147 ألف شكوى.. رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو    وزير الأوقاف: جهود الوزارة في الحفاظ على السنة قديم وليس وليد اللحظة    بحضور السفير الفرنسي.. افتتاح المكتب الفرانكفوني بجامعة القاهرة الدولية ب 6 أكتوبر    برلماني: ثورة 30 يونيو فجر جديد وحد إرادة الشعب المصري لمواجهة التحديات    آخر تحديث.. سعر الجنيه الإسترليني اليوم السبت 8-6-2024 في البنوك    «الزراعة»: رفع درجة الاستعداد في 300 مجرز لاستقبال عيد الأضحى    «رجال الأعمال» تبحث تعزيز مشاركة القطاع الخاص في خطة وزارة الزراعة    وزيرة البيئة تلتقى ممثلى شركة تيتان مصر للأسمنت لبحث الفرص الاستثمارية    وزير المالية: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على زيادة الإنتاج المحلى والتصدير للخارج    حماس تسلم ردها على خطة بايدن للتهدئة في غزة اليوم    كتائب القسام: تفجير حقل ألغام معد سابقا في قوة هندسية للاحتلال وإيقاعها بين قتيل وجريح شرق رفح    «إكسترا نيوز» تبرز عدد الوطن اليوم.. تغير الموقف العالمي تجاه القضية الفلسطينية    رضا عبد العال: منتخب مصر لو قدام غينيا بيساو بنفس خطة بوركينا هيخسر    مصطفى شلبي: شيكابالا أفضل من محمد صلاح    طلب تحريات سيارة نقل اصطدمت بمحطة الأوتوبيس الترددي على الطريق الدائري بالمرج    محافظ المنوفية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 81.62 %    وكيل الأزهر يتفقد لجان اللغة الإنجليزية بمصر الجديدة ويشيد بالتزام الطلاب    حفظ التحقيقات حول وفاة نقاش بالمنيرة    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب سيارة بالبحيرة    الأمن العام يضبط حائزي وتجار المخدرات والأسلحة النارية والذخائر    جوليا باترز تنضم إلى فريق عمل الجزء الثاني من فيلم «Freaky Friday»    التوقعات الفلكية لبرج الحمل في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    نجيب الريحاني وجه باك أضحك الجماهير.. قصة كوميديان انطلق من كازينو بديعة وتحول منزله إلى قصر ثقافة    قافلة طبية مجانية بقرية المثلث في كفر الشيخ ضمن «حياة كريمة»    اندلاع حريق كبير جراء قصف إسرائيلي لبلدة حولا حي المرج ووادي الدلافة في جنوب لبنان    بسبب ارتفاع درجات الحرارة.. تخفيض سرعة القطارات على معظم خطوط السكة الحديد    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    ارتفاع أعداد شهداء مدرسة تؤوى نازحين بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة ل41 شهيدا    مدرب المغرب عن انفعال حكيمي والنصيري أمام زامبيا: أمر إيجابي    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    السير على خطى فابريجاس؟ رومانو: ليفركوزن يقترب من ضم مدافع برشلونة    وزير الصحة يوجه بتكثيف الأنشطة الوقائية في المدن الساحلية تزامنًا مع قرب عيد الأضحى    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    نجم الأهلي يوجه رسالة قوية إلى محمد الشناوي    وزيرة التضامن: تقديم موعد صرف مساعدات تكافل وكرامة ل10 يونيو بمناسبة عيد الأضحى.. الصرف من خلال ماكينات الصراف الآلى بالبنوك ومكاتب البريد.. 