مصر والسد الإثيوبي.. إستراتيجية مصرية لحماية النيل    صحيفة إلباييس الإسبانية: مدريد تمنع مرور أسلحة أمريكية إلى إسرائيل    بيراميدز يخوض أول تدريباته في كيجالي استعدادًا لمواجهة الجيش الرواندي    مصطفى شلبي يسجل أول أهدافه مع البنك الأهلي    الإسكندرية: رايات خضراء وصفراء على شواطئ المحافظة وسط إقبال المصطافين واستقرار الطقس    فتحي عبدالوهاب: الريادة الفنية ستظل لمصر.. ومن الصعب محو تاريخ أكثر من 130 عاما    عائشة لا تستطيع الطيران يحصد الجائزة الكبرى في مهرجان فيا ديل سيني بكولومبيا    اليوم العالمي للقلب.. رؤية شاملة لحماية نبض الإنسانية    انقطاع جزئي للكهرباء بمستشفى قفط التخصصي بقنا.. وتحقيق عاجل في الواقعة    السفير الألماني: برلين تستهدف استيراد الهيدروجين الأخضر من مصر خلال عامين    ربيع ياسين: الزمالك يُعاني دفاعيا قبل مواجهة الأهلي.. وكوكا ليس الأنسب للظهير الأيسر    الزمالك يُمدد عقد خالد عبد الناصر لاعب السلة لمدة موسمين    الكهرباء تكشف أسباب ارتفاع أسعار الشرائح بالعدادات الكودية الحديثة    بسبب الظروف المادية.. استقالة رئيس مجلس إدارة نادي سرس الليان بالمنوفية    سقوط سيدة في بئر أسانسير بالمحلة الكبرى    رغم إدراج أسهمها في نيويورك.. «أسترازينيكا»: لن نغادر المملكة المتحدة (تفاصيل)    التعليم تواجه الدروس الخصوصية بمجموعات الدعم.. وخبراء يحددون شروط النجاح    التراث المصري فى آيادي أمينة.. الأمين الأعلى للآثار يشيد بأعمال الترميم والتوثيق فى البر الغربي بالأقصر    افتتاح فرع جديد لمكتبة مصر العامة بمنطقة الكرنك بالأقصر لتعزيز الدور الثقافي    المفوضية الأوروبية تدعو لوقف فوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة    "الصحة" تنظم فعالية بمناسبة اليوم العالمي لمرض السعار ضمن استراتيجية القضاء عليه 2030    قهوة الصباح أم شاي المساء.. مشروبات خريفية دافئة تحسن المزاج    الجيش الأمريكي يؤكد نشر مسيرات من طراز «إم كيو-9 ريبر» في كوريا الجنوبية    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للقطاعين العام والخاص في مصر.. هل يتم ترحيلها؟    قبل الزواج من برج العذراء.. احذر هذه الصفات الضارة    تضامنًا مع أهل غزة ضد العدوان.. عايدة الأيوبي تطرح «غصن الزيتون»    خالد الجندي: آيات القتال مقصورة على الكافر المقاتل وليس الدعوة للعنف    هل سداد الدين أولى من إخراج الزكاة؟.. عضو مركز الأزهر توضح    بتهمة النصب على المواطنين.. «الداخلية» تضبط صاحب كيان تعليمي وهمي بمدينة نصر    «سبب مفاجئ».. فيريرا يطيح بنجم الزمالك قبل مباراة الأهلي    حصر الأسر الأكثر احتياجًا بقرى قطور في الغربية تمهيدًا لتوصيل الخدمات    حجز إعادة محاكمة المتهم السابع بقضية "فتنة الشيعة" للنطق بالحكم    أكرم القصاص: العلاقات المصرية الإماراتية مثالية وتؤكد وحدة الموقف العربى    نتائج بطولة السهم الفضي للقوس والسهم لموسم 2025-2026    وزارة التعليم تعلن توزيع منهج العربى للثالث الإعدادى وشكل الامتحان    مارجريت صاروفيم: التضامن تسعى لتمكين كل فئات المجتمع بكرامة    إسرائيل هيوم: الحرب