ماذا نعرف عن كوريا الشمالية أكثر من كونها البلد الذي يمتلك رؤوسا نووية وجيشا كبيراً ويهدد باستخدام أسلحته إذا ماواجه أي تهديد من جيرانه أو الدول الغربية..تلك الدولة التي مازلت تتبع النهج الشمولي الشيوعي في تحقيق أغراضها فالصوت الأول والأخير للرئيس فالدولة هي التي تتخذ القرارات نيابة عن الشعب. بالتأكيد لا نعرف سوي القشور فكوريا الشمالية مازالت لغزاً للعديد من القوي الغربية علي الرغم من وجود أقمار صناعية للتجسس فلا شيء يظهر سوي السواد الحالك لانقطاع الكهرباء معظم الوقت هناك . ولكن ماذا عن الحياة الحقيقية لهذا الشعب ..كيف يعيش وماذا يعرف عن العالم الخارجي ..وكيف يتقبل هذا الوضع علي الرغم من المجاعة التي يعاني منها منذ عام 1990 .. كل هذه الاسئلة تحاول الكاتبة الصحفية باربرا دميك مراسلة صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية بكوريا الجنوبية أن تلقي عليها الضوء في كتابها "Nothing to Envy: Real Lives in North Korea " عبر لقاءاتها مع عدد من المنشقين من الشطر الشمالي والذين فروا عبر الصين إلي الشطر الجنوبي. وتقول دميك أنه من الصعب للغاية الحصول علي صورة حقيقية من الداخل نظرآ لسيطرة بيونج يانج علي مصادر المعلومات فلا أحد يتحدث مع الصحفيين هناك، فضلا عن تعيين الحكومة للمرافقين وتحديد من سيتم الحديث إليه من المواطنين الذين تم اختيارهم بعناية. وتشير دميك إلي أن كوريا الشمالية هي البلد الوحيد الذي يمنع مواطنيه من استخدام الإنترنت، فضلا عن أن محطات الإذاعة والتلفاز محددة فقط علي الترددات المحلية. وتضيف دميك أن الاستماع إلي المحطات الأجنبية يعد جريمة خطيرة خوفا من معرفة ما يحدث في الخارج، مما أدي إلي عزلة إعلامية عن العالم الخارجي بل إن الكوريين الشماليين يعتقدون أن بلادهم هي الافضل ضمن دول العالم وأن ما يعانيه الشعب يعاني منه الجميع بالخارج ولذا فلا يوجد شئ يحسدون العالم عليه وهي نفس الأغنية التي ينشدها الاطفال في المدارس . وتقول دميك أن الكابوس الحقيقي لبيونج يانج يتمثل في أفلام "دي.في .دي " الرخيصة والتي يتم تهريبها من الصين لأن مثل هذه الافلام تظهر فشل الدعاية الشمولية وتعرض كيف تعيش الشعوب بأوروبا و أمريكا وهو علي النقيض تماما مما كانت تروج له حكومة بيونج يانج من أن هذه الحياة هي الأفضل و أن سبب نقص الغذاء يعود للحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولاياتالمتحدة عليها وليس للسياسات الحكومية التي تعتمد علي بناء مفاعلات نووية وتقوية الجيش بدلا من إطعام شعبها . ومن ضمن القصص الإنسانية التي عرضتها دميك لمنشقين كوريين كانت "السيدة سونج" وإبنتها "أواك هي"فقد فرت "أواك هي" بعد تجربتها المريرة بسبب مجاعة 1990 والتي فقدت فيها كلا من أبيها وأخيها و جدتها إلي الصين ثم إلي كوريا الجنوبية واستطاعت أن تهرب والدتها، فالابنة ترفض الحياة في كوريا الشمالية وتري أن الحكومة حولت الشعب إلي دمي وحمقي لرضوخهم لمثل هذا الحكم الشمولي.وتري دميك أن النظام فشل في إطعام مواطنيه ليس رغبة منه في تجويع الشعب ولكن نظرآ لسوء إدارة الأزمة بعد المجاعة خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يعتمد عليه اعتمادا كليا وكذلك التحول الاقتصادي الذي مرت به الصين وهما أكبر حليفتين له، ولكن مع تجاهل الحكومة الأزمة لسنوات أدي ذلك إلي تفاقم الوضع ووفاة ما يزيد علي مليون مواطن. وفي النهاية تقول دميك أن أكثر ما أثار دهشتها هو أن المواطنين في الشطر الشمالي يعيشون حياتهم بشكل طبيعي جدآ ويحاولون النجاة من هذا الوضع، بينما المنشقون يعيشون في حالة من التخبط وانعدام الثقة والرغبة في العودة إلي كوريا الشمالية نظرآ لإحساسهم بالذنب تجاه ذويهم الذين تركوهم وعدم قدرتهم علي التكيف مع الوضع والحياة في كوريا الجنوبية لأنهم تعودوا علي أن الدولة هي التي تحدد لهم، فضلا عن أن الخيارات كانت محدودة وليست بمثل هذا التعدد والتنوع الموجود بالشطر الجنوبي. وعلي الرغم من أن هذا الكتاب يعد رصدآ حقيقيا للحياة من داخل كوريا الشمالية من خلال قصص هؤلاء المنشقين والذي يظهر حجم المعاناة التي يعاني منها الشعب الكوري إلا أن بعض النقاد يرون أن الكتاب لم يستعرض الفرضيات الخاصة بسقوط كوريا الشمالية وفقا لما تنبأ به بعض الباحثين السياسيين وبعض المنشقين.