41 مليار جنيه لدعم 5.2 مليون أسرة.. وغرفة عمليات لمتابعة عملية الصرف    القاهرة الإخبارية: ليلة مرعبة عاشها نازحو رفح الفلسطينية بسبب قصف الاحتلال    فتح باب التقدم بمسابقة فتحى غانم لمخطوطة القصة القصيرة.. اعرف الشروط    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    هل يجوز الادخار لحم الأضحية؟.. تعرف على رأي الإفتاء    النائب العام السعودي: أمن وسلامة الحجاج خط أحمر    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    أوكرانيا: عدد قتلى الجيش الروسي يصل إلى 517 ألفا و290 جنديا منذ بدء الحرب    حاكم دونيتسك الروسية: القوات الأوكرانية تكثف قصف المقاطعة بأسلحة بعيدة المدى    أسعار الأسماك اليوم 8 يونيو بسوق العبور    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    «الصحة» تستعد لموسم المصايف بتكثيف الأنشطة الوقائية في المدن الساحلية    الجيش الأمريكي يدمر خمس مسيرات حوثية وصاروخين وزورق في اليمن    من جديد.. نيللي كريم تثير الجدل بإطلالة جريئة بعد إنفصالها (صور)    «اهدى علينا شوية».. رسالة خاصة من تركي آل الشيخ ل رضا عبد العال    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    الفرق بين التكبير المطلق والمقيد.. أيهما يسن في عشر ذي الحجة؟    حاول قتلها، زوجة "سفاح التجمع" تنهار على الهواء وتروي تفاصيل صادمة عن تصرفاته معها (فيديو)    بعد الزيادة الأخيرة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من المنزل    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف هبة راشد.. طريقة عمل الجلاش باللحم والجبنة    فريد زهران ل«الشاهد»: ثورة 1952 مستمدة من الفكر السوفيتي وبناءً عليه تم حل الأحزاب ودمج الاتحاد القومي والاشتراكي معًا    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي الدين هلال ل (هاني شكر الله) : التغيير متواصل حتى وإن لم يكن صاخبا - الجزء الأول
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 11 - 2009

هانى شكرالله يلتقى على الدين هلال، أمين إعلام الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم وأحد قياداته البارزة، فى فاتحة سلسلة من الحوارات يجريها مع نخبة من القيادات السياسية المصرية من مختلف الاتجاهات، سعيا لاستطلاع خريطة المجال السياسى على أعتاب عام الانتخابات البرلمانية 2010. أجرى الحوار عشية المؤتمر السنوى للحزب الوطنى والذى اختتم أعماله أمس، ننشر الحلقة الأولى منه اليوم، وحلقته الثانية فى عدد الغد.
على الدين هلال، أمين الإعلام فى الحزب الوطنى، وأحد قياداته الأكثر بروزا منذ أعلن «الفكر الجديد» شعارا له، ينتمى إلى نوع نادر من الشخصيات السياسية «يحار عدوه فيه»، على حد قول المثل الشعبى الشائع. يمتلك قدرة فائقة على امتلاك محبة الناس وودهم، مما يضطر خصومه السياسيين إلى البحث عن أرق الألفاظ وأكثرها تهذيبا من أجل انتقاده أو التعبير عن الخلاف معه، وفى الوقت نفسه تقف نزاهته الشخصية المشهود لها حصنا فى وجه أى محاولة للنيل منه عن طريقها.
كنت قد طلبت منه إجراء حوار مطول لجريدة «الشروق»، والدكتور على عندى أكثر من مجرد قيادة مهمة من قيادات الحزب الحاكم، أو بلغة الصحافة، «مصدر» بارز فى عالم السياسة والحكم فى البلاد. تعود صلتى به إلى عقود طويلة، منذ كان هو طالبا للدكتوراه بجامعة ماجيل فى كندا، وقياديا بمنظمة الشباب الاشتراكى المصرى فى أمريكا الشمالية، وكنت أنا طالبا فى المرحلة الثانوية، يحب جمال عبدالناصر وينتظر بفارغ الصبر يوم تحرير فلسطين ويتفتح على الوعى السياسى فى ظل هزيمة يونيو 67. وكثيرا ما أتهمه فى مزاح لا يخلو من بعض الجد بأنه هو الذى أدخلنى عالم السياسة، وهو اتهام ربما لا يسعده كثيرا.
