خلال أربعة أعوام، وتحديدا من فيلم "ويجا" في عام 2005 إلي "دكان شحاتة" في عام 2009، جري تسويق خالد يوسف باعتباره علامة سينمائية مميزة في تاريخ السينما المصرية العريض والحافل بعشرات المخرجين ومئات الممثلين المميزين، والأفلام الأكثر من متميزة. وأعترف بأنني منذ سنوات امتنعت عن مشاهدة أفلام مصرية، لعدة أسباب منها أنها إما كوميدية خفيفة ومصطنعة، أو تجارية تعتمد علي المطرب النجم، أو سينما النجم الذي راحت عليه مثل أفلام عادل إمام، واقتصرت مشاهدتي للسينما المصرية علي الأتوبيسات أثناء سفري خارج القاهرة. وقبل أيام كنت في رحلة لشرم الشيخ، ولأن السفر يستغرق نحو ست ساعات ومثلها في العودة، فقد أتيحت لي رغما عني مشاهدة إنتاج خالد يوسف، لأجد نفسي مضطرا لاستدعاء ما كتبه النقاد الفنيون وغيرهم عن أفلامه، وما أشاهده في الأتوبيس. والحقيقة التي لا أبالغ فيها انني أصبت بصدمة بالغة، ولم أتخيل أن خالد يوسف بمثل هذه الخفة، وغياب الرؤية وافتقاد الصنعة السينمائية، لدرجة أن فيلما مثل ويجا الذي ألفه وأخرجه خالد يوسف، لا يكاد يرقي لمستوي العمل السينمائي، ولا يختلف كثيرا عن أفلام المقاولات التي كنا نشاهدها في السبعينيات والثمانينيات. أما فيلم "دكان شحاتة" المستوحي من قصة النبي يوسف، فهو فكرة معتادة وسبقت معالجتها في العديد من الأعمال الدرامية في مصر وغيرها من دول العالم، لكن خالد يوسف أضاف للقصة معالجة سينمائية سياسية تبدو مقحمة علي القصة الأصلية، فلا هو قدم دراما اجتماعية، ولا أسعدنا بفيلم سياسي، وإنما حاول إقحام المشهد السياسي العام إقحاما علي الفيلم من خلال صور ومشاهد لا تمت للقصة بصلة، فبدا وكأننا نشاهد فيلمين الأول من نوع الدراما الاجتماعية، والثاني فيلم وثائقي غير مترابط علي الإطلاق. ورغم احترامي الشديد لكل من أشاد بخالد يوسف كمخرج، ومنهم من أضفي عليه أكثر مما يستحق ووضعه في مصاف العباقرة، فإن ما شاهدته يضعني مباشرة أمام مؤلف مبتدئ، ومخرج يفتقد للكثير من الخيال، وتغيب عنه آليات صناعة السينما، لدرجة أنه لم يستفد كثيرا من أستاذه الراحل يوسف شاهين. وأعتقد أن أي مقارنة بين تلاميذ يوسف شاهين لن تكون في صالح خالد يوسف علي الإطلاق، وإنما تصب في صالح آخرين مثل داوود عبد السيد ويسري نصرالله، وأسماء البكري، فقد شربوا من يوسف شاهين الصنعة السينمائية، بينما أخذ منه خالد يوسف مرحلته المتأخرة التي انفصل فيها شاهين كثيرا عن آليات صناعة السينما وغرق في التجريب. وحين أشاهد أعمال خالد يوسف، ومحاولات البعض تحويله إلي علامة سينمائية مميزة، أستدعي إلي الذاكرة علي الفور أسماء مثل داوود عبد السيد ومحمد خان وعاطف الطيب ورضوان الكاشف وعلي بدرخان، وغيرهم ممن تركوا في تراث السينما المصرية والعالمية الكثير من الأفلام التي لن تنمحي بسهولة من ذاكرة السينما. ولا أبالغ إذا قلت إن علي خالد يوسف الجلوس مع نفسه ومشاهدة أفلام مثل "البرئ" و"الحب فوق هضبة الهرم" و"سارق الفرح" و"الكرنك والعصفور" و"الكيت كات" و"البحث عن سيد مرزوق" و"عودة مواطن" و"زوجة رجل مهم" و"سوبر ماركت" و"أحلام هند" وكاميليا"، و"عرق البلح"، ليتعلم فن السينما علي أصوله بدلا من الأشياء الخايبة التي لا تمت للسينما بصلة التي يتحفنا بها!