الاقتباس كلمة ملتبسة لدي الكثيرين ممن يكتبون عن السينما،فنحن لم نصل بعد الي تحديد المعني الحقيقي للاقتباس،هل هو سرقة فنية واعتداء صريح علي إبداع الآخرين،أم هو إبداع مواز ينال التقدير والاحترام في حالة الإجادة؟ هل يمكن أن نعتبر فيلم "تسعة" أو NINE الذي أخرجه روب مارشال عن سيناريو لأنتوني مانجيلا،مسروق من فيلم 8" ونص" الذي اخرجه وكتب له السيناريو الايطالي فريدريكو فلليني عام 1963 بمشاركة إينيوفليانو؟ الحكاية في الفيلمين واحدة،ولكن هل يمكن إنكار حالة الابداع الرائعة التي اضافها المخرج "روب مارشال" لتلك الحكاية ؟ فظهرت في قلب موسيقي استعراضي شديد الروعة،حتي ان معظم نجوم الفيلم تم ترشيحهم لجائزة الجولدن جلوب"دانييل داي لويس"،ماريون كوتيللار،وبينلوب كروز! مفهوم منطقي البعض يفضل أن نطلق علي تلك الحالة إعادة إنتاج للفيلم او REMAKE ،ولكنها في الحقيقه لا تعتبر كذلك لأن المفهوم المنطقي للاقتباس هو التعامل مع نفس الفكرة،ولكن بمعالجة مختلفة،لأن الافلام لا تقوم علي الفكرة أو الحدوتة فقط،ولكن كيفية استخدام العناصر السينمائية والفنية لسرد تلك الحكاية أو الحدوتة، وهو الأمر الذي يختلف من مبدع الي آخر،سواء كانت فكرة الفيلم مأخوذة عن رواية أدبية شهيرة مثل "البؤساء"،أو جين إير،الجريمة والعقاب ،اوليفر تويست ألخ،أم مأخوذة من عمل سينمائي سابق مثل الفيلم الامريكي العظماء السبعة،المأخوذ عن فكرة الفيلم الياباني "الساموراي السبعة" لأكيراكيروساوا،وتلك الحالة لا تعتبر إعادة إنتاج أوREMAKE ولكنها اقتباس للفكرة مع اضافة إبداع خاص من المخرج وكاتب السيناريو! وفي السينما العالمية لايجد المبدع غضاضة في ذكر العمل الاصلي الذي اقتبس منه فكرته،فهو أمر مشروع لا يسيء لصاحبه،ولكن الامر يتحول الي سرقه فنية واعتداء علي الملكية الفكرية،عند تجاهل العمل الاصلي "والاستعباط" في نقل المشاهد بحذافيرها دون ان تكون هناك أي لمحات إبداعية من المخرج وكاتب السيناريو"مثل معظم افلام السينما المصرية"! وربما يكون إنكار العمل الفني الاصلي هو نوع من الهروب من الاتهام بالسرقة، لأن معظم من يكتبون عن السينما عندنا لايعرفون الفرق بين السرقة والاقتباس،ويهاجمون أي عمل فني به رائحة عمل آخر،حتي لو كان يختلف عنه في المعالجة ويحمل إبداعا خاصاً،لمخرجه وكاتب السيناريو،علي كل الاحوال القضية أكبر من مناقشتها في سطور قليلة، ولكنها مقدمة كان لابد منها قبل الخوض في تحليل الفيلم الامريكي "الثلاثه أيام التالية" THE NEXT THREE DAYS الذي بدأ عرضه في القاهرة متزامناً مع عرضه في دور السينما في امريكا وأوروبا،وهو من إخراج بول هاجيز،وسيناريو فريد كافايي ،وبطولة راسل كرو،وإليزابيث بانكس وليام نيسون،وقصة الفيلم سبق تقديمها في السينما الفرنسية منذ عامين،تحت اسم "أي شيء من أجلها" أو POUR ELLE الذي أخرجه وكتب له السيناريو "فريد كافاييي" ولعبت بطولته ديان كروجر مع فينست ليندون. حياة مستقرة "جون برنان" أو "راسل كرو" مدرس وقور في إحدي الجامعات الأمريكيه،يعيش حياة مستقره وهادئة مع زوجته "لارا" أو "إليزابيث بانكس" وطفلهما الصغير6 سنوات،ووتنقلب حياة تلك الاسرة السعيدة فجأة،عندما يداهم رجال الشرطه منزلهم ويتم القبض علي الزوجة بتهمة قتل إحدي السيدات،وتفشل الزوجة في إثبات براءتها،بعد أن عثرت الشرطة علي بقعة من دماء الضحية علي ملابسها،وتتحول حياة الزوج الي كابوس مزعج،بعد أن يتم إيداع زوجته في السجن لتقضي عقوبة عشرين عاما،وتتعاظم مأساته بعد أن تقدم زوجته علي الانتحار، نظراً لإحساسها بالظلم والقهر،هنا يبدأ الزوج في التخلي عن حياته العملية، ويخطط لإنقاذ زوجته وتهريبها من السجن،بعد أن وضع خطة متقنة لتنفيذ ذلك،بناء علي نصيحة مجرم متخصص وله سوابق في ذلك"ليام نيسون"،ولأن الخطة التي وضعها تحتاج الي كثير من الأموال التي لا يملكها،فقد بدأ في التفكير في السطو علي مجموعة من تجار المخدرات،وهو الامر الذي دفعه للقتل،ليتحول المدرس الوقور الي رجل لايفكر إلا في إنقاذ زوجته ومن أجلها كان علي استعداد ليخسر حياته نفسها،ورغم ميل الفيلم للتشويق والإثارة إلا أنه لايعتبر من افلام الحركة التي تقدمها السينما الامريكية، فالخطة التي وضعها الزوج"راسل كرو"تحمل كثيرا من الجهد في التفكير ووضع جميع الاحتمالات ،وعمل دراسة لتحرك الزوجة في حالة نقلها للمستشفي،وكيف يتم تأمين سيارة الاسعاف التي تقلها،وكثير من التفاصيل الدقيقه جدا،تحتاج الي تفكير منطقي ،وقد لجأ السيناريو أحيانا إلي إلقاء ظلال من الشك،حول احتمال اقتراف الزوجة "لارا"لجريمة القتل!لتكثيف وتصعيد مناطق التشويق والاثارة. المنطق الأخلاقي في السينما الامريكية والاوروبية ايضا لاتأتي النهايات طبقاً،للمنطق الاخلاقي،أي أن القاتل ليس بالضرورة ان يقع في قبضة العدالة أو أن يلقي عقابا قدريا اوقانونيا،ولكل فيلم منطقه الخاص،فمثلا فيلم "لصوص المدينة" الذي عرض بالقاهرة مؤخراً"THE TOWN " بطولة بن أفليك،وجيرمي رينير،انتهت احداثه بتمكن بن افليك من الهرب بالاموال التي سرقها من البنك،بعد أن ترك لحبيبته قدرا من المال يكفيها لحياة هانئة ومستقرة،أما زميله الشرس جيرمي رينير فقد مات في معركته مع رجال الشرطة!أما راسل كرو بطل فيلم"الايام الثلاثة التالية" فقد نجح في خطته وتمكن من الهرب مع زوجته وطفله الصغير خارج البلاد ليبدأ حياة جديدة لانعرف عنها شيئا،المهم أنه أوفي بوعده لزوجته وطفله ،عندما اقسم لهما أنه سوف يعيد للاسرة الصغيرة استقرارها وهدوءها،راسل كرو قدم الشخصية بالمواصفات التي تليق بها ولم يسرف في ردود الفعل،ولكن الفيلم لايعتبر من أفضل أفلامه،ولن يكون علامة مميزة في مسيرته الفنية،أما المخرج بول هاجيز الذي سبق له الحصول علي اوسكار افضل سيناريو عن افلامه طفله بمليون دولار"2004" للمخرج كلينت استوود،وفيلم تصادم " CRASH" 2005 ، "وادي إيلاه" THE VALLEY OF ELLAH وهو يقدم فيلمه الجديد "الثلاثة أيام التالية" بحرفة وإتقان ولكنه يفتقد لحالة السحر والوهج التي ميزت تجاربه السابقه انه مجرد فيلم جيد مثل "كازينو رويال"يمكن أن تقضي معه ساعتين من التسلية ولكنه سوف يسقط من ذاكرتك بمجرد خروجك من دار العرض!