أردت الحوار مع على الدين هلال فاتحة لسلسلة حوارات أنوى إجراءها مع نخبة من القيادات السياسية المصرية البارزة من مختلف الاتجاهات، سعيا لاستطلاع الخريطة الراهنة للحياة السياسية فى البلاد، بل وربما استكشاف ما إذا كان مازال عندنا ما يمكن أن يطلق عليه حياة سياسية، ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية خلال العام المقبل ورئاسية فى العام الذى يليه.
الحوار مع العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسة وعالم السياسة المخضرم شاق وممتع فى آن واحد. هو شاق بداية بحكم المنصب الذى يحتله د.على الدين فى الحزب الحاكم، فهو كأمين للإعلام يعمل فى المجال نفسه لعمل الصحفى، ولكن فى الاتجاه المعاكس بالضبط. فجوهر مهمة المسئول الإعلامى لأى مؤسسة، حزبية كانت أم تجارية أم ما هو غير ذلك، يكمن فى محاولة توجيه بل وصياغة الصورة الإعلامية لمؤسسته ولسياسات تلك المؤسسة فى اتجاهات محددة، ووفقا لأجندة بعينها، وفى المقابل فمهمة الصحفى هى البحث فيما وراء تلك المحاولات، وواجبه الأساسى هو أن يضع كل الأشياء، وبخاصة ما يطرحه الأشخاص والهيئات عن أنفسهم موضوعا للتساؤل وللاختبار.
وهو صعب ثانيا لأن للدكتور على الدين هلال طبيعتين أساسيتين، يتنقل بينهما بمرونة فائقة، فهو يتحدث تارة كمسئول حزبى وسياسى صاحب مواقف محددة يجادل بحرارة دفاعا عنها، وتارة أخرى كعالم سياسى، يحلل الظواهر من خارجها، ويتناولها بتجرد العالم وحياده. غير أن هذه الخاصية هى أيضا ما يجعل الحوار مع د.على شيقا ومثيرا، خاصة وإذا زدت عليها ما يتميز به من خفة ظل فائقة، تجدها كامنة فى ومضة عين باسمة لا تكاد تفارق صفحة وجهه.
حملة الوطنى المضادة وتضارب الأجندات
تحدد موعد الحوار يوم الاثنين 26 أكتوبر، بمقر الحزب الوطنى المطل على كورنيش النيل، وكنت قد أدركت منذ صبيحة ذلك اليوم أن حوارى المرتقب مع على الدين هلال مواجه حتما بتفاوت واضح، وربما تضارب فى الأجندات بين المحاور (بكسر الواو) والمحاور (بفتحها). فقد وجدت يومها الشقيقة «المصرى اليوم» تحمل فى أعلى صفحتها الأولى إشارة إلى حوار أجرته بالفعل معه، وتزمع نشره فى اليوم التالى، وذلك تحت عنوان يتهم من يثيرون قضية الترشيح لرئاسة الجمهورية فى 2011 بالسعى للشوشرة على مؤتمر الحزب الوطنى الذى سينعقد خلال أيام.
ولم يكن الأمر يحتاج إلى قدر كبير (أو حتى محدود) من الذكاء لاستنتاج أن أمين إعلام الحزب الوطنى بصدد حملة معينة ومحددة يريد الحوار مع «الشروق» فى سياقها، وغنى عن الذكر أن هذا من حقه تماما.
تأكد استنتاجى خلال الحوار نفسه، ثم تأكد مجددا فى اليوم التالى لإجراء الحوار، فبجانب نشر «المصرى اليوم» لحوارها مع الدكتور هلال، نشر له حوار آخر مع جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية، وفى اليوم نفسه نشرت جريدة «روزاليوسف» حوارا موسعا، وصفته بالسخونة، مع الأمين العام للحزب الوطنى، صفوت الشريف، وذلك بجانب فيض من التصريحات لكبار المسئولين فى الحزب والحكومة، ومن المقالات لزملاء صحفيين قريبين من الحزب الحاكم أو نشطين فى هيئاته القيادية تدور كلها حول قضية محددة، وهى قضية الترشيح لرئاسة الجمهورية فى انتخابات 2011، وعلى الأخص ما تقدم به الأستاذ محمد حسنين هيكل من أفكار ومقترحات خلال حواره الموسع مع الزميل مجدى الجلاد، رئيس تحرير «المصرى اليوم»، والتى أطلقت عليها الصحافة عنوان «مبادرة هيكل».
