الدولة القوية التي يطلق عليها أحيانًا الدولة الحديثة أو دولة القانون أو دولة العدالة، هي تلك الدولة التي لا يحكمها سوي القانون والتي لا يعلو فيها صوت أحد أيًا كان فوق صوت القانون ولا يملك فيها أحد أيًا كان قدره أن يهرب من القانون. فبالقانون تسير الأمور وبالقانون يحاسب المخطئ وبالقانون يحصل كل صاحب حق علي حقه وبالقانون وحده يواجه الظلم والاستبداد والفساد. ولكن عندما يتهاون الجميع في تطبيق القانون. وعندما يساهم الكل في إسقاطه، وعندما يرتبط تطبيق القانون بالقدرة المالية أو بالمكانة الاجتماعية أو بالموقع السياسي، هنا يبدأ الخلل الحقيقي لنشر وانتشار الفساد، والفساد هنا هو تلخيص لكل الأمراض الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بل والأخلاقية التي انتشرت واستشرت في كيان الواقع المصري، بما غير الصورة للأسوأ وبما جعلنا نصعد للخلف ونفقد البوصلة تجاه أي مستقبل، فدولة القانون لا تفرق بين وزير وغفير، ولا تعرف غنيا أو فقيرًا، ولا تميز بين قوي وضعيف، ولا علاقة لها بالدين، دولة القانون تعلي من قدر المواطن المجد والمنتج ولا تكافئ اللص والمختلس، هي دولة كل المواطنين، كما أن تطبيق القانون كقانون دون محاباة لأحد وخوف من أحد أو وجل في مواجهة أحد فيكون ذلك هو البداية الحقيقية لتطبيق وتفعيل شعار المواطنة الذي مازال مادة جامدة نظرية في الدستور دون تفعيل، ولا يسقط القانون ولا يضعه في موضعه غير جاهل أو فاسد أو من يسعي لمصلحته ليس علي حساب الآخر ولكن علي حساب المواطن، فالتهاون في تطبيق القانون وإسقاطه يساعد بل يساهم بل يشارك في كل عمليات الفساد التي تتم علي أي مستوي، وانتشار الفساد في أحد مظاهره هو الحصول علي حقوق الغير بطريق غير شرعي، وهذا يعني أن صاحب الحق أو من له نصيب في هذا الحق وفي ثروة هذه الأمة يشعر بأن الأمة ليس له بل لهؤلاء الفاسدين مما يولد حالة اغتراب حقيقي تجرف أمامها كل قيم الوطنية والانتماء. وهذا بلا شك ليس في صالح الوطن أو المواطن، ولأننا بالدستور نُعرف كدولة مؤسسات، فالسلطة التشريعية تشرع القوانين والسلطة القضائية تصدر الأحكام بناء علي تلك التشريعات الصادرة باسم الشعب من المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية هي التي تقوم بتنفيذ تلك الأحكام وبتطبيق القانون. فإذا كان مجلس الشعب يشرع فهل يقوم مجلس الشعب بمراقبة السلطة التنفيذية بتطبيق القانون؟ وما دوره في عدم تطبيق تلك التشريعات والقوانين التي لا تنفذ بل في كثير من الأحيان يتم إسقاطها؟ وإذا كنا دولة مؤسسات وقانون، هل يليق وحتي هذه اللحظة ألا يكون هناك قانون خاص بمحاكمة الوزراء؟ أليسوا بشرًا وهم مواطنون مثل كل المصريين؟ أم أن الوزير علي راسه ريشة؟ وهل يليق بدولة كمصر صاحبة الحضارة والتاريخ أن تصل الأمور فيها إلي عدم التمكن من محاكمة وزير أثناء توزيره وماذا لو ارتكب مخالفات وتجاوزات وفساد في كل الحالات لا يتم الحساب إلا إذا غادر الوزارة، أقول ذلك مؤكدًا علي أنه ستظل السياسات الخاطئة من بيع أراضٍ للدولة دون حسيب أو رقيب أو من تخلص من القطاع العام بأبخس الأسعار مما أدي إلي أزمات عديدة في الأسواق مازالت آثارها حتي الآن بل ستظل حتي المستقبل لا نعلم إذا كان سيكون في القريب أو البعيد في نفس الوقت نري تكريما لبعض من تركوا مناصبهم وأثاروا خلال توليهم تساؤلات عديدة حول تصرفاتهم ويأتي التكريم بمنحهم مواقع في شركات مثل إبراهيم سليمان وفضيحة تعيينه في شركة الخدمات البترولية وما تم فيها من سحب التعيين واستقالة من مجلس الشعب والتحقيق معه أمام النيابة، أو مثل عاطف عبيد وتعينه في رئاسة البنك العربي بملايين الجنيهات ناهيك عن تعيينه في مجلس الشوري. فما القواعد القانونية التي تجيز ذلك أو لا تجيزه؟ وأين الشفافية في كل هذا؟ ألا يوجد ما يسمي بالتقييم والتعلم من الصواب والخطأ؟ وأين القانون وتطبيقه هنا علي الوزير قبل الغفير؟ وهل هذه السلوكيات وتلك القرارات غير الصائبة التي تكشف للرأي العام والتي يتم اتخاذ قرارات لتصويبها إلي حد ما ألا تحدث نوعًا من الفتنة السياسية والاجتماعية في هذا الوطن؟ وكيف يكون هناك انتماء حقيقي ممن لا يجد رغيف عيش أو كوب ماء أو أنبوبة بوتاجاز؟ وما هو شعور ملايين الشباب الخريج أو غير الخريج الذي لا يجد ما يقتات به؟ وما شعور الشاب بل الأسر التي تنام علي الأرض وتلتحف السماء لأنها لا تجد حجرة تؤويها؟ وكيف في ظل هذا الحال لفقراء هذا الوطن والذي يعلن دائمًا رئيس الجمهورية انحيازه لهم أن تهدي أراضي الوطن تلك الأراضي التي بلا شك هي ملك لكل المصريين للفاسدين الذين ينهبونها بغير الطريق الشرعي وعلي حساب الجميع لمجرد علاقتهم بهذا الوزير أو بذاك المسئول. فأين الشفافية التي هي بداية صحيحة لتطبيق القانون؟ ولماذا لم يعلن عن المبالغ التي تم صرفها علي وزير المالية لعلاجه في أمريكا؟ وهل يمكن لمثله من المرضي بنفس المرض ليس من الغلابة ولكن من أبناء الوطن المرموقين أن يعالجوا في أمريكا وبنفس المبلغ وبذات الإمكانات؟ إن تطبيق القانون علي الجميع هو السمة الأساسية لدولة القانون. وتطبيق القانون هو طريق العدالة، والعدالة هي طريق الانتماء، ولا رفعة للوطن ولا تقدم للأمة بدون انتماء، وبالطبع لا انتماء في ظل هذا الكم من الفساد وعدم تطبيق القانون وعدم محاكمة الوزراء أثناء توزيرهم لا بعد الغضب عليهم، فمصر لكل المصريين.