ليست المشكلة في الأفلام في الأفكار أو في التيمات المحدودة ولكنها في المعالجات المختلفة لتلك التيمات المكررة، وفيلم The other Man للمخرج ريتشارد إيري أو كما عرض تجارياً تحت اسم الرجل الآخر يتعامل مع التيمة الشهيرة المعروفة: الزوج والزوجة والعشيق، ولكنه يقدم معالجة مختلفة غريبة حيث يتعامل السيناريو الذي اشترك المخرج في كتابته - بحياد كامل مع كل طرف من أطراف العلاقة الثلاثية، ويقدم كل واحد منهم بملامح إنسانية تجعلهم كائنات تبحث عن السعادة، ويترك للمتفرج مساحة لكي يتفهم دوافع كل طرف دون التورط في أحكام أخلاقية مسبقة، ورغم تكرار التيمة إلا أن السيناريو المحكم ينجح في جذب جمهوره حتي النهاية دون ملل، بل إن الصورة لن تتضح بأكملها إلا مع مشاهد الفيلم الأخيرة، وقد استخدم الفيلم عدة حيل لتحقيق هذه النتائج. سرد القصة في كلمتين لن يحمل أي تشويق بالنسبة للجمهور، فالزوجة ليزا التي تعيش في كامبريدج بالقرب من لندن مع زوجها بيتر وابنتهما الشابة آبي سيكتشف الزوج أن لها عشيقاً اسمه رالف يعيش في ميلانو وسيكون هذا الاكتشاف بعد وفاة الزوجة إثر إصابتها بالسرطان. هذه هي الحكاية بدون تفصيلات، ولكن أنظر كيف حولها السيناريو المحكم إلي رحلة بحث تطرح أسئلة أكثر مما تطرح إجابات. أي كاتب سيناريو تقليدي سيبدأ علي الفور باكتشاف الزوج بيتر ليام نيسون لاسم عشيق زوجته ليزا (لورا ليني) علي جهاز الموبايل الذي تركته بعد وفاتها من خلال رسالة مسجلة لها، ولكن الفيلم يبدأ بداية غريبة: بيتر مع ليزا في عرض للأزياء نعرف من خلاله أنها مصممة للأحذية المعروضة، ونتعرف في الحفل علي الابنة آبي (رومولا جاراي) وخطيبها جورج، وبعد الحفل تذهب ليزا مع بيتر إلي مطعم، وهناك تسأله عما إذا كان قد فكر يوماً في إقامة علاقة مع امرأة، يندهش بيتر من السؤال، ويقول لزوجته إن حياتهما مستقرة ويبدو أن المشكلة أنه ليست لديهما مشكلة. في المنزل تتحدث ليزا عن رحلة ستقوم بها للمشاركة في عرض للأحذية في إيطاليا بلد الموضة. في المشاهد التالية مباشرة، ستري بيتر وهو يفحص جهاز الموبايل الخاص بزوجته ليكتشف رسالة حب من رجل يدعي رالف، ثم يفحص جهاز اللاب توب الخاص بها، ليكتشف أنها وضعت تفاصيل وصور علاقتها مع رالف في ملف خاص يحمل اسم الحب، سيستخدم بيتر اسمه أو اسم ابنته آبي باعتبارها كلمة السر التي ستفتح هذا الملف، ولكن كلمة السر ستكون بحيرة كومو التي تركتها ليزا في ورقة داخل حذاء تركته، ولو ربطت كل هذه المشاهد معاً سيدخل المتفرج إلي دائرة الحيلة الأولي فيعتقد أن الزوجة سافرت إلي إيطاليا لمقابلة عشيقها رالف، وأنها نسيت أشياء فضحتها، ولكنك ستكتشف أن المشاهد الأولي بأكملها ليست سوي فلاش باك وضع كبداية خادعة، وأن موقعه بالضبط هو بعد خيانة الزوج، وسنعرف فيما بعد أن مشاهد فحص جهاز الموبايل واللاب توب موقعها بعد وفاة الزوجة إثر إصابتها بالسرطان، وأن الورقة المكتوب عليها بحيرة كومو كتبتها لزوجها علي فراش المرض بالمستشفي. هذا التلاعب بالأزمنة والأحداث ليس مجانياً إذ إنه يتسق