وكان واضحا أن حملة الوطنى المضادة تستند إلى قناعة معينة، عبر عنها على الدين هلال فى حواره معى ومع غيرى، كما عبر عنها آخرون من قيادات الحزب والزملاء الصحفيين المتبنين لرؤيته، مؤداها أن طرح قضية الترشيح لرئاسة الجمهورية فى الآونة الأخيرة هو بشكل أو بآخر تعبير عن حملة منسقة إلى هذا الحد أو ذاك لفرض هذه القضية بصورة مفتعلة على النقاش العام فى البلاد، وبالذات على حساب المؤتمر السنوى للحزب الوطنى الديمقراطى، وما يطرحه هذا المؤتمر من أجندة.
ليست مؤامرة وليست مصادفة أيضا
يقول على الدين هلال: «إثارة أى موضوع لا يأتى مصادفة، وإنما فى سياق معين». فقد أثيرت قضية الترشح للرئاسة فى وقت «كان الحزب الحاكم يستعد لعقد مؤتمره السنوى، وفقا لجدول أعمال يتضمن نقاشا لقضايا الفقر، وقضايا العدالة الاجتماعية، وقضايا التوظيف، ويتناول تعافى الاقتصاد المصرى من الأزمة الاقتصادية، والخطط التى تم وضعها لضمان خروج سريع من تلك الأزمة، وحين يناقش تخصيص 9 مليارات جنيه لتطوير شبكات الصرف الصحى فى القرى، ويتحدث عن قضايا الإسكان».
ذلك هو السياق الطبيعى للأمور فى رأى على الدين هلال، وبالرغم منه «يبدأ فتح هذا الموضوع قبيل انعقاد المؤتمر بأسبوع». وهو ما يبرهن، فى تقديره، على «إن هناك محاولة لفرض أجندة أخرى على المجتمع السياسى، فى مسعى لشد انتباه الناس بعيدا عن القضايا التى يطرحها الحزب الحاكم نحو قضية أخرى، ليس لها طابع العجلة».
ويضيف: «كان من الممكن لهذا الحوار أن ينتظر أسبوعين أو ثلاثة أو شهرا أو شهرين»، ويشير إلى «تحركات سياسية أخرى» من قبيل تأسيس ائتلاف جديد تحت اسم «الحملة المصرية ضد التوريث»، وفتح حزب الوفد لنقاش حول ما إذا كان ينبغى على مصر أن تأخذ بالنظام البرلمانى بدلا من النظام الرئاسى، وإعلان مجموعة من الشباب عزمها على عقد مؤتمر الكترونى فى نفس وقت انعقاد مؤتمر الحزب الوطنى.
واختص أمين الإعلام الصحافة الخاصة بالذات بالكثير من نقده، مشيرا إلى عنوان نشرته جريدة «الشروق» قالت فيه إن «سيناريو الرئاسة لم يتحدد بعد». ويصر هلال مع ذلك على أنه لا يتحدث عن مؤامرة أو اتفاق مسبق ما بين كل هذه الجهات: «لا أريد أن أقول مؤامرة، إطلاقا، ولا أريد أن أقول إن هناك ترتيبا مسبقا، ولكن فى لحظة معينة تصور عدد من الأطراف أن هذا هو الوقت لشغل انتباه الرأى العام من غير الممكن أن تكون كل هذه التحركات قد جاءت مصادفة. وأنت تحتاج إلى قدر كبير من السذاجة لتقول بغير ذلك».
