجلسه ورفعت الجلسة للمداولة ثم دخل القاضي للنطق بالحكم وعندما نادي علي اسمي توقف قلبي للحظات ثم نطق بكلمه براءة فاصابني احساس بالنشوه والسكره واذا بي بعد انصراف السيد القاضي من الجلسه باصوات مبروك هات الحلاوة والحلاوة بريزتين كبار، ويرد عليه المحامي كفايه بريزه واحده وما حدث معي حدث مع كل المتهمين الموجودين في القفص ولك ان تتخيل القفص كان فيه 15 متهم 14 منهم خدوا براءة وكلهم لازم يدفعوا الحلاوة حتي اللي ماكانش قادر يوكل محامي وتم انتداب محام له من المحكمة واذا بي في ظل هذه السكره اقول طب انا عايز اخرج من القفص فيقفز المتعهد من الحرس انت عارف الطريقه من المره اللي فاتت بس المره دي عايزين الحلاوة ودفعت الحلاوة يا استاذ احسب بقي دخلهم كام في اليوم الواحد يعني دخلهم في الشهر ازيد من دخل القضاه مجتمعين الي حكموا في القضيه بنزاهة وشرف. وبعد ما خرجت ما كنتش عارف ان فيه متسولين آخرين ينتظرون من صدر بحقهم حكم بالبراءة علشان الحلاوة ودول عارفين الدوائر التي تصدر احكاما بالبراءة وبيجلسوا في قاعه الجلسه ويرصدوا المتهمين اللي بيحصلوا علي احكام البراءة وبمجرد صدور حكم البراءة ينقضوا علي المتهم واقاربه طلبا للحلاوة سواء كانوا من عمال البوفيه او الحجاب او متسولين من الشارع زي ما انت شفتهم، والصفاره التي تجمعهم هي زغاريد اهالي المتهم». ويستكمل الرجل حديثه: «انا معايا في جيبي دلوقتي تمن المواصلات وانا كنت عامل زي السكران بعد ما خدت حكم البراءة وكان في جيبي 700 جنيه الباقي خمسين جنيه بس يعني ولو كان معايا زياده كانوا اتصرفوا. حلاوة المحاكم يا استاذ مره علجم» فرددت عليه علي الفور: علجم والله علجم. وبعد ان تاكدنا من خلو المكان خرج الرجل ومعه عامل غرفة المحامين واذ بنا نسمعه يقول للعامل حتي انت عايز الحلاوة مفيش، مفيش، حرام عليكم انا مش تاجر مخدرات، او مختلس، اومن نواب القروض او القمار. واذا بعامل غرفة المحامين يقول: الحقوا الراجل جري في الشارع علشان لقي المتسولين واقفين علي باب المحكمة. ان معالجه هذه الظاهره المتفشيه في المحاكم والتي يعلمها كل المتعاملين مع المحاكم بشكل مباشر او غير مباشر بالنسبه الي جلسات الجنح والجنايات ان يتولي عضو النيابه تنفيذ الجلسات والتأكد من الافراج الفعلي عن المتهمين الذين قضت المحكمة ببراءتهم دون تحرش أو وساطه من بعض أمناء السر أو من بعض حرس المحكمة والتأكد من تمكين المحكوم عليهم في الجنح من الطعن بالاستئناف، ونري الافضل هو انشاء شرطه قضائيه تتبع وزاره العدل مباشره تتمتع بتأهيل كاف وبشفافيه ونزاهه عاليه للتعامل مع كل ما يخص اداره العداله في المحاكم المصريه وانه قد حان الوقت للتخلص تماما من هذا الفساد وفساد الشيء هو تعفنه اي من هذه الحلاوة المرة العفنة.