سوف نصدق كل ما قاله مستشارو مجلس الدولة الذين اجتمعوا في جمعيتهم العمومية للمرة الثانية.. سوف نصدق أنهم غير رجعيين ولا مرتدين ولا سلفيين ولا ظلاميين كما قال البيان الذي أصدرته جمعيتهم العمومية.. وسوف نصدق أيضاً أنهم يقدرون ويحترمون المرأة وأن تنظيم مباشرة الحقوق والواجبات لا يعني مصادرة الحق أو اهدار الواجب كما يقول البيان.. وسوف نصدق أن قرارها أو توصيتها بارجاء تعيين المرأة في المجلس لا يعني أدني مصادرة لحق المرأة ولا يخل بمبدأ المساواة المكفول دستورياً، وأن المبادئ والأحكام التي أرساها مجلس الدولة كانت ولاتزال تؤكد احترام مبدأ المساواة بين جميع المواطنين ذكوراً وإناثاً. سوف نصدق كل ذلك ونكبت في صدورنا الشكوك التي أثارتها توصية الجمعية العمومية للمرة الثانية بتأجيل تعيين المرأة قاضية في المجلس.. ولكننا لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من التساؤل ولا نستطيع أن نعتي أنفسنا من التأثر بصدمة توصية أو قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة. من حق مستشاري مجلس الدولة علينا أن نطرح عليهم أسئلتنا ومن حقنا أن نحصل علي إجابات شافية لا تعزله عن مجتمعهم أو تعطي انطباعا بأنهم يخالفون ما توافق عليه هذا المجتمع وارتضاه وأقره دستوره. لقد برر بيان الجمعية العمومية قرارها أو توصيتها بارجاء تعيين المرأة قاضية في المجلس بأن الوقت غير ملائم.. ولم يقل لنا أحد من الذين أيدوا هذه التوصية لماذا الوقت غير ملائم لذلك، بينما هو ملائم لذلك في بقية الهيئات القضائية الأخري.. هل مجلس الدولة هو هيئة منفصلة داخل السلطة القضائية.. وهل أسباب عدم الملاءمة سرية لا يجب الافصاح عنها؟ ثم إذا كان الوقت الآن غير ملائم لنتعيين المرأة قاضية في مجلس الدولة فمتي سيكون الوقت ملائما؟.. هل بعد شهر.. أم بعد سنة.. أم بعد عقد أم بعد قرن؟! ما هو المطلوب حدوثه حتي يصبح الوقت ملائما لانضمام المرأة إلي مجموعة مستشاري مجلس الدولة جنبا إلي جنب مع الرجال؟.. وهل هو مطلوب من الدولة أم من المجلس أم من المرأة ذاتها وتحديدا من المتقدمات لنيل شرف الانضمام لمستشاري المجلس؟ لقد عللت الجمعية العمومية الأولي قرارها بتأجيل تعيين المرأة قاضية في مجلس الدولة بالاشفاق عليها من العمل في المجلس.. فهل الوقت سيكون ملائما حينما سيتوقف السادة مستشارو مجلس الدولة عن الاشفاق علي المرأة من مثل هذا العمل الشاق؟.. هل المطلوب هو الانتظار حتي تتوقف المشاعر الرفيعة للجمعية العمومية للمجلس تجاه المرأة؟ ثم إذا كان بيان الجمعية العمومية يؤكد أنها تحترم مبدأ المساواة بين جميع المواطنين ذكورا واناثا ولا تخل بهذا المبدأ المكفول دستوريا، فلماذا ترفض الجمعية الاحتكام للمحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن وتعتبر ذلك -كما يقول بيانها- ينطوي علي تدخلات غير مشروعة لاجهاض قرارها هي والمجلس الخاص؟.. أليست المحكمة الدستورية العيا هي التي نحتكم إليها جميعا أفرادا وهيئات لنعرف إذا كان القانون أو القرار أو التصرف دستورياً أم لا؟.. بل أنني كنت أتصور أن يكون السادة مستشارو مجلس الدولة هم الأحرص والأكثر تمكسا من غيرهم للاحتكام للمحكمة الدستورية العليا. . أما رفضهم ذلك فلا يعني سوي أنهم يخشون أن تحسب الحصانة الدستورية من قرارهم الذي يؤجل تعيين المرأة في المجلس إلي أجل غير مسمي. عفواً.. السادة مستشارو مجلس الدولة بيان جمعيتكم العمومية غير مقنع.. وهذا سبب الغضب الذي أثاره قراركم.