قضية الرئاسة بين اهتمامات الناس وأولويات الصحافة الخاصة
ولكن حتى ولو أقرينا بأن أحدا لا يملك أن يقرر بأى قدر من الثقة ماهية موقف جموع المصريين أو ما إذا كانت قضية الرئاسة ومرشحيها المحتملين تحتل أهمية كبيرة فى «الشارع المصرى»، وذلك فى ظل وهن الحياة السياسية والحزبية الراهنة، فضلا عن الاستحالة الفعلية لإجراء استقصاءات للرأى ذات قيمة علمية بسبب القيود القانونية والأمنية الصارمة الموضوعة على اللجوء لهذه الأداة المهمة لاستطلاع مواقف الرأى العام فى البلاد الديمقراطية.
طرحت على الدكتور على الدين هلال إننى أسلم تماما بأننا لا نعرف حقيقة موقف «الجماهير» من هذه المسألة، ولكن هناك ذخر من المؤشرات القوية على أن قضية الرئاسة تحتل موقعا مهما وربما الموقع الأول فى اهتمامات «النخبة» السياسية والثقافية الراهنة فى الفترة الأخيرة. قلت هذا وفى ذهنى المفارقة الطريفة الكامنة فى أن آخر مقال كتبته فى «الشروق» كان بعنوان «الأهلى والزمالك وكرسى الرئاسة»، وقد سعيت من خلاله أن أبحث عن تفسير لضعف اهتمامى أنا شخصيا، وعلى خلاف أكثرية النخبة السياسية، بالنقاش الدائر حول قضية الرئاسة واستخلاف الحكم فى مصر.
رد د.على الدين هلال: «نحن لا ننكر على أى شخص، صحفى، سياسى، حزبى أن يطرح أى قضية، ولكن من حقنا أن نحدد المدى الذى نشارك به فى مناقشة أى موضوع. ولكن لا وصاية لأحد على المجتمع أو الشعب، وأسهل شىء لأى مثقف أو كاتب أن يسقط ما يعتقد فيه على المجتمع، ويتصور ما يؤمن به على أنه هموم المجتمع وأولوياته». ويتساءل د.على: «يمكن أن نتفق أو نختلف، ولكن هل النخبة السياسية المصرية بتفرعاتها المختلفة منشغلة فعلا بهذا الموضوع؟»
ليس صحيحا أن النخبة السياسية المصرية ككل منشغلة بهذا الموضوع فى تقدير د.على الدين، غير أنه يلقى بمسئولية كبيرة فى هذا الصدد على الصحافة الخاصة بالذات، ويقول «إذا ما قمت بتحليل مضمون للموضوعات التى تطرحها الصحافة الخاصة ستجدها منشغلة بشخص مرشح الحزب الوطنى وتعتبر هذا قضية كبرى من هو؟.. وهل هو فلان أو فلان؟.. ولكن عندما تنظر إلى حجم انشغال الصحافة الحزبية (الوفد الأهالى العربى الناصرى) بالموضوع ستجده أقل بكثير.. حتى عندما يطرح الوفد القضية يقول نحن لا نهتم بموضوع شخص المرشح للرئاسة نحن نهتم بشكل نظام الحكم».
يرى هلال أن «الصحافة الخاصة لها جدول أعمال أستطيع أن أرصده لكن ليس لى تقييم له لا أمدحه ولا أنقده».
وما هو السبب وراء جدول الأعمال هذا؟.. يرد د.على: «ربما لأنها القضايا الأكثر إثارة، ربما لأن هذه القضايا تبيع أكثر، وربما لأنها القضايا الأكثر أهمية من وجهة نظر رؤساء تحرير أو أصحاب هذه الصحف».