مع البناء التشويقي للأحداث فالرجل الذي عاش مع زوجته 25 عاماً سيكتشف أنه لم يكن يعرفها وسيعرف بالتدريج أنها تعرفت علي عشيقها رالف أنطونيو بانديراس في كامبريدج ثم أكملا علاقتهما منذ 12 عاماً كاملة وإخفاء معلومة وفاة الزوجة بالسرطان حتي قرب نهاية الفيلم يجعلها حاضرة في ذهن المتفرج لأنها موضوع بأكمله وعندما يسافر بيتر إلي ميلانو بعد وصوله إلي عنوان رالف ستظل متوقعا أن تظهر الزوجة في أي وقت لأننا تركناها في بداية الفيلم وهي تستعد للمشاركة في معرض للأحذية في إيطاليا. دعمت هذه الحيلة إذن بناء السيناريو الذي يتعامل مع العلاقة بين الزوج والزوجة والعشيق علي أنها رحلة اكتشاف وسيتم تدعيم هذا البناء بحيل أخري متعددة من فك شفرة بحيرة كومو إلي اكتشاف الابنة آبي أن أمها كان لها عشيق وذهابها إلي ميلانو وراء والدها إلي المفاجأة الكبري عندما يتحدث بيتر عن وفاة زوجته بالسرطان فيعيد المتفرج تفكيك بناء الحكاية بأكملها وهناك تفصيلات أخري حول كيفية الوصول إلي عنوان العشيق رالف من خلال رسائله الإلكترونية إلي الزوجة. ولكن الاكتشاف الأكبر والتنوير الكامل للعلاقة بين الأطراف الثلاثة يحدث عندما يلتقي بيتر بالعشيق رالف إنه رجل متأنق، أمه إنجليزية ووالده إسباني، رجل يتفجر عاطفة مديون يعشق الانطلاق ويفضل العلاقات الحرة، يتعرف عليه بيتر باعتباره عاشقا للشطرنج مثله وينطلق رالف في الحديث عن عشيقته الإنجليزية التي بعث إليها رسالة إلكترونية لكي تحضر إلي ميلانو لكي يجددا ذكريات الماضي.. الزوج يضبط أعصابه ثم يثور ثم يفكر في قتله ولكن الأهم أنه سيعرف أشياء عن زوجته وعن صديقها معا وأبرز ما سيعرفه أنها كانت تشعر بالسعادة مع الاثنين معا يترك لنا السيناريو مهمة التفسير عندما نعرف أن الزوج مصمم برامج كمبيوتر وأن العشيق شاعر بوهيمي الأول رمز الاستقرار والنظام والثاني عنوان التقلب والفوضي المقابلات أيضا ستكون وسيلة العشيق لكي يكتشف وفاة ليزا لأول مرة كما يكتشف شخصية الزوج الذي اعتبره صديقاً ينقذه من الديون قبل أن يعرف صفته! عند هذه النقطة تستطيع أن تعيد قطع الميكانو المختلفة كلاً في موقعه لكي تستكمل الصورة: زوجة أصابها الملل رغم أنها تعشق زوجها أقامت علاقة مع رجل من بلد آخر هاجمها مرض السرطان فأرادت أن تعترف له، تركت له ورقة كتبت عليها عبارة بحيرة كومو العبارة فتحت ملف الحب في اللاب توب وقادت الزوج لمعرفة غريمه في ميلانو، الرحلة أدت إلي أن يكتشف زوجته وعشيقها واكتشف نفسه أيضا، الثلاثة كانوا يبحثون عن سعادة كالسراب وبقي المشهد الأخير وهو تأبين الزوج والعشيق للزوجة وكأنهما يقومان بتأبين سعادة مفقودة لن تعود! الصورة ساهمت بالطبع في التعبير عن المعالجة الذكية.. الزوج لا يخرج وجهه من الظلام إلا عندما يكتشف حقيقة زوجته، أداء الممثلين أيضا كان مميزا ليام نسيون الذي عبر باقتدار عن مشاعر داخلية معقدة وأنطونيو بانديراس الذي نقل إلينا حيوية عواطف رالف واورا التي عبرت عن مزيج مركب من الحياة الممزقة بين رجلين لا يمكن تفضيل أحدهما عن الآخر!