لست مع نظرية المؤامرة، ولست مع الأحكام سابقة التجهيز.. تلك التي تحمل قدرًا لا بأس به من افتراض سوء النية تجاه الأشخاص، أو تجاه قضايا محددة. وتظل الكلمة والرأي هما الفيصل في الحكم علي توجهات الأشخاص من جانب، وعلي دلالات ما يطرحوه من جانب آخر. هذه مقدمة لابد منها قبل أن نعقب علي الحوار الهام والقيم الذي أجراه الصديق العزيز محمود نافع ومعه محمد حبيب في العدد الأسبوعي الماضي من جريدة نهضة مصر مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف. ولقد أكد هذا الحوار علي الأقنعة العديدة الذي يرتديها المرشد حسب الطلب والحاجة.. ولكن يظل له وجه واحد محدد القسمات في كل المحاورات التي يجريها والتصريحات التي يدلي بها. وعلي سبيل المثال لا الحصر: القناع الإنساني: لقد قام المرشد طيلة الحوار بالتأكيد علي أنه يتكلم علي سجيته وبحرية ومن القلب، غير إن هذا لا ينفي أخطاء المرشد المتتالية في أحاديثه الصحفية، ولم أستطع أن أتفهم محاولة التنصل مما صرح به.. بدون أن ينفيه بالطبع.. بل مبررا ومدللا علي حسن نيته من جانب، وعلي سوء نية من يقومون بالحوار معه من جانب آخر. وهو يستخدم هنا وتر (الضعف) الإنساني الذي يجد نوعاً من التضامن العاطفي بأشكال متعددة لمن يقرأ الحوار. وقد دلل علي تلك الحالة بأكثر من شكل، منها: أن هناك من قال له إن هذا الصحفي (أي سعيد شعيب) مستفز وكلامه غير منطقي وغير أخلاقي. أما طلبة كلية الإعلام (المشهورين بحوار الجزمة) فالمشكلة فيمن غرر بهم؟. ويتضح من كل ما سبق أن المشكلة الأساسية فيمن يجري الحوار مع المرشد _أياً كان من هو _ وليست المشكلة في المرشد نفسه. القناع القضائي: وهو القناع الذي كشر فيه عن أنيابه حينما ساق دليل الاتهام لسعيد شعيب لأنه أجري معه الحوار الأزمة.. والذي أشتهر بحوار (طز). ودلل علي اتهامه بأن الصحفي لم يراجعه قبل النشر، وأضاف أنه بعد ثمانية أشهر باعه لجريدة روزا اليوسف. وبالتالي، اكتملت أدلة الإدانة.. فكان لا بد أن يحكم عليه المرشد بالخيانة.. خيانة الأمانة وخيانة المهنة. وأعتقد أنه غير مطلوب من الصحفي مراجعة مصدره.. طالما أن الحوار مسجل وموثق.. خاصة أنه حوار مع شخصية رشيدة وبالغة تقدر قيمة كل كلمة تود أن تصرح بها لكي تكون رسالة لمن يقرأ وللرأي العام وللمجتمع. كما أعتقد أنه يجوز للصحفي نشر هذا الحوار كيفما يشاء طالما أنه لم يغير أي شيء مما جاء به، وطالما أن هناك صحفًا أو مجلات ترغب في نشره. القناع الديني: وهو القناع الذي حاول المرشد أن يضفيه علي نفسه طيلة الحوار بداية من التأكيد علي حبه لمصر وتقواه، ومروراً بتاريخ جماعة الإخوان المسلمين (المشرف) من وجهة نظره، وصولاً للتأكيد علي مكانتهم داخل مجلس الشعب الحالي تحت الشعار الذي ميزهم _ حسب تعبيره _ الإسلام هو الحل. وإذا كان "الإسلام هو الحل" الشعار الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين هو المفتاح السحري لكافة المشكلات المجتمعية ، فهل يمكن أن نطلق عليه في هذا السياق الإسلام السياسي أم غير ذلك؟. وبالتالي، فلا حاجة لنا للدستور؟. ويترتب علي ما سبق، ماهية العلاقة _ إذن _ بين الدستور والشريعة الإسلامية؟. ونقصد هنا قضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وكما ذكرنا كثيراً فإن ما يشغل المواطن القبطي في مصر هو أن يعرف ما هي الشريعة المقصودة المترتبة بشكل مباشر علي اعتماد "الإسلام هو الحل" كمبدأ أساسي للدولة؟