تستحق انتخابات نقابة السينمائيين التي جرت أمس الأول تحليلا دقيقا، ليس لأنها نقابة يحظي أعضاؤها بالشهرة والأضواء، وإنما لأنه جري في المياه النقابية والمهنية الكثير مما هو لا علاقة له بالعمل النقابي من قريب أو بعيد، مما جعل كل انتخابات مهنية في مصر معركة سياسية مصغرة، تتنافس فيها بعض الأطياف السياسية، وتحاول تسديد فواتير خصوماتها في ميادين أخري. في السينمائيين، كما في الصحفيين من قبل، جرت الانتخابات تحت شعار التغيير، والمفارقة المهمة أن المرشح الخاسر في معركة السينمائيين خالد يوسف كان علي باب نقابة الصحفيين يدعم صديقه الخاسر أيضا ضياء رشوان، مما يوحي بأن الأمر يتعدي حدود العمل النقابي إلي محاولة تيار سياسي معين ينتمي له الاثنان، ويرفعان نفس الشعارات السياسية غير المهنية السيطرة علي النقابات المهنية. وكما انتصرت إرادة الجمعية العمومية للصحفيين من قبل لصالح الإبقاء علي العمل النقابي بعيدا عن الشأن السياسي، صَّوت السينمائيون لصالح مرشحين تجري بينهما انتخابات الإعادة الأحد القادم، الأول هو مسعد فودة الذي يحظي بدعم كبير من زملائه العاملين بالتليفزيون، رغم أن رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون تدخل في الانتخابات بشكل مباشر ودعّم خالد يوسف وفتح له أبواب ماسبيرو. والثاني هو المخرج الكبير علي بدرخان، الذي يستند إلي تاريخ مهني وفني كبير، ويدعمه الكثير من السينمائيين من زملاء رحلة الإبداع أو من تلاميذه وهم كثر.. يعرفون قيمة وقامة علي بدرخان، ولا تستهويهم شعارات براقة وغامضة عن تغيير غير محدد المعالم والدوافع. وبحلول خالد يوسف ثالثا وبفارق كبير عن فودة وبدرخان يؤكد السينمائيون انحيازهم لمهنية نقابتهم، وأن ما يطرح في الشارع من شعارات براقة قد تجد صدي لدي بعض الناس لا يصلح في نقابات الطبقة الوسطي، التي تثبت للمرة الثانية أنها قادرة علي إعمال العقل، وعدم السقوط في محاولات السطو علي نقابتهم خاصة أنهم انكووا من قبل من نار الاحتلال الإخواني للنقابات المهنية وبالتالي ليسوا علي استعداد لإعادة نفس التجربة الأليمة. وما حدث في نقابتي الصحفيين والسينمائيين، ومن قبلهما خسارة الأغلبية الإخوانية في نقابة المحامين، يعني أننا أمام نمط عام جديد يسعي لانتشال النقابات المهنية من كبوتها وإعادتها إلي مسارها الصحيح. ويخطئ من يتصور أن تسييس النقابات هو أول الطريق للتغيير السياسي والاجتماعي في مصر، فالعكس هو الصحيح، لأن استعادة النقابات لدورها المهني من شأنه إعادة الثقة إلي الطبقة الوسطي، ومن ثم عودتها الفاعلة إلي الشأن العام من أبوابه الرسمية وهي الأحزاب السياسية، والانتخابات العامة.. وهذه هي المعادلة الصحيحة وغير المقلوبة التي عانينا منها جميعا منذ التسعينيات حتي الآن.