المقبلة بين تل أبيب وطهران قد تكون أشد عنفا    الطفلة مي.. وردة فلسطينية أنهك التجويع الإسرائيلي جسدها ودمر طفولتها    عاجل- قوات الاحتلال تقتحم قرية جنوب طولكرم وتداهم المنازل وتعتقل الفلسطينيين    أكاديمية الفنون: عودة مهرجان مسرح العرائس لمواجهة الألعاب الإلكترونية    مانشستر يونايتد يسعى لضم لاعب وسط أتلتيكو مدريد في يناير    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29 سبتمبر 2025 في محافظة قنا    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الإثنين 2992025    عاجل- الإفتاء توضح حكم ممارسة كرة القدم ومشاهدتها وتشجيع الفرق    أسعار الحديد فى أسيوط اليوم الإثنين 2992025    معهد بحوث الإلكترونيات أول مؤسسة مصرية تحصل على شهادة إدارة الذكاء الاصطناعي ISO/IEC    خطة متكاملة لتطوير شوارع ديروط فى أسيوط ب160 ألف متر إنترلوك    حالة الطقس في السعودية اليوم الاثنين 29-9-2025 ونشاط الرياح المثيرة للغبار    «مدبولي»: نستهدف الاستعداد الجيد لتقديم أفضل الخدمات للحجاج المصريين خلال موسم الحج المقبل    هيئة الدواء تحتفل بتكريم شركائها بعد نجاح برنامج الامتياز لطلاب كليات الصيدلة 2024- 2025    التشكيل الأهلي السعودي المتوقع أمام الدحيل القطري بدوري أبطال آسيا للنخبة    الإفراط في الجلوس وقلة النوم والتوتر.. كيف يفتك الكوليسترول بالشباب؟    الدنمارك تحظر رحلات الطائرات المدنية المسيرة قبل قمة الاتحاد الأوروبى فى كوبنهاجن    الصحة: 5500 متبرع بالدم خلال 4 أيام لدعم مرضى سرطان الدم ضمن الحملة القومية    الأزهر للفتوى قبل لقاء القمة : التعصب الرياضي والسب حرام شرعا    الحوثيون: قصفنا أهدافا في تل أبيب وملايين الإسرائليين فروا للملاجئ    «الداخلية» تنفي مزاعم إضراب نزلاء أحد مراكز الإصلاح: «أكاذيب إخوانية»    الأربعاء.. مجلس النواب يبحث اعتراض رئيس الجمهورية على قانون الإجراءات الجنائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنيا ... بؤرة الفتنة الطائفية في الصعيد

«إقطاعيات» الأقباط والبحث عن كرامة المسلمين شرارات النار الأولي
أحمد ضياء الدين
بالرغم من شهرتها ب«عروس الصعيد» إلا أن هذا المسمي الجميل ربما لم يعد يتذكره أحد الآن بعد أن تحول اسمها إلي «عاصمة التطرف الطائفي» نظراً لكثرة الأحداث الطائفية التي عصفت بها علي امتداد مراكزها « مغاغة، بني مزار، مطاي، سمالوط، أبو قرقاص، ملوي، ديرمواس، العدوة «فمن بين 53 حادث عنف وقعت في 17 محافظة من أصل 29 محافظة استحوذت المنيا وحدها علي 21 حادثاً منذ يناير 2008 وحتي يناير2010.
والحقيقة أن هناك عوامل تضافرت حتي أصبحت المنيا علي رأس المحافظات التي تشهد أحداث عنف طائفي دوماً سواء الأسباب التي لها علاقة بالطبيعة الجغرافية للمدينة التي يغلب عليها الطابع القاري الصلد فضلاً عن التركيب الديموغرافي «السكاني» علاوة علي ضمها للكثير من المتناقضات فبالرغم من مظاهر الفقر المدقع التي تنتظر علي امتداد مراكزها فإنها تضم في ثناياها العديد من«العزب» التي تظهر عليها مظاهر البذخ الفاحش سواء في أبنيتها أو حتي كنائسها التي تنافس عبق الكاتدرائية نفسها.
