أبي أن ينهي مسيرته العملية والعلمية بالمناصب الدولية والمحلية إلا وأصر أن يجد مشروعًا يستطيع من خلاله أن يخدم أكبر عدد من الناس وما أن جاءه التكليف من وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد حتي عكف علي دراسة مشروع جهاز سلامة الغذاء والذي يستهدف توحيد 17جهة رقابية في كيان واحد ليقضي علي تضارب الاختصاصات واختلاف نتائج التحليلات لينهي حقبة اثارت الكثير من علامات الاستفهام ولا تزال حتي أصبح المواطن مبلبلاً ولم يعرف حقيقة ما يأكله وما إذا كان صحيا أو غير صحي أنه الدكتور حسين منصور رئيس وحدة إنشاء جهاز سلامة الغذاء والذي كان عضوًا في ثلاث لجان بمنظمة الفاو وكذلك عضوًا بهيئة الدستور الغذائي "الكوديكس" والمختصة بوضع معايير الغذاء في العالم ومن قبل كان عميدًا لكلية الزراعة بجامعة عين شمس ورئيسًا للمكتب الزراعي بالسفارة المصرية بواشنطن لمدة 6 سنوات وها هو الآن يجلس بمكتبه بالدور الحادي عشر ببرج قطاع التجارة الخارجية بجوار أبراج وزارة المالية لينهي 70٪ من مشروع قانون سلامة الغذاء ويؤكد أنه جاهز للتطبيق بنهاية العام.. "روزاليوسف" أجرت معه حوارًا ساخنًا استمر قرابة الثلاث ساعات تحدث خلاله عن أسباب تعطل مشروع هيئة الغذاء وحقيقة السلع الفاسدة داخل السوق والمستوردة فإلي نص الحوار: * ما هذا الصخب الذي يحدث في السوق من سلع فاسدة وقمح مسرطن ولحوم حمير مستوردة ولحوم هندية مصابة بالفيروسات القاتلة؟ - سلامة الغذاء من الضرورات الهامة للحفاظ علي صحة الإنسان من الأمراض الفتاكة في ظل ما يشهده السوق من سلع فاسدة سواء كانت منتجة محليا أو مستوردة إذ بات من الضروري أن تكون هناك جهة مختصة بالفحص والرقابة علي الغذاء وهذا الاتجاه ليس فكرة مبتدعة حيث نبعت في دول الغرب نتيجة لوجود أزمات وكوارث شهدها قطاع الغذاء وأثر علي سلامته وأظهر التناقض الموجود بالجهات المختلفة التي تراقب الغذاء هناك وبالتحديد عقب أزمة جنوب البقر في بريطانيا ومن هنا بدأ الغرب في إنشاء هيئات مختصة للرقابة علي الغذاء وإلغاء التعددية في منظومة الرقابة والتي كانت موزعة علي عدة جهات ثم انتقلت فكرة هيئة الرقابة علي الغذاء إلي نيوزلندا واستراليا وكندا كما انتقلت إلي العالم العربي مثل الإمارات والأردن والسعودية ثم سوريا وتونس إذا قد سبقوا بإنشاء حاليا إنشاء جهاز أو هيئة لسلامة الغذاء أما نحن فقد تأخرنا كثيرًا. الصحة والحق الدستوري * لماذا تعطل مشروع قانون سلامة الغذاء حتي الآن؟ - وزارة الصحة تزعم أن الرقابة علي الغذاء حق دستوري لها ووزارة الزراعة لديها معامل الحجر البيطري وغيرها للكشف عن اللحوم والغذاء ووزارة التجارة والصناعة لديها نحو 7 جهات رقابية مثل المواصفات والجودة والرقابة علي الصادرات والواردات والرقابة الصناعية ومصلحة الكمياء ومن ثم بلغ عدد الجهات الرقابية نحو 17 جهة كل واحدة تنازع الأخري في الاختصاصات ونتائج التحليلات والنتيجة أن المواطن أصبح مبلبلاً ولم يعرف أين الحقيقة؟ * هل هناك من يستفيد من استمرار هذا الوضع؟ - بالطبع هناك خفافيش الظلام من أباطرة البيزنس والتجارة لا يتحركون إلا في وضع "ملخبط" حتي يزدادوا ثراء و"تفحشا". * إذن ماذا تفعل يا دكتور في مكتبك لمواجهة تلك المشكلة؟ - لن نيأس ولن نستسلم وأؤكد لك أننا انجزنا 70٪ من القانون وسيكون جاهزًا علي نهاية العام الجاري. 