يشغلني كثيرا مدي التغييرات والتحولات الجارية في المجتمع المصري, ولكن ما يشغلني أكثر هو عدم إدراك النخبة لما يحدث بين ربوع الوطن لأن وظيفة النخبة في كل بلدان العالم هي إدراك التغيير واستخدامه واستغلاله لدفع عملية التقدم في البلاد ولعلي أفهم تماما مدي القلق علي الأبعاد السياسية للتغيرات الجارية, وبطء الاستجابة للرغبة الملحة في اللحاق بالدول التي سبقتنا في سباق التطور الديمقراطي; ولعلي من جانب آخر أشارك فيه. ولكن الدفع في هذا الاتجاه يأتي من مشارب شتي, بعضها سياسي عن طريق الدعوة والطلب, وبعضها الآخر يكون عن طريق تكثيف الظروف الموضوعية التي تجعل مثل هذه التحولات ممكنة, لأن القضية ليست فقط الوصول إلي دولة ديمقراطية, وإنما أيضا التوصل إلي دولة ديمقراطية ناجحة وفاعلة وكفأة وقادرة علي تشكيل حكوماتها في الوقت المناسب, وتنفيذ برامجها في الوقت المناسب أيضا. صحيح أن السنوات الماضية قد شهدت فيضا كبيرا من المؤلفات التي تصدر, والندوات التي تعقد, والمقالات التي تكتب, عن مدي حدوث تحول, صغر أو كبر, في المجتمع المصري. ويكفي النظر إلي بعض العناوين علي شاكلة ماذا حدث للمصريين؟ وماذا جري للمصريين؟ والتحولات في الشخصية المصرية والتغيرات في السلوكيات المصرية والتبدلات في النسق القيمي للمصريين, حتي ندرك أن شيئا ما يجري بالفعل. ولكن الملاحظ من التوجه العام لهذه الكتابات أنه تغلب عليها الانطباعات والانحيازات التي تجعل ما يحدث في مصر تغييرا في الاتجاه المعاكس أو تحولات في اتجاه الخلف, ونادرا ما تكون نقطة البداية هي ما يحدث فعلا ولا يمكن الاختلاف عليه. فالثابت أن المجتمع المصري كبير وضخم, ووفقا لما يذكره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء, بلغ عدد سكان مصر77 مليونا و701 ألف و561 فردا حتي يناير2010, بحيث يمثل الذكور39 مليوننا و726 ألفا و187 من إجمالي عدد السكان, وتمثل النساء37 مليونا و975 ألفا و374, وتبلغ نسبة التحضر43% فيما يشغل الريف بقية النسبة الأخري, وتبلغ معدلات المواليد مليونين و50 ألفا و704 أطفال أو طفلات في العام, وتبلغ معدلات الوفيات461 ألفا و934 حالة. وفي هذا الإطار, تشير بعض الإحصاءات إلي أن مصر تحتل الترتيب السادس عشر عالميا من حيث عدد السكان والترتيب الثالث في افريقيا والترتيب الأول عربيا. وتبعا لما تشير إليه بيانات الأممالمتحدة, فإذا استمر التحول الديموجرافي في مصر علي هذه الشاكلة, فإنه بحلول عام2025 ستضيف مصر نحو23 مليون نسمة, وستزيد45 مليون نسمة بحلول عام2050. وفقا لما هو سائد في الأدبيات العلمية أو مشاهد في الممارسة اليومية يمكن القول إن المجتمع المصري متجانس ومتماسك, وربما لا يقترب منه في هذا الإطار سوي المجتمع التونسي في المنطقة العربية, مقارنة بمجتمعات أخري تتسم بالانقسام الطائفي مثل لبنان, في حين يغلب علي مجتمعات أخري الانقسام المذهبي وتحديدا بين الشيعة والسنة مثل العراق, وتواجه مجتمعات ثالثة خطر الانقسام العرقي مثل السودان والمغرب والجزائر. مثل ذلك هو الذي يفسر حالة الاستقرار وليس الفوضي الذائعة في القول بين جماعات سياسية نشيطة علي الساحة المصرية تستغرب دائما من الحالة القائمة, وتتوقع في كل الأحوال انفجارا قادما لا محالة. بل إن الأقباط في مصر لا يعدون أقلية بالمعني المتعارف عليه في أدبيات السياسة سوي بالمعيار العددي, لكنهم لا يتسمون بملامح مغايرة عن المصريين المسلمين ولا يقطنون أماكن بعينها, وتطبق عليهم نفس القوانين المدنية المصرية. ومن واقع مشاركة لي في مؤتمر نظمه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في نهاية مايو الماضي, بمشاركة د.علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي ورئيس المؤتمر د.علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة, حمل المؤتمر عنوان الشخصية المصرية في عالم متغير, أشرت إلي أن إحدي الأساطير التي تسود في مصر هي أن المجتمع المصري ثابت وجامد وكأنه أبو الهول, رغم أن هذا المجتمع غير دينه من الفرعونية إلي المسيحية ثم إلي الإسلام, وبدل لغته, وتغير ملبسه سواء بالنسبة للرجل أو المرأة. فالمجتمع المصري يتغير وإن كان بطيئا في مجالات وسريعا في مجالات أخري. فالتغير الحالي في مصر مرتبط برباعية الإقليم والزمن والسلطة والإنسان, حيث الإقليم يمثل المكان والجغرافيا التي تمثل الإطار المادي الذي يعيش فيه الإنسان, ومنه يستخرج موارده; أما الزمن فهو تفاعل التكنولوجيا مع الجغرافيا ومنه تتسع أو تنكمش وتجري عليها متغيرات الوصل والاتصال; والسلطة