في حوار منذ أسبوع مع شخصية إسلامية مرموقة اعترض علي تعبير استخدمته أثناء الحديث وهو "التنشئة الطائفية"، حيث ذكرت أن هناك تنشئة طائفية تجري علي قدم وساق في المجتمع المصري، بدون وعي في غالب الأحيان، ولكن هذا ما يجري علي أرض الواقع. مطروح محافظة هادئة، دخلت مؤخرا في حزام التوترات الدينية. اشتباكات بين مواطنين حول بناء سور لكنيسة. فرشوط لم يلتئم جرحها، وتجمهر نحو أربعمائة شخص يبحثون عن فتاة كانت مع شابين، تصادف أن الفتاة مسلمة، والشابين مسيحيان، وكأن الدعارة في المجتمع المصري ينبغي أن تمارس وفق الهوية الدينية. أليس ذلك تعبيرا عن تنشئة دينية. إذا كان الأقباط يتعدون علي السلطات المحلية ببناء سور غير مرخص، وإذا كان شابان يمارسان الدعارة مع فتاة في شقة، من المسئول عن تطبيق القانون في الحالتين أليست هي الدولة؟ فما شأن الأفراد العاديين الذين ينتهكون القانون كل لحظة، ثم يتقمصون دور المدافع، الحامي للدين والعرض. إن لم يكن ذلك تنشئة طائفية، فبماذا نسميه؟ هذه الحوادث وغيرها، سوف تزداد وتيرتها في الفترة المقبلة، وبات المشهد الطائفي له في الفترة الأخيرة ملامح ثابتة يمكن الحديث عنها، وتجسيدها فيما يلي: 1 - تفشي التعصب في الأوساط الشعبية بفعل الخطابات الدينية والإعلامية المؤججة لمشاعر العوام تجاه المختلفين في الدين، وأحيانا المذهب. 2 - استمرار وجود مشكلات طائفية، وغياب الحسم السياسي لها، أبرزها القانون الموحد لبناء دور العبادة الذي أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان، وقانون الأحوال الشخصية، وحالات تغيير المعتقد الديني، الخ، وهو ما يحتاج إلي إرساء أسس قانونية في التعامل معها. 3 - تحول مشكلات اجتماعية واقتصادية "عادية" بين المواطنين إلي "مواجهات طائفية" نتيجة اختلاف الدين، ورغبة البعض في تحويل الأنظار عن جذور المشكلات المجتمعية الحقيقية: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. 4 - شيوع أنماط من المساجلات الدينية، غير المتعارف عليها في الخبرة التاريخية المصرية، بين المختلفين في الدين، تنطوي علي أحاديث المفاضلة والتفاخر والاستعلاء في مواجهة المختلفين في الدين، ساعد علي ذلك القنوات الفضائية، والفضاء الالكتروني. 5 - الفقر الفكري في التعامل مع "الشأن الطائفي" الذي يتمثل في تكرار الخطابات ذاتها، وعدم القدرة علي ابتكار هندسات سياسية واجتماعية للحفاظ علي الاندماج الوطني. مرة أخري نعيد نفس الأفكار، علها تجد من يسمعها هذه المرة، المطلوب هو: 1 - الاهتمام باستكمال بناء دولة القانون، وهو ما يعني ليس فقط أن المواطنين سواء أمام القانون، ولكن يعني في المقام الأول وجود قانون يعبر عن المساواة، ينفذ علي أرض الواقع في حياد وشفافية، ويعاقب من يخرج عليه بالعقوبات الواردة فيه، من هنا فإن استمرار اللجوء إلي التسويات العرفية في التعامل مع المشكلات الطائفية يؤججها، ولا يساعد في حلها علي المدي الطويل، ولكن القانون يرسي سوابق، وينشئ ثقافة، ويرفع مستوي توقع الأفراد تجاه المجتمع، وتوقع المجتمع تجاه أفراده. 2- ممارسة نقد اجتماعي جاد للطائفية لجميع صورها، سواء كانت في أوساط الغالبية العددية أي المسلمين أو في أوساط الأقلية العددية أي الأقباط، خاصة بعد أن تحولت الطائفية إلي نظرة مجتمعية متفشية لدي جمهور عام في تعاطيه للمنتجات الفنية والثقافية. 3 - الربط بين المساواة والإصلاح، فإن تحقيق المساواة علي نحو شامل، يتطلب في المقام الأول المشاركة في تحقيق الإصلاح السياسي. لا يعني ذلك تسويفا لحل المشكلات الطائفية، ولكن وضعها في سياقها الطبيعي بوصفها مشكلات قانونية وسياسية واجتماعية تحتاج إلي "التعامل معها" في إطار منظومة أشمل للإصلاح السياسي والقانوني. 4 - استخدام لغة حديثة في التعبير عن الشأن الطائفي بعيدا عن ترسانة المفاهيم والمصطلحات التي تنتج، وتعمق الذاكرة الانقسامية، من هنا فإنه يجب الاستعانة بالمصطلحات الحديثة في التنمية السياسية مثل حقوق الإنسان، المواطنة، رأس المال الاجتماعي، الخ. 5 - المشاركة في وضع هندسات سياسية وقانونية لتحقيق المساواة بين المواطنين سياسيا وقانونيا، ويتعين ممارسة نقد ثقافي لجميع مظاهر التمييز في المجتمع، ووضع سياسات جادة لتحقيق المساواة في التمثيل السياسي، وممارسة العبادة، قوانين الأحوال الشخصية، المشاركة السياسية، وهو الأمر الذي يحتاج إلي فهم جاد، وخبرة فنية، وشجاعة للاشتباك مع الواقع.