في باريس سمع أبومازن من الرئيس الفرنسي ساركوزي دعوة ملحة بعودته إلي المفاوضات مع الإسرائيليين.. ما سمعه الرئيس الفلسطيني من مضيفه كان متوقعًا بالطبع.. لكن الجديد هو الأسباب التي علل بها ساركوزي الإلحاح في دعوته لأبومازن باستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.. الرئيس الفرنسي يري أن الاهتمام الأمريكي والدولي معه بدأ يتراجع بالقضية الفلسطينية، لصالح الملف النووي الإيراني، وذلك بعد أن ازدادت حدة مشكلة هذا الملف، وانشغال واشنطن بحشد التأييد الدولي لفرض مزيد من العقوبات علي إيران. ساركوزي يعتقد أن طول مدة انقطاع المفاوضات قد تزيد فتور حماس الأمريكان تجاه القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الإحباط الذي قالت هيلاري كلينتون إنها وميتشيل وقبلهما الرئيس أوباما يشعرون به، بعد أن تبينوا أن الوضع أكثر تعقيدا وأكثر صعوبة.. وفي ظل هذا الوضع المحيط والذي ينشغل فيه البيت الأبيض أكثر بإيران قد تتجمد العملية السلمية والتفاوضية الخاصة بالقضية الفلسطينية.. وإذا حدث ذلك قد تنفجر انتفاضة فلسطينية جديدة، ويحدث اعتداء إسرائيلي جديد علي غزة، وينفلت الموقف ويصبح خارج سيطرة أي طرف. ولذلك ألح الرئيس الفرنسي علي أبومازن للإسراع في العودة إلي طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين، لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه أبومازن هي التغير الذي طرأ علي الموقف الأمريكي والذي صار أكثر انحيازًا لإسرائيل، حينما قبل بموقف نتانياهو الرافض لتجميد الاستيطان في الضفة والقدسالشرقية وتراجع عن ضرورة حدوث ذلك قبل استئناف المفاوضات.. وحتي حينما طرح المبعوث الأمريكي ميتشيل مفاوضات غيرمباشرة عن قرب تستغرق ثلاثة أشهر لم يحصل أبومازن علي إجابات شافية علي أسئلته العشرة التي وجهها لواشنطن عبر المبعوث الأمريكي، خاصة أهم هذه الأسئلة والتي تدور حول ماذا ستفعل واشنطن إذا انقضت فترة الثلاثة أشهر ولم تتمخض هذه المفاوضات غير المباشرة عن اتفاق علي حدود الدولة الفلسطينية. لقد بدا أن واشنطن لا ترغب في تقديم ضمانات لأبومازن قبل بدء أي مفاوضات، رغم أن ما طلبه الرئيس الفلسطيني من ضمانات وسبق أن طالبت به مصر قبله من ضمانات كلها تدور حول مرجعية المفاوضات والتي تعطي للفلسطينيين الحق في إقامة دولتهم علي حدود 1967 وأن تكون عاصمتها القدسالشرقية، وأن تكون هذه الدولة متصلة الأراضي وقابلة للحياة. ولعل ذلك هو الذي دعا الرئيس الفرنسي إلي طرح أفكار جديدة لتحريك هذا الجمود، وإذا كان كل من ساركوزي وأبومازن لم يفصحا عن فحوي هذه الأفكار الفرنسية الجديدة فإن المشكلة الحقيقية التي تواجه أي اقتراحات فرنسية هي الموقف الأمريكي أيضا.. فالأمريكان رغم إحباط إدارتهم لا يريدون أن يتركوا قضية الصراع العربي الإسرائيلي تخرج من بين أيديهم لغيرهم حتي ولو كان هذا الغير من حلفائهم الأوروبيين.. هم يريدون أن تكون كل الأمور في أيديهم هم، ولعل ذلك هو الذي عطل تنفيذ الاقتراح الروسي بعقد مؤتمر دولي للسلام في موسكو، ثم عطل ذات الاقتراح الفرنسي بعقده في باريس، وهذا ما دعا الرئيس ساركوزي لأن يقول وهو يشير إلي الأفكار والمقترحات الفرنسية الجديدة إلي أن باريس تعمل يدا بيد مع واشنطن. لكن المؤكد أن أي تحرك أوروبي أو غير أوروبي سيكون له تأثير علي واشنطن وسوف يحفز الإدارة الأمريكية للتحرك بخط أوسع في هذا الاتجاه.. أما أبومازن فقد رمي الكرة في ملعب العرب حيث ينتظر موافقة لجنة المتابعة العربية علي المفاوضات غير المباشرة عن قرب.