والمتابع لإجداث الفتنة الطائفية في مصر يخلص إلي أن النسبة الكبري منها وقعت في منطقة صعيد مصر، وتحديداً في المنيا سواء من حيث عدد الحوادث أو مدي جسامتها، وعدد المتورطين فيها، حيث يشكل الصعيد مشكلة أيضاً من حيث التواتر الزمني لوقوع الأحداث وتنوع وانتشار أماكن حدوثها، فالمنيا علي سبيل المثال يقع فيها حادث عنف طائفي واحد كل خمسة وثلاثين يوماً في 17 قرية تتبع سبعة مراكز بالمحافظة من أصل تسعة مراكز تتشكل منها محافظة المنيا.
وتتنوع أنماط حوادث العنف في محافظة المنيا حيث إن أخطرها هو «الانتقام الجماعي» الذي يستهدف أتباع ديانة ما في منطقة بأكملها. ونظراً للتركيبة السكانية للمجتمع المصري فإن الغالبية العظمي. وتقوم فكرة الانتقام الجماعي علي سريان قناعة غير عقلانية تعتقد بمسئولية جميع المسيحيين في منطقة ما عن فعل منسوب لشخص واحد أو أكثر من المسيحيين تجاه شخص واحد أو أكثر من المسلمين، وكذلك بمسئولية جميع المسلمين في تلك المنطقة عن الانتقام لهذا الفعل، بغض النظر عن علاقة القائمين بالانتقام أو المنتقم منهم بالفعل الأصلي حسب القناعة نفسها. ويرتبط الانتقام الجماعي بمفهومين ظهرا بقوة خلال فترة الرصد هما «هيبة المسلمين وكرامتهم» و«شرف المسلمين». أما عمليات الانتقام من مسيحيين تجاه مسلمين فليست معدومة ولكن عددها ومستوي العنف فيها أقل بدرجة كبيرة، حيث يفضل المسيحيون عند شعورهم بالغضب اللجوء إلي أشكال احتجاج مختلفة مثل التظاهر والاعتصام، ودائماً ما يلجأون إلي الكنيسة لمطالبتها بالتدخل نيابة عنهم .
ومعظم تلك الحالات كانت حوادث تتحول فيها مشاجرة بين مسلم ومسيحي قد تكون لأتفه الأسباب مثل خلاف حول من له أسبقية المرور في الشارع إلي مواجهات طائفية تتردد فيها الهتافات الدينية ويتبادل فيها المسلمون والمسيحيون التراشق بالحجارة، اعتقاداً بأن الجميع مسئول عن الدفاع عن أتباع طائفته، ففي 24 يوليو 2009 بقرية الحويصلة التابعة لمركز المنيا قام نحو ألفين من مسلمي القرية بمهاجمة مبني تابع للمجمع المعمداني المستقل وإشعال النيران فيه، وإحراق ثلاثة منازل يملكها مسيحيون، فضلاً عن بعض حظائر الماشية، مرددين هتافات ضد المسيحيين؛ وذلك بعد اكتشاف المسلمين لنية المجمع تحويل المبني إلي كنيسة بعد تركيب صليبين من الجبس علي واجهة المبني. وفي قرية نزلة البدرمان التابعة لمركز دير مواس بمحافظة المنيا في مساء يوم 27 أكتوبر 2009 وقعت مصادمات طائفية بين مسلمين ومسيحيين بسبب احتجاج المسلمين علي القيام بتجديد منارة كنيسة مار جرجس بالقرية، وتم تحطيم زجاج الكنيسة ووقعت تلفيات ببعض منازل وممتلكات المسيحيين بالقرية، من بينها خمس سيارات، ومستودع أسمنت، ومنشر خشب، فضلاً عن سرقة محتويات سيارة ملاكي.