ولكن أليست زيادة المبيعات مؤشرا على أن هذه القضية تحظى باهتمام واسع بين القراء؟.. يرد د.على: «لو نشرت صورة للسيدة هيفاء وهبى ستبيع ضعف أو ثلاثة أضعاف ما تبيعه بالفعل». ويومئ ضاحكا إلى الزميل أحمد عبداللطيف، المصور الشاب ب«الشروق»، «والأخ أحمد سيشترى عشر نسخ»
أين ذهب «الحراك السياسى» ووعد التغيير؟
كان واضحا أن د.على لديه المزيد فى المسألة نفسها، وبدا لى أن أولويته الأولى فى الحوار هو الرد على ما يتصوره قيادات الحزب الوطنى حملة حول موضوع الترشح لرئاسة الجمهورية فى 2011. من جانبى حاولت أن أجمع بين احترام رغبته تلك وبين السعى لتوجيه قسم من الحوار على الأقل نحو سؤالى الأساسى فى هذه السلسلة وهو المتعلق بمحاولة رصد للواقع الراهن للحياة السياسة فى مصر، وكنت خلال عام «الحراك السياسى» فى 2005 قد كتبت فى إحدى مقالاتى (فى جريدة الأهرام ويكلى وقتها) معبرا عن تقديرى لحالة الحيوية والديناميكية الاستثنائية التى دبت فى المجال السياسى المصرى، ولكنى عمدت فى الوقت نفسه على إبراز تصورى بأن هذا «المجال السياسى» دافق الحيوية لا يكاد يتجاوز بضعة كيلومترات مربعة، فى بلد مساحته مليون كيلومتر مربع. وهانحن عام 2009، مقبلون على انتخابات لمجلس الشعب العام المقبل، وانتخابات رئاسية فى العام الذى يليه، ولا أثر لحيوية أو حياة سياسية من أى نوع، ولم تعد المسألة ضيق المجال السياسى بل التشكك فى أنه مازال موجودا ولو فى بضعة أمتار، وليس كيلومترات مربعة.
ذكرت د.على الدين بلقاء صحفى أجريته معه للأهرام ويكلى خلال «عام الحراك»، وسعدت بأنه يتذكره تماما، بل وقاطعنى ومستعيدا عبارة مهمة قالها هو وقتها واستخدمتها عنوانا للحوار: «Change or be changed»، أو «إذا لم تتغير فستغير».. قالها هلال فى حواره معى فى 2005، معتبرا هذه العبارة هى الشعار الجوهرى لما كان يموج به الحزب الوطنى الحاكم وقتها من تحولات جرت كلها تحت شعار التغيير. سألته: أين ذهب مناخ التغيير؟.. الحزب الحاكم يرفع شعار التغيير، هناك تغييرات فى المناصب وفى التشكيلات الحزبية، شباب يعتلون مناصب مؤثرة فى كل من الجهاز الحزبى والجهاز الحكومى، الرئيس يدعو إلى تعديل فى الدستور، فيما تبدو الحياة السياسية بأسرها فى حالة فوران، حركة كفاية، ولا يكاد يمضى أسبوع بغير مظاهرات ولافتات واحتجاجات. أى ذهب هذا كله.
يجيب على الدين هلال: «هذا السؤال لا يسأل للحزب الوطنى وحده، ولكن للمجتمع المصرى كله. دعنا نقارن بين ما كانت عليه حركة كفاية وقتها، وما هى عليه الآن. كانت هذه كبرى الحركات الاحتجاجية، نشأت فى سياق معين ورفعت شعارات كان لها بعض الجاذبية ولجأت إلى أساليب مبتكرة فى طرح أفكارها السياسية. ولكن ماذا حدث لها الآن؟».
تغيير ثم هضم واستيعاب
يرصد د.على عددا من الأسباب لتراجع حالة الحيوية السياسية التى ميزت 2005، أهمها فى رأيه أنه «ليس هناك مجتمع يستطيع أن يمر بمرحلة تغيير إلى أجل غير مسمى، أو أن يبقى فى حالة تغيير مستمر. يحدث ما يطلق عليه علماء السياسة أحيانا reform fatigue أو الإرهاق من الإصلاح. أن يقوم المجتمع بإجراء تغييرات معينة، ثم يحتاج إلى وقت لاستيعاب هذه التغييرات. نعم، اليوم لا يوجد نفس المناخ السياسى الحافل بالأحداث والتغييرات والتوقعات والطموحات التى كانت فى 2005.
تفسيرى لهذا أن المجتمعات تمر بمراحل مختلفة، مرحلة فوران وحراك سريع يعقبه مرحلة استيعاب، وهضم».