، لأنه يتذكر للوهلة الأولي: أفغانستان وباكستان وإيران والسعودية والجزائر، وما يرتبط بهما من أنماط متباينة للحكم الإسلامي، بل ومغايرة في كثير من الأحيان. كما يريد أن يعرف موقعة الأساسي في تطبيق هذه الشريعة بحدودها المتعددة. وليس كما يروج البعض أن المسيحيين يعتبرون أن تطبيق الشريعة الإسلامية مصدراً للتوتر والفرز الطائفي. فأي إسلام هو الحل.. فهل هو حسب منهج حسن البنا أم سيد قطب أم أسامة بن لادن؟!!. القناع المدني: وهو قناع جديد إلي حداً ما يتعارض مع القناع السابق شكلاً وموضوعاً.. حيث أكد المرشد بالنص علي أن مصر دولة مدنية بكل معالم الدولة المدنية بديمقراطيتها ودستورها لكن بمرجعية إسلامية. وهو طرح لا يخلو من مراوغة سياسية تحمل المتناقضات في طيات دولة الإخوان المزعومة.. فكيف تستقيم الدولة المدنية بمرجعية دينية؟!!. تري، هل يقبل المرشد في هذه الدولة الاخوانية المزعومة أن تكون مصر: - دولة متعددة الأديان بحيث يكون لكل مواطن من أبناء هذا الوطن الحرية الكاملة بدون إجبار أو إكراه في اعتناق أي دين، وممارسة طقوسه وعقائده.. بشرط عدم تعدي أتباع أي دين علي الدين الثاني. - دولة عقلانية تقدر قيمة العقل، وتنبذ الفكر الخرافي المبني علي الدجل والشعوذة، هذه القيمة التي تقف بالمرصاد لكل ما هو ضد صحيح الدين. - دولة مدنية واجتماعية يتم فيها احترام سيادة القانون، وسيادة قضائه، واحترام تنفيذ أحكامه. سواء تتطلب ذلك تعديل قوانين وتشريعات، أو استحداث الجديد منها بما يتلاءم مع مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد. - دولة تنمية تقوم علي ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية وتنمية المناطق الفقيرة والمحرومة من الخدمات تدريجياً لرفع مستوي المواطنين علي كافة المستويات (التعليمية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية..) . - دولة ديمقراطية تؤمن بالتعددية السياسية والفكرية، وتحترم حق كل مواطن في الاختلاف والاعتراض البناء الذي يسهم في التقدم والتطوير. - دولة مواطنة تحترم أبناءها وتقدرهم علي أساس أنهم ملتزمون أمامها بواجبات يجب عليهم تنفيذها، كما يجب عليها أن تمنحهم كافة حقوقهم دون أدني تمييز بسبب الدين (مسيحي/مسلم) أو النوع (رجل/إمراة) أو المكانة الاجتماعية (طبيب/محامي/ نجار/بواب ) أو الإعاقة (جسدية/عقلية...) أو السن(صغير/كبير). القناع الوطني: وهو القناع المعهود لجماعة الإخوان المسلمين حينما يتم سؤالهم كل مرة عن الفتنة الطائفية وعن علاقتهم بأقباط مصر. فالسؤال انصب علي دور الإخوان في إشعال الفتن الطائفية.. والرد كان إن هذا الملف يظهر ويختفي في الوقت الذي يريده العابثون والمغرضون بأمن هذه الأمة. وقد أضاف بالحرف الواحد إن الإخوان كانوا في كل الفتن موضع احترام وتقدير من كل الجهات وكانوا صمام الآمان في هذه الأزمات. إن ما يطرحه المرشد في حواراته الأخيرة تجاه موقفه من الأقباط.. يؤكد علي ما كتبناه من قبل أن الحوار الذي تسعي الجماعة إليه مع الأقباط.. هو حوار (وهمي) لزوم الديكور السياسي، وبدون مصداقية حقيقية. كما أن (المواطنة) التي يحدثنا عنها المرشد ليست كلمة للاستهلاك المحلي.. بقدر ما هي منظومة حقوق لكل المواطنين لها آلياتها ومقوماتها العملية والتنفيذية. بقي أن نذكر، أن الاجتهاد الديني والسياسي لجماعة الإخوان المسلمين لا يزال مضطرباً وغير ثابت، لأنه لم يتجاوز _ في الكثير من الأحيان _ فكرة إعادة إنتاج الخطاب الإسلامي التقليدي.. اللهم إلا في طرح بعض المفاهيم الحديثة كشكل بعيداً عن المضمون وعن الواقع العملي، وعلي سبيل المثال: المواطنة _ التعددية _ الديمقراطية. أضف إلي هذا أن طرح جماعة الإخوان من خلال حديث مرشدها قد أظهر ما حولت الجماعة أن تتجنبه كثيراُ من خلال خطابه التقليدي الذي يحمل قدراً كبيرًا من التكتيك للإيحاء بانطباع يراد له الترويج، وقد يتضمن ما لا يؤمن به أصحابه أو يحجب ما لا يراد الإفصاح عنه.. بحيث يقولون ما لا يؤمنون به. إن حديث المرشد هو معيار أساسي للحكم علي كل من يراهن و يروج لأن تكون جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانوناً هي البديل المطروح للوصول للحكم في مصر. قول مأثور: أقنعة المرشد والجماعة المتعددة والمتجددة... دليل علي الوجه الواحد الراديكالي.