· كان هذا التحول بقرار غير مكتوب من النظام السياسي بغرض السيطرة علي نقابة السينمائيين عن طريق جعل «الأغلبية» في جداول العضوية من غير السينمائيين أسباب هزيمة علي بدرخان في انتخابات نقابة السينمائيين معروفة، ولكن لا أحد يريد أن يذكرها أو يتذكرها، فهي مرتبطة بحادثة قانونية تاريخية شهيرة، كانت حديث مصر كلها منذ 23سنة، ومن يومها أصبحت النقابة في خبر كان.. بفعل فاعل!. خسر المخرج الكبير علي بدرخان انتخابات نقابة السينمائيين ب57صوتا، أي أنه حقق ما يقرب من 48% من الاصوات، وكان الفائز أمامه مسعد فودة سكرتير النقابة الذي تقدم للانتخابات بدون برنامج انتخابي مستفيدا من أن معظم أعضاء النقابة يعرفونه بحكم منصبه كسكرتير، ولأن الذي يسانده هم التليفزيونيون، وبوصفة يعمل موظفا بالتليفزيون فقد سانده وزير الإعلام شخصيا أنس الفقي لاسباب سوف نشير إليها.. وهنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي جعل انتخابات نقابة السينمائين طوال ال20سنة الماضية تتحول دائما إلي معركة بين السينمائيين والتليفزيونيين؟ أليسوا أبناء مهنة واحدة، ونقابة واحدة؟!.. والاجابة للأسف بالنفي. دعونا نرجع إلي الوراء قليلا، ونتعرف علي الاسباب التي أدت إلي أن يصبح السينمائيين أقلية في نقابتهم، بعد أن تغيرت قواعد القبول في جداول عضوية النقابة، ففي خلال 3سنوات فقط تم تبديل «تركيبة» النقابة لتشمل عضويتها إلي جانب السينمائيين العاملين بالتليفزيون علي أساس أنه ليس هناك اختلاف بين «المهن» السينمائية والتليفزيون، فهذا مصور وذاك مصور، وهذا مخرج وذاك مخرج!!.. ويالها من فكرة عبقرية جعلت أغلبية النقابة من «الموظفين» بالتليفزيون .. وفي نفس الوقت أدي هذا الاتجاه إلي تيسير سبل العضوية، فأصبح عامل الاضاءة مثلا عضوا بالنقابة.. وذلك مع ملاحظة أنه ليس هناك كيان نقابي في العالم كله يجمع بين السينمائيين والتليفزيونيين.. ولكننا هنا فعلناها. كان هذا التحول بقرار غير مكتوب من النظام السياسي بغرض السيطرة علي نقابة السينمائيين عن طريق جعل «الأغلبية» في جداول العضوية من غير السينمائيين، حتي لا يتكرر ما حدث مرة أخري، أما الذي حدث فكان اعتصام واضراب الفنانين في مقر نقابة السينمائيين 20 شارع عدلي بالقاهرة احتجاجا علي اصدار القانون 103لسنة 1987 من مجلس الشعب دون الرجوع للجمعيات العمومية للنقابات الفنية الثلاث.. وكان هذا القانون قد تم تقديمة والموافقة عليه خلال 48ساعة، وكان الهدف منه أساسا أن يظل النقيب سعد الدين وهبة نقيبا للسينمائيين رغم انتهاء مدته، حيث جاء القانون الجديد ليجعل من حق النقيب أن يرشح نفسه لمدي الحياة، وليس لدورتين فقط. احتج الفنانون علي هذا القانون الذي صدر في غفلة منهم، ورغما عنهم، وعلي مدي شهر تصاعدت وتطورت الأزمة حتي وصلت إلي الاعتصام والاضراب عن الطعام «أغسطس 1987»، وحظي هذا الاحتجاج بمساندة المجتمع المدني والرأي العام، ومتابعة إعلامية كبيرة «من جريدة الوفد بالتحديد التي كانت قد بدأت تصدر كجريدة يومية»، وذلك لشهرة وقيمة المحتجين من الفنانين والسينمائيين، وكان منهم: تحية كاريوكا التي أضربت عن الطعام، وسعاد حسني ويوسف شاهين ونور الشريف وحسين فهمي وتوفيق صالح وعلي بدرخان وأحمد متولي وعاطف الطيب وغيرهم، بينما ساند عادل إمام الاضراب بوقفة احتجاجية لمدة دقيقة يوميا أثناء عرض مسرحيته ولم ينته الإضراب إلا بعد وعد من الحكومة ممثلة في وزيري الثقافة والحكم المحلي بتعديل القانون، وتأجيل الانتخابات التي كان مقررا عقدها طبقا لهذا القانون.... وما يتبقي من القصة أن القانون لم يعدل حتي الآن، وأن «تركيبة» النقابة تغيرت وأصبحت الأغلبية من غير السينمائيين. منذ هذا «الاضراب» ولم تقم قائمة لنقابة السينمائيين، وجرت في بحر السينما مياه كثيرة مثل خصخصة الاستوديوهات ودور العرض والانتاج والتوزيع، وأزمة السينما في التسعينيات، ثم بيع أصول الافلام و.. و.. ولم نسمع صوتا واحدا يشارك أو يعترض في النقابة، فقد تم تهميش دورها بالفعل، وطوال 20سنة ظل النقيب يأتي من بين التليفزيونيين، وحتي ممدوح الليثي الذي يحظي برصيد سينمائي، أصبح نقيبا في ظل عمله كمسئول تليفزيوني.. ولأن أغلبية الاعضاء «موظفون» بالتليفزيون فإن قضايا السينما بشكل عام والبطالة بشكل خاص لم تعد تشغل نقابة السينمائيي .. أما لماذا ساند وزير الإعلام التليفزيوني مسعد فودة، فلأن نجاح السينمائيين علي بدرخان معناه أن تزداد المطالبة التي حدثت منذ عدة أشهر بتكوين كيان نقابي وإعلامي للتليفزيونيين، وهو ما لا يريده وزير الإعلام!. ومن هنا فان اقتراب علي بدرخان من الفوز، وخسارته بنسبة ضئيلة رغم أن التليفزيونيين يمثلون أكثر من 65% من أعضاء النقابة، كان معناه أنه حتي موظفي التليفزيون بدأوا يهتمون بهذا الكيان النقابي الذي يضمهم بعد أن اصبحوا «موظفين» مظلومين في ظل القنوات المتخصصة، واستعانة التليفزيون بكوادر من خارجه علي حساب العاملين فيه... لقد سقط علي بدرخان بسبب تاريخي عمره 23سنة، وليس في الانتخابات التي أجريت منذ أسبوعين.