ويشرح: «هناك قضايا مهمة أنجزت، ولكن هل استوعبها المجتمع؟ بل وهل استوعبتها الهيئة الحاكمة كلها؟ خذ على سبيل المثال المادة الأولى من الدستور وإدخال فكرة المواطنة كأساس لنظام الحكم. هل انتشرت ثقافة المواطنة فى كل مكان؟
الإجابة لا. هل طبعت فكرة المواطنة بطابعها مختلف مناحى الحياة: فى شكل ممارسات حزبية وممارسات مجتمع مدنى وممارسات مواطنين عاديين؟ الإجابة بلا».
كما يرصد هلال قصورا فى احترام فكرة المواطنة من قبل بعض الصحف الخاصة، فيقول «عندما أجد بعض الصحف الخاصة، ويقودها أشخاص محترمون، تنشر عنوانا عن شجار مسلم مع مسيحى، ثم تقرأ متن الموضوع فتكتشف أن العنوان لا أساس له من الصحة، وأن الشجار حول مسألة لا علاقة لها بالدين، بل وتصادف أن أحد طرفيها مسلم والآخر مسيحى. هذا الإلحاح على الجانب الطائفى من العلاقات الاجتماعية والسياسية دليل على ضعف فكرة المواطنة».
ويقدم هلال عددا من الأمثلة الأخرى لإنجازات لم ينجح المجتمع فى «هضمها» بعد. «دعنا نأخذ أيضا السلطات الجديدة التى أعطيت للبرلمان فى مصر إزاء السلطة التنفيذية: هل تمت ممارستها كاملة؟ الإجابة أيضا بلا. التعديلات التى أضفيت على العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونقل الاختصاصات بينهما: هل تعود المجتمع على هذا واستوعبه؟ لا أيضا».
المصريون يفضلونها تدريجية
ويلفت على الدين هلال النظر إلى إحدى الخصائص المميزة للمجتمع المصرى فى عصره الحديث، إلا وهى «حقيقة أن المجتمع المصرى لا يعرف الانقطاعات الجذرية». ويتعجب، «عندما أقرأ بعض المقالات والآراء فهى مكتوبة كما لو أن انقلابا حدث فى البلد، كما لو أن ثورة قد حدثت فى البلاد، ومطلوب من بعض الأشخاص أن يجنوا ثمار هذه الثورة».
ويؤكد أنه منذ أن صعد محمد على باشا إلى الحكم فى 1805، لم تشهد مصر انقطاعا جذريا غير مرة واحدة هى المتمثلة فى ثورة يوليو 1952، وتلك قامت بها مجموعة من داخل النظام. ويوضح «النظام السياسى المصرى مستمر، ودستور 71 مازال يحمل الكثير من بصمات دستور 56، وشكل النظام السياسى يقوم على فكرة تعايش القديم والجديد».
ويبدو لى أن الفكرة السابقة أصيلة فى التفكير السياسى لعلى الدين هلال منذ عدد من السنوات، بل ولعلها الأساس النظرى الذى يبنى عليه كل من تحليله، كعالم سياسة، لمسار النظام السياسى المصرى خلال العقدين ونيف الماضيين، ولمساهمته فى صياغة ذلك المسار بوصفه أحد قيادات الحزب الحاكم.
فليست التجربة المصرية فى التحول من نظام اشتراكى الطابع يقوم على القطاع العام والتخطيط المركزى إلى نظام رأسمالى قوامه القطاع الخاص وحرية الأسواق مشابهة لما حدث فى فى الاتحاد السوفييتى وبلدان أوروبا الشرقية. «هناك سقط نظام وتأسس نظام جديد»، يقول هلال، موضحا: «أما عندنا فنرى تباشير نظام جديد يولد من رحم النظام القديم من بين نفس النخبة الحاكمة، وفى إطار نفس الهياكل السياسية والاجتماعية وأدوات الضبط الاجتماعى».
ذلك لا يعنى أن «عجلة التغيير الاجتماعى» قد توقفت. «التغيير لم يتوقف، ولكنه أحيانا لا يأخذ الأشكال الصاخبة التى قد يأخذها فى أحيان أخرى».
