كما أن الذوق الشخصي للفرد هو محصلة أسلوب تربيته وثقافته وتعليمه ورحلاته والوسط الذي ينشأ فيه فإن الذوق العام للمجتمع هو محصلة ضرب أذواق الأفراد وجمعها إضافة إلي تأثيرات الوسط الحضاري والتجارب الثقافية والخبرات الحياتية للمجتمع ككل ونستطيع أن نلمس الذوق العام للمجتمع في كل جزء من الشارع وفي السوق وفي قاعات المحاضرات بل في المساجد والكنائس فماذا عن الذوق العام في مصر في هذه الأيام؟ الملاحظ لظاهرة الذوق العام في المجتمع المصري يمكنه أن يخرج بعدة انطباعات سريعة تستلفت انتباه الرائي دون أدني جهد ودون حاجة إلي إعمال عقل، منها أن الذوق العام تحول إلي ذوق خاص وأن «لوحة الفسيفساء» أصبحت أقرب إلي الثقوب والتشوهات المتراصة منها إلي العمل الفني المتكامل في مصر.. لكل منا قانونه الخاص الذي يحكمه فلا توجد قواعد ذوقية أو قوانين جمالية عامة تحكم الذوق العام، في مصر يوجد ما يمكن تسميته بحالة الأنوميا الذوقية والأنوميا هي الحالة التي وصف إيميل دوركايم بها المجتمع عندما لا توجد قواعد مشتركة تحكم الأفراد وعندما لا توجد مرجعية واحدة للجماعة يمكن الاحتكام إليها، في مصر كل واحد ومزاجه لذلك فالعمارات لا يوجد ما يجمع بينها سواء في الألوان أو في الشكل المعماري أو في الشخصية الفنية. وما يلفت النظر أيضا أن هناك سخطاً عاماً بدون ترجمة إلي فعل فالكل يشكو من انهيار الذوق العام والكل يترحم علي أيام الذوق الجميل وأيام الفن الجميل وأيام الأسلوب الجميل دون أن يبدأ كل منا بنفسه ودون أن يعدل كل منا أسلوبه ودون أن يترجم شكواه إلي عمل إيجابي ضد القبح وضد الإهمال. والمتتبع لطريقة الكلام ولأسلوب الإشارات في الحديث يجد أنها في مأزق حقيقي، أصبح التحدث الذي يحتوي علي ألفاظ سوقية وعلي عبارات بيئية هو دلالة علي أن المتحدث «ابن بلد» وأنه «فاهم». في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لاحظوا أن الطلاب المصريين وهم ينتمون إلي أسر راقية ومستوي اقتصادي مرتفع وخريجو مدارس أجنبية أو دولية أصبحوا يرددون العبارات السوقية وأصبحت المصطلحات المتدنية هي المسيطرة علي أحاديث بعضهم رغبة من هؤلاء الطلاب في إثبات أنهم «أولاد بلد بجد» وأنهم «مدردحين» والحل كان في حملة توعية وملصقات تغطي معظم مباني الجامعة الأمريكية في التجمع الخامس تدعو الطلاب إلي حسن استخدام اللغة وإلي مراعاة الذوق العام وإلي تجنب هذه الألفاظ السوقية!! والذوق العام في وسائل الإعلام يمكن أن نتحدث عنه بلا حرج ويمكن أن نقول عنه ما قاله مالك في الخمر وهو موضوع حديثنا غداً إن شاء الله.