وفي قرية الريدة التابعة لمركز المنيا منع تاجر أخشاب مسيحي من استكمال بناء مخزن أخشاب في 28 يوليو 2009 لتشكك ضباط مباحث أمن الدولة في أنه يقوم ببناء كنيسة. وفي 15 أغسطس 2009 أرسل كاهن عزبة داود التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا شكاوي إلي رئاسة الجمهورية وعدد من منظمات حقوق الإنسان يشكو فيه جهاز مباحث أمن الدولة ومحافظ المنيا ويطالب بالسماح للمسيحيين في القرية الذين يبلغ عددهم 800 شخص ببناء دار مناسبات لإجراء مراسم الزواج وللصلاة علي موتاهم بها بدلاً من إجرائها في الشارع ، و لا يكاد يمر حادث من حوادث العنف الطائفي إلا وقد استهدفت خلاله كنيسة أو أكثر بالرشق بالحجارة وأحيانا بمحاولة إحراقها مع ترديد هتافات دينية معادية، مثلما حدث في دير أبو فانا الخاص بالأقباط الأرثوذكس والواقع في نطاق مركز ملوي بمحافظة المنيا والذي تعرض في يوم 9 يناير 2008 إلي اعتداء مسلح من قرابة عشرين شخصاً أسفر عن إتلاف ما يقرب من ثماني قلايات «وهي الغرف المخصصة لخلوة رهبان الدير». وفي يوم 31 مايو 2008 تعرض الرهبان المقيمون في الدير ذاته إلي اعتداء مسلح جديد من قرابة ستين شخصاً من البدو المقيمين في قرية (قصر هور» المتاخمة للدير. وقد وقع الصدام بسبب نزاع بدأ منذ عدة سنوات بين رهبان الدير الأثري الذين يقومون باستصلاح الأرض المحيطة بالدير وبين البدو المسلمين المقيمين في القرية المجاورة والذين يعتبرون الأرض ملكاً لهم بوضع اليد.
كما يعد القتل العمد نمطاً آخر من أنماط العنف الطائفي الذي يجري فيه استهداف القتلي بسبب معتقداتهم الدينية، ففي 27 سبتمبر 2009 تظاهر المئات من مسيحي قرية دلجا الواقعة بمركز دير مواس بمحافظة المنيا احتجاجاً علي مقتل مسيحيين اثنين من أبناء القرية وإصابة ثلاثة آخرين في مشاجرات مع مسلمين، وإن لم تكن هناك دلالات قوية علي أن الضحايا قتلوا لأسباب دينية إلا أن تكرار حوادث القتل خلال فترة قصيرة «شهري أغسطس وسبتمبر 2009» أشعرت المسيحيين هناك بأنهم مستهدفون، حتي أنهم رفعوا لافتات مكتوباً عليها «الدور علي مين؟»، كما شهدت قرية دفش مظاهرة قام بتنظيمها مئات من الأقباط في يوم 5 يونيو 2008 أمام إحدي الكنائس بعد مصرع شاب قبطي بالقرية في اليوم نفسه. وكان أحد مسلمي القرية قام بطعن الشاب بالسكين في أحد الحقول انتقاماً منه لقيامه بالتلصص علي منزل شقيق القاتل وزوجته. وفي يوم 5 أكتوبر 2008 أصدرت محكمة جنايات المنيا حكماً علي الجاني بالحبس لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ! وكان مسيحي آخر قد قتل أثناء مواجهات طائفية شهدتها قرية الطيبة التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا في أكتوبر 2008، وبرأت المحكمة المتهم في 4 مايو 2009.
من جانبه يقول المفكر جمال أسعد إن جغرافيا المنيا ساعدت علي جعلها بؤرة للاحتقان الطائفي فأغلب المحافظة عبارة عن إقطاعيات للأقباط علي مساحة آلاف الأفندة، مما جعل الأقباط هناك ينشأون في بيئة منغلقة لا يحتكون فيها بالآخر خصوصاً أن معظم سكان المحافظة من الأقباط وبالتالي تكاد تكون أكبر تجمع مسيحي في مصر.
أما نائب الشوري القبطي عن دائرة ملوي عيد لبيب فيؤكد أن هناك أصابع خفية تحرك الأحداث داخل المحافظة لتضخيم الأمور دون داع، منتقداً ما قام به الأقباط مؤخراً عندما تظاهروا من أجل زوجة كاهن دير مواس بالرغم من كونها مشكلة عائلية في المقام الأول، و بحسب تعبيره «لن توجد فتنة طائفية في المنيا» لأن كل الاشتباكات التي وقعت بين مسلمين و أقباط خلافات عادية مثل اشتباكات رهبان أبو فانا الأعراب.