هناك العديد من المؤشرات على أن المجتمع المصرى يشهد تغييرا حثيثا ومتواصلا، حتى وإن لم يكن «صاخبا». يقول: «خذ مؤشر استخدام الانترنت. عام 99-2000 أقل من مليون مستخدم، اليوم 15 مليونا. خذ أيضا مؤشر حرية التعبير فى الصحافة، والأهم من الصحافة التليفزيون، ليس تقليلا من شأن الصحافة ولكن إقرارا لواقع انه بينما الصحافة تخاطب الآلاف فإن التليفزيون يخاطب الملايين».
يعدد هلال البرامج الحوارية الشهيرة: البيت بيتك، العاشرة مساء، 90 دقيقة، برامج أون-تى-فى ومساحة حرية التعبير فى هذه البرامج وغيرها، مؤكدا «لو أن المياه تنزل قطرات على حجر لفلقته».
ويضيف «هناك تغير فى الوعى الاجتماعى، فى إدراك الأمور، فى أشياء كثيرة. انظر إلى بعض البرامج التليفزيونية لا أريد أن أسمى ولكن لاحظ ما يقال فيها. تستطيع أن تقول اليوم أن جميع الأبقار المقدسة قد سقطت، انه لم تعد هناك حدود».
ذلك الاتساع الكبير فى حرية التعبير، يقول هلال، رافقه انحلال إعلامى «لابد أن نعترف»، ولكن هذا أمر لا يعتبره مصدرا للقلق.
ويخلص: «كباحث اجتماعى، أستطيع أن أعدد لك العديد من الأمثلة الأخرى عن حجم التغيير فى المجتمع المصرى، وعندما يقول بعضهم أن المجتمع المصرى تجمد ولا يتحرك فهؤلاء لا يقرءون».
قطار التغيير يبطئ ولا يتوقف
ولكن أليس صحيحا أيضا أن الحزب الوطنى فى 2005 كان يتحدث عما اتخذ من إجراءات، وما أجرى من تغييرات وقتها بوصفها مجرد بداية لعملية إصلاحية شاملة آتية. ألم تطرح التعديلات الدستورية كمجرد مقدمة لتغييرات مرتقبة أعمق وأبعد مدى؟.. بل وقد شهدنا تراجعات. ذكرت الدكتور على بأن موجة الإصلاح السياسى بدأت وقتئذ بمد نطاق الرقابة القضائية على الانتخابات ليشمل جميع مراحلها، وهانحن ننتهى بإلغاء الرقابة القضائية على الانتخابات. وماذا عن المادة 77 من الدستور. ولماذا الإصرار على عدم تحديد فترات الرئاسة وهو ما كان قائما فى دستور 71، ونذكر أن الرئيس مبارك فى بداية ولايته عبر أكثر من مرة عن عدم رغبته فى الحكم أكثر من فترة أو فترتين؟
يرد هلال بنبرة حاسمة: «قلت، ومازلت أقول إن قطار التغيير فى مصر غادر مخدعه ولا يمكن إيقافه. لا يمكن إيقافه لأن المجتمع يتغير، لا يمكن إيقافه لأن العالم حولنا يتغير. يمكن أن تتباطأ مسيرة هذا القطار فى بعض الأحيان، ويمكن أن تتسارع حركته فى أحيان أخرى. الذى يحكم ذلك هو حجم التوافق الاجتماعى على التغيير.
إلى أى مدى هناك توافق اجتماعى حول قضية من القضايا، إلى أى مدى هناك توافق داخل النخبة السياسية الحاكمة، بالإضافة إلى ظروف واعتبارات الملائمة السياسية.» ويضيف: «لا أعتقد أن هناك أى مادة فى الدستور غير قابلة للمراجعة، ولكن علينا أن نتذكر أيضا أن الدستور ليس مضغة فى أفواه الناس، تغير فيه كما تشاء. علينا إذن إقامة التوازن بين هذه الاعتبارات».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.