في مقال الأمس أشرنا إلي أن هناك أزمة في الذوق العام في مصر.. وأنه يمكن القول إن هناك ما يمكن تسميته بالأنوميا الذوقية، حيث لكل فرد مزاجه الشخصي الذي يحاول فرضه علي الآخرين.. وحيث لا توجد مرجعية واحدة، أو خلفية أساسية يمكن الاحتكام إليها والارتكان عليها في التوصل إلي حالة ذوقية واحدة بالنسبة للمجتمع المصري ككل. وتعتبر وسائل الإعلام، علي اختلاف أنواعها، ومضامينها، وطبيعة الجمهور الذي تتوجه إليه، ساحة كبري لانعدام الذوق العام في مصر.. حيث تتوفر في معظم وسائل الإعلام المصرية في الوقت الحالي كل درجات العشوائية البصرية واللفظية والجمالية.. وعلي الرغم من تنوعها، وتعدد توجهاتها، وتباين أنماط الملكية فيها، فإنها تعكس الحالة نفسها، وتشير إلي الظاهرة ذاتها. في حلقة يوم الأربعاء الماضي من برنامج مصر النهارده، والتي سعت محاولة الصلح بين شخصيتين عامتين، تبلورت كل مظاهر الظاهرة: لغوياً، وفكرياً، وأداءً. النية سليمة والهدف نبيل ولكن كيف بدأت وكيف انتهت الحكم هنا للرأي العام والي ما سوف تنتهي اليه لجنة تقييم ممارسة الاداء وحسناً فعل وزير الاعلام ذلك. وفي برامج التوك شو المسائية منها والصباحية، والتي أصبح بعضها أقرب إلي المكلمخانة، وإلي " قعدات المصاطب"، تم فرض نوعيات معينة من الموضوعات، ومن الفضائح التي يتم التركيز عليها، وإبرازها، وإلقاء الضوء الباهر عليها، ونقل تفاصيلها كاملة إلي المشاهد .. دون مراعاة للذوق العام .. صحيح أن هذه القنوات لا تصطنع هذه الأحداث، ولا تفبرك هذه الفضائح، غير أنه ليس من الذوق أن ننقل كل ما يحدث.. وليس معني هذا أننا نؤيد المنع، والتعمية، ولكن يعني أن هناك قضايا، وهناك فضائح لا يجوز تغطيتها لأنها تؤذي الذوق العام.. تماماً مثلما لا يكون من الذوق مثلاً أن نصور شخصاً يقضي حاجته!! فهنا الموضوع يتعلق بالحفاظ علي الذوق العام. في مباراة الزمالك والشرطة، لم يكن من اللائق أو من الذوق العام أن ننقل تفاصيل المهزلة التي وقعت، فأن يسمع المشاهد عن معركة خيراً من أن يشاهد أحداثها.. وتسجيل الأحداث لا يعني بالضرورة إذاعتها أو بثها.. طالما أن هناك ضرراً أكبر يمكن أن يترتب عليها. منذ عدة سنوات نشرت إحدي الصحف المصرية صورة للرئيس السادات عارياً بعد حادث اغتياله.. وقد اعتبرتها الصحيفة سبقاً.. واعتبرها الجمهور والقراء انتهاكاً للذوق العام، وللآداب العامة.. فليس كل ما نسجله أو نحصل عليه يتم نشره أو إذاعته. والمشكلة الحقيقية أنه إذا من السهل علي القائمين بالاتصال أن يحددوا ما هو خارج علي الآداب، وأن يتجنبوا هذه الأفعال أو المشاهد.. فإنه من الصعب علي كثير من الإعلاميين الجدد أن يحددوا ما هو لائق ذوقياً، وما هو خارج عن الذوق العام .. فهذه أشياء يتم اكتسابها بالخبرة الطويلة، وليست "بالفكاكة أو الأونطة " كما يحدث الآن.