هي التي تنظم الأمر كله وتضع له حدوده ونواهيه; أما الإنسان فهو في النهاية الذي يتعقل العلاقات كلها ويربطها في إطار من القيم والثقافات. فالسائد بين المقولات أن المصري يموت في أرضه ولا يغادر مكانه, لكن من الملاحظ أنه لم يعد هناك من يردد شعارات سابقة مثل عواد باع أرضه, بحيث تغيرت العلاقة بالإقليم الذي لم يعد أبديا. وشهدت السنوات الثلاثون الأخيرة أكبر موجة هجرة مؤقتة أو دائمة إلي الخارج, بحيث بات هناك ما يقرب من7 ملايين مصري في الخارج, يتمركز عدد كبير منهم في دول الخليج العربية, ولكن مليونا منهم يعيش في شمال أمريكا ومليونا أخري بين أوروبا واستراليا. كما أن علاقة المواطن المصري بالإقليم في الداخل تغيرت أيضا, سواء من داخل الريف إلي المدينة, أو من قلب المدينة وسط البلد إلي ضواحيها, وهو ما يمكن التدليل عليه بنزوح آلاف من المصريين إلي السكن في المدن الجديدة مثل6 أكتوبر والتجمع الخامس والشروق والرحاب وغيرها. وخلال العقود الثلاثة الماضية انتقل المصريون إلي33 مدينة جديدة تماما بلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة, وبشكل عام فإن نسبة العمران في مصر ارتفعت من3% إلي7% ظهرت في شكل مدن جديدة وانتشار علي السواحل البحرية. كما أن هناك متغيرات أخري يمكن من خلالها قياس التغير في حياة المصريين وأبرزها العلاقة مع الزمن, حيث بات الملمح الحاكم لدولاب العمل اليومي للأجيال الجديدة في مصر هو التعامل مع وسائل الاتصال وأدوات التكنولوجيا, من محمول وكمبيوتر وإنترنت وفاكس ودش, وصار التغير لحظيا. ولكن ذلك هو المظهر الجاذب للنظر, وربما كان المثير للتأمل, ولكن ما هو مفقود حتي الآن ملاحظة التغيرات التي جاءت بها الطرق السريعة, والقدرة علي الانتقال نحو البحر, حتي إن ملايين من المصريين يتركون أماكنهم ومدنهم وينتقلون إلي السواحل بحثا عن المتعة أو التجارة أو الخدمات. ويتعلق المتغير الثالث بالعلاقة مع السلطة, فعلي عكس ما يردده البعض من أن المصري سلبي وخانع, تشير الممارسة إلي حدوث تغير في نمط العلاقة بالسلطة الذي تبرزه الحركات الاجتماعية الجديدة في مصر التي لم تستوعبها الأطر القائمة سواء كانت أحزابا سياسية أو نقابات مهنية أو جمعيات أهلية أو أي تنظيمات مؤسسية أخري. والذائع أن مثل هذه الحركات توجد خارج إطار الحزب الوطني الديمقراطي, وفي إطار المعارضة السياسية, ولكن الحادث فعلا هو أن بعضا منها يجري داخل الحزب نفسه حتي لو اتخذ أشكالا حركية أخري. أما المتغير الرابع والأخير فيخص علاقة المواطن بالمجتمع, حيث بدأ كل فرد يبحث عن ملمح خاص له يميزه عن غيره, سواء في المأكل أو الملبس أو التعليم أو الذوق الفني. وإذا كان هناك من يرتدي الحجاب والنقاب والإسدال فهناك من يرتدي البنطلون الجينز, وقد طرحت مبادرات فردية خالصة من جانب أجيال ظللنا لفترة طويلة نصفها بالسلبية والرؤية السطحية والانعزالية والأنانية بحيث باتت طرفا فاعلا في المجال العام, وإن كان البارز منهم نشطاء الانترنت وجماعة المدونين. لقد طرحت هذه المسألة بأشكال مختلفة خلال الفترة القصيرة الماضية, وربما كان الجانب الإيجابي هو الظاهر عليها, ولكن الإدراك هنا هو أن لكل التحولات الاجتماعية انقلاباتها أيضا التي تؤثر في الجريمة, وعلاقات الأسرة الداخلية, بل حتي تكوينات العلاقات في الأحياء والقري من حيث البني الطبقية والاجتماعية. كل ذلك يشكل ثمنا طبيعيا للتغيير والتحول, وهو الثمن الذي علي النخبة التعامل معه والبحث عن حلول للمشكلات المتولدة عن التغيير بما فيها نخبة الحزب الوطني الديمقراطي التي عليها أن تدرك أن ما تقوم به من سياسات لا يترك الوطن علي حاله وإنما يولد كثيرا من التحديات التي تتطلب الاستجابة. بلغ عدد سكان مصر77 مليونا و701 ألف و561 فردا حتي يناير2010, بحيث يمثل الذكور39 مليوننا و726 ألفا و187 من إجمالي عدد السكان, وتمثل النساء37 مليونا و975 ألفا و374, وتبلغ نسبة التحضر43% فيما يشغل الريف بقية النسبة الأخري, وتبلغ معدلات المواليد مليونين و50 ألفا و704 أطفال أو طفلات في العام, وتبلغ معدلات الوفيات461 ألفا و934 حالة المتغير الرابع والأخير فيخص علاقة المواطن بالمجتمع, حيث بدأ كل فرد يبحث عن ملمح خاص له يميزه عن غيره, سواء في المأكل أو الملبس أو التعليم أو الذوق الفني. وإذا كان هناك من يرتدي الحجاب والنقاب والإسدال فهناك من يرتدي البنطلون الجينز, وقد طرحت مبادرات فردية خالصة من جانب أجيال ظللنا لفترة طويلة نصفها بالسلبية والرؤية السطحية والانعزالية والأنانية [email protected]