2000 تشريع للغذاء * كم عدد التشريعات القانونية التي تحكم منظومة الرقابة علي الغذاء حاليا؟ - لدينا أكثر من ألفي تشريع ما بين قانون وقرار وزاري وفي ظل هذا الكم الرهيب من التشريعات خلق حالة من الفوضي والتناقض فيما بينها إذ تخالف هذه التشريعات بعضها البعض كما أنها متكررة وغير محددة الاختصاصات علي الجهات المعنية والغرامات بها هزلية لا تتناسب مع حجم ومشكلة الغذاء الفاسد فضلاً عن ذلك فإن بعض هذه التشريعات لا تستطيع أن تنفذها بعض الوزارات مثل تشريع منع ري المحاصيل الزراعية التي تأكل فيه مياه المجاري. * ما علاقة الوزارة بالغذاء؟ - لديها 26 معملاً وإدارة للرقابة علي الغذاء يفترض أن يكون بها أطباء إلا أنه للأسف بها 5 آلاف مراقب علي الغذاء غالبيتهم حاصلون علي دبلومات فنية ولا يعرفون شيئا عن "الهاسب" نظام جودة الغذاء وتحليل المخاطر ليس ذلك فحسب بل يحصل هؤلاء علي بدل انتقال في الشهر فكيف يراقب مطاعم الفنادق الكبري؟! للأسف ما يحدث في الرقابة علي السوق الداخلية هزل وهناك قاعدة في الرقابة لكنها لم تطبق وتقوم علي مبدأ أنه يجب أن تكتب كل ما تفعله في السجلات وأن تثبت أن كل ما كتبته فعلته. * ما رأيك في الشهادة الصحية للغذاء؟ - ملهاش لازمة وعديمة الجدوي ولاقيمة لها فمثلا تقول الشهادة إنه يجب أن تكون السلع خالية من أمراض الديفتريا مع العلم أن هذا المرض ليس له وجود في مصر ومن ثم مطلوب إعادة النظر في الشهادات الصحية التي تمنح لمحلات الأغذية والأطعمة. المعامل وفحص الغذاء * لماذا كل هذا التناقض الكبير في تحليل معامل الجهات الرقابية للسلع المستوردة؟ - أولا عندنا 100 معمل يحلل الغذاء منها 85٪ غير مؤهل للقيام بهذا الدور و14 معملاً فقط معتمد دوليا وبالتحديد في اختيارات محددة وليست جميع الاختبارات فمثلا يتطلب فحص المبيد نحو 200 اختبار أو تحليل بالإضافة إلي ذلك فإن هناك "ضرب نار" وخناقات بين الجهات الرقابية علي فحص السلع المستوردة لأنها تدفع لها "فلوس" وجزء من هذه الأموال تذهب إلي صناديق خاصة ومن المفترض أن يتم توجيه حصيلة تلك التحليلات والفحوصات لعينات الأغذية المستوردة إلي الخزانة العامة للدولة. * هل اللحوم البلدي خالية من الميكروبات؟ - بالعكس قد تكون ألعن من اللحوم المستوردة نتيجة لطريقة الذبح في مجازا غير نظيفة أو الذبح أمام المحلات وما أكثر ذلك فينتقل الميكروب إلي اللحوم مباشرة فهناك مثلا كبري القبة تجد كل خميس جمالاً حية أمام محلات الجزارة تستعد للذبح ليس ذلك فحسب بل إن طريقة نقل اللحوم تتم من خلال سيارات نقل مكشوفة وقد تدهس بالأقدام ولكن لم تقوفها أجهزة رقابية. * بماذا تفسر ما حدث للبطيخ الذي تسبب في إصابة عدد كبير من المواطنين من الأمراض؟ - مشكلة البطيخ هي تم استخدام مبيد اليتميك في زراعته وكان من المفترض أن يستخدم بعد جني الثمار إذ يزول تأثيره بعد عام علي الأقل في حين أن البطيخ لا يمكث في الأرض سوي أشهر قليلة وهنا تتحمل وزارة الزراعة المسئولية عما حدث لأنها لم تنشر الوعي لدي المزارعين بخطورة استخدام مثل هذه النوعية من المبيدات. * ما خطورة الغذاء المهرمن علي الصحة العامة؟ - الهرمونات نوعان طبيعية وهي غالية جدا ولا تستخدم عندنا وهرمونا صناعية وهي شديدة الخطورة علي صحة الإنسان وللأسف لا توجد لدينا المعامل التي تستطيع أن تجري اختيارات علي الهرمونات في الحيوان المذبوح أما في مجال الحبوب فلدينا آليات لكشف عن متبقيات المبيدات والمعادن الثقيلة. * ما الغذاء الصحي المفضل لديك؟ - طبق من الخضروات المشكلة يحتوي علي جزر وخيار وخس وقطع من الجبن الأبيض بالإضافة إلي الخبز وثمرة فاكهة. * ماذا عن اللانشون والبسطرمة والبرجر والهوت دوج؟ - لم تدخل بيتي فكلها منتجات تحتوي علي آلاف الميكروبات وغير مطابقة للمواصفات فمثلا 80٪ من اللانشون يفترض أن يكون لحمة وفقا للمواصفة القياسية المصرية ومن المعروف أن كيلو اللحمة يباع حاليا بمتوسط 54 جنيها للكيلو فكيف يباع كيلو اللانشون ب8 جنيهات بخلاف تعبئته وتغليفه وهو الأمر الذي يجعلني أضع الكثير من علامات الاستفهام حول هذه المأكولات. المياة والاكتفاء الذاتي * لماذا تراجعت مصر زراعيا حتي أصبحنا نستورد نحو 60 ٪ من الغذاء؟ - مشكلة الأمن الغذائي وإنتاج ما يكفينا من الحبوب مرتبط بالمياه وسوف نواجه مشكلة كبيرة في نقص المياه خلال السنوات المقبلة إذا تراجع معدل استهلاك الفرد منذ 711 سنة من 5 آلاف متر مكعب سنويا إلي057 مترًا مكعبًا حاليا. * هل حلم الاكتفاء الذاتي من القمح ممكن أن يتحقق؟ - الحلم قابل للتحقيق ويبدأ من توفير المياه والمشكلة ليست في الأرض فعندنا الصحراء كما يجب تقسيم المياه لثلاثة أنواع في الاستخدام خاصة بالمدن الجديدة استخدام للشرب واستخدام للخدمات والصناعة وأخيرا في الزراعة. * وزير الزراعة قال "شراء العبد أفضل من تربيته في إشارة إلي أن شراء القمح أفضل من زراعته" إلي أي مدي تتفق أو تختلف معه؟ - أرقام الفاو تؤكد أن 31٪ فقط من إنتاج الحبوب تستخدم في التجارة في حين يتم استهلاك 78٪ والنسبة الخاصة لتجارة الحبوب تستحوذ أمريكا وكندا والبرازيل علي 9 ٪ منها و4 ٪ موزعة علي باقي دول العالم وهو ما تؤكد خطورة الموقف في حدث حتي أزمة في ارتفاع أسعار الغذاء عالميا في عام 2008 إلا وكانت وراءها تلل الدول إذ قامت أمريكا والبرازيل ودول الاتحاد الأوروبي لتحويل القمح والذرة والقصب إلي وقود حيوي فضلا عن أن ارتفاع مستوي معيشة الصين والهند نتيجة للطفرة الاقتصادية ومعدلات النمو العالية التي حققتها هاتان الدولتان دفعتا شعبيهما إلي زيادة استهلاك اللحوم ومن ثم زاد معه استهلاك الإعلاف إذن الموقف ينذر بالخطورة وأنا أطالب وزير الزراعة بإعادة النظر في مقولته لأنه لن يجد العبد ليشتريه خلال فترة وجيزة. المجاري والزراعة *ما مدي خطورة استخدام مياه المجاري في ري الزراعات؟ - شديد الخطورة ويسهم في نقل الأمراض المختلفة والأشد خطورة هو الصرف الصناعي. * هل عندنا ما يسمي بالمياه المعدنية؟ - لا يوجد عندنا مياه معدنية علي الاطلاق وأن ما نتيجة الشركات هي مياه معبأة وخطورتها إذا كانت آبارها تقترب من الدلتا إذ تقوم علي بحيرة من الصرف الصحي. * بماذا تفسر انتشار الفشل الكلوي في عدد من المحافظات؟ - لأن مياه الشرب الجوفية اختلطت بمياه الصرف وهذا مكمن الخطورة. * لكن يا دكتور هناك محطات مياه انشأتها الحكومة بالقري والمحافظات؟ - لن تحل المشكلة لأنه في الأول والآخر مياه الصرف تذهب إلي المصارف وكلها قريبة بالمناطق السكنية ومن ثم تختلف مرة أخري بالمياه الجوفية والحل الوحيد هنا هو اجراء معالجة لمياه الصرف وإعادة استغلالها في الزراعات ومن المفارقات الغريبة أن الجزر الذي نأكله يغسل في مياه المجاري قبل أن يصل إلينا لإعطائه لمعانًا وأنا امتلك الأدلة الواقعية علي ذلك بالتسجيلات بالصوت والصورة وهذه كارثة.