ويري الدكتور عثمان هندي عضو مجلس محافظة المنيا وأستاذ علم الاجتماع السياسي بآداب المنيا أن هناك أسباب عديدة لاعتبار المنيا«تحديداً» من أبرز بؤر الاحتقان الطائفي، لأنها من المحافظات التي تتميز بتكوين اقتصادي واجتماعي خاص، حيث ينتشر بها نسب كبيرة من الفقر والبطالة والأمية التي كانت تربة خصبة في السبعينيات والثمانينيات للتطرف وخرج منها الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تورطت في اغتيال الرئيس السابق أنور السادات ورفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق.
حلول الداخلية.. قبض عشوائي واحتجاز غير قانوني ثم حظر تجول والنتيجة فتنة لا تنام
إزاء تلاحق الأحداث الطائفية بمحافظة المنيا خلال السنوات الخمس الماضية لم نستشعر «خطة واضحة» المعالم انتهجتها الدولة لمواجهة الأمر أو علاج مسبباته علي أقل تقدير وربما يعزو هذا الأمر إلي أنها تحاول إنكار وجود هذا الأمر بمنطق النعامة التي تدفن رأسها في الرمال كما يحاول محافظ المنيا اللواء أحمد ضياء الدين الإيحاء بذلك من خلال تصريحاته الصحفية وكأن هذا الأمر يحل المشكلة.
وبحسب إسحاق إبراهيم -الباحث ببرنامج حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- فإن الدولة تعتمد علي سيطرة وجهة النظر الأمنية البحتة في تعاملها مع العنف الطائفي، مما أدي لاستمرار الفشل الذريع في التعامل مع المشكلة والنظر إليها كحوادث منفصلة في غياب أي رؤية شاملة للأسباب أو المظاهر أو الحلول، حيث تتولي وزارة الداخلية التعامل مع كل حادثة ممثلة في «جهاز مباحث أمن الدولة» التي تعتبر في معظم الأحيان «قاصرة، وعنيفة، وقصيرة النظر» وفي أغلب الأحوال غير قانونية، وتهدف دائما إلي فرض التهدئة عنوة: فإما التصالح والتهدئة أو مواجهة الاعتقال وأحيانا العقاب الجماعي للضحايا.
وانتقد «إسحاق» استبعاد السلطة القضائية وتحديداً قضاة المحاكم من نظر قضايا العنف الطائفي. فإحالة جرائم العنف الطائفي إلي المحاكم نادرة للغاية وتكاد تكون منعدمة ، أما النيابة العامة فلا دور لها يذكر في أحداث العنف الطائفي فرغم أن القانون المصري يعطيها صلاحيات قضاة التحقيق المنوط بهم إجراء تحقيقات فورية ومستقلة للتوصل إلي الجناة الحقيقيين وتقديمهم للعدالة مع جميع أدلة ثبوت ارتكابهم الجريمة لحماية المجتمع من الخارجين علي القانون وتحقيق العدالة، إلا أنها دائما ما تميل لمعاونة الأجهزة الأمنية في إجراءات «التصالح» حتي وإن كانت تلك الإجراءات مخالفة للقانون، مثل قبول التصالح في الجنايات والذي لا يسمح به القانون المصري. وفي أحيان أخري تكتفي النيابة بإجراء تحقيقات شكلية وهزيلة تكاد تخلو من أي أدلة، وهو ما يترتب عليه عدم التوصل إلي الجناة، أو حصولهم علي أحكام بالبراءة في حالة إحالتهم إلي المحاكمة، وبذلك يكون الإفلات من العقاب هو النتيجة السائدة في أغلب جرائم العنف الطائفي. واعترف الباحث إسحاق إبراهيم أن فرض التهدئة هو هدف وزارة الداخلية في جميع أحداث العنف الطائفي، وغالباً ما يأتي ذلك عنوة ورغما عن إرادة الأطراف المتورطة في المصادمات الطائفية حيث تتخذ القيادات الأمنية العديد من التحركات المتتالية وغير القانونية حتي تنتهي أحداث العنف الطائفي ب«التصالح» الذي ترعاه وزارة الداخلية باستخدام نفوذها وجميع أوراق الضغط المشروعة وغير المشروعة التي تملكها، ومحاولة الوصول بالأوضاع إلي حالة «وكأن شيئا لم يكن».
أما التدخل المباشر من قبل وزارة الداخلية - والذي يكون سريعا عقب نشوب الأحداث مباشرة في بعض الحالات أو يستغرق ساعات طويلة في البعض الآخر- غالبا ما يستخدم فيه العنف المفرط من قبل أجهزة الشرطة بغرض تفريق التجمعات، حتي عندما تكون تلك التجمعات سلمية، ولو كانت تجمعات ينظمها الضحايا احتجاجا علي تعرضهم للاعتداء. في الوقت الذي تمتنع فيه الشرطة، في أحداث العنف الطائفي، عن التدخل لحماية منازل وممتلكات الأقباط، خاصة في الأحداث التي تتسم بطابع الانتقام الجماعي، والتي يتورط فيها أعداد كبيرة من المسلمين علي خلفية أحداث طائفية، وقد يرجع ذلك في بعض الأحوال إلي زيادة عدد المسلمين عن أعداد قوات الأمن، التي تخشي الدخول في مواجهة معهم قد تنتهي بخسائر بين قوات الأمن.
وتعتبر عمليات القبض العشوائي والاحتجاز غير القانوني والاعتقال الإداري بموجب حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 1981 عناصر متكررة في أحداث العنف الطائفي، يقوم بها رجال الشرطة بغض النظر عن كون المعتقلين من الضحايا أم من الجناة!!. وغالبا ما تتعمد الداخلية اعتقال أعداد مساوية أو متقاربة من المسلمين والمسيحيين. ويتم الاعتقال لتحقيق هدف فرض التهدئة من خلال استخدام المعتقلين كرهائن، أو ورقة ضغط علي الأهالي لقبول التنازل عن حقوقهم وإنجاح جلسات الصلح العرفي التي ترعاها وزارة الداخلية. وفي أحيان أخري تكون الاعتقالات شكلاً من أشكال معاقبة المتورطين بعيداً عن المحاكم ودونما اعتبار للقانون.
أما إذا استشعرت القيادات الأمنية أن عمليات الاعتقال العشوائي غير كافية في بعض الحالات لفرض التهدئة ، فإنها تلجأ إلي التصعيد عبر فرض حظر التجوال في منطقة التوتر، وأحيانا تقوم بعمليات عقاب جماعي لسكان المنطقة أو القرية، مثل استخدام أجهزة كشرطة الكهرباء أو شرطة البيئة أو مباحث التموين أو مصلحة الضرائب في تحرير مخالفات وفرض غرامات مالية بهدف إخضاع أهالي تلك المنطقة لقبضة الأمن، مثلما حدث في قرية «دفش» ذات الأغلبية المسيحية والتابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا في سبتمبر 2008.
وفي سبيل فرض التهدئة في كل منطقة تشهد توترات طائفية تلجأ وزارة الداخلية وبشكل منهجي إلي عقد جلسات صلح عرفي كبديل عن آليات العدالة وجبر الأضرار، وليس كآلية شعبية مكملة لعمل مؤسسات العدالة الجنائية. وغالبا ما تتضمن جلسات الصلح تنازل الضحايا عن الشكوي المقدمة منهم، وإجبار الضحايا علي الإقرار بهذا التنازل مباشرة أمام النيابة العامة أو توثيقه لدي الشهر العقاري وتقديمه إلي النيابة.
يذكر أن نسبة جرائم العنف الطائفي التي رصدتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية خلال العامين الماضيين في محافظة المنيا والتي لم تتم إحالتها للمحاكمة تبلغ 100%. ويكاد يتشابه الوضع ذاته في باقي المحافظات التي وقعت بها أحداث عنف طائفي، حيث يبدو أن المحققين فيها لا يبذلون القدر الكافي من الجهد والتحقيقات اللازمة للوصول إلي الجناة الحقيقيين، ولا يتم اتباع الإجراءات القانونية السليمة وتقديم أدلة الثبوت الكافية والمقنعة إلي قضاء الحكم، وينتج عن ذلك الحكم بالبراءة بطبيعة الحال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.