هل حقاً فى مصر قانون؟ وهل مصر دولة القانون والمؤسسات كما يتشدق النظام الحاكم دائماً بأكلشيهات مثل هذه معدة وسابقة التجهيز دائماً كالأغانى التافهة التى يرددها البعض دون أدنى إكتراث بما تحويه من معانى أو لا تحويه، فنحن نسمع دائماً كلمات تبدو براقة وجيدة لكنها للأسف خاوية من أية معنى أو محتوى حقيقى كلام والسلام لكن أرض الواقع فى مصر جرداء من أى معنى من هذه المعانى، فكلمة القانون مثلاً هى أرقى وأعظم ما أبدع الإنسان والقانون هو بداية التاريخ والحضارة وبدونه لا توجد دولة فالسلطة وهى ركن أساسى فى بناء الدولة تحكم وفق القانون لا وفق أهواء من يحكم ويتسلط على الحكم ومن العجب أن أجدادنا هم من وضع بذرة الحضارة ووضع القانون على أرض الواقع ولكن للأسف فنحن أهدرنا كل بدايات الحضارة وعلى رأسها القانون فما هو القانون وهل مصر دولة قانون حقاً، فى حقيقة الأمر فإن السلطة فى مصر لا تعترف بالقانون ولا تؤمن به، فالأساس فى القاعدة القانونية وأول شروطها أن تكون قاعدة عامة أى تطبق على الجميع دون إستثناء فالجميع يجب أن يكونوا سواسية تماماً أمام القانون لا فرق بين شخص وآخر ذو نفوذ أو حصانة أو دون فالكل يتساوى أمامه دون نظر لأى إعتبارات أخرى وجميع الناس يعلم أن من يعتدى على القانون سوف يحاسب إن عاجلاً أو آجلاً دون أى إعتبار آخر ، فهل هذا يحدث فى مصر وهل الجميع سواء أمام القانون والكل يخضع له أم أن القانون يطبق على البعض دون الآخر ويتم الحساب بطريقة إنتقائية ، ووفقاً لتوازنات وحسابات لا يعملها إلا من يتصارعون على جثة الوطن. وثانى الشروط أن يوضع القانون بشكل مجرد دون مراعاة لأهواء أو مصالح جهات أو أشخاص بعينهم أن يوضع ويراعى فيه مصالح البعض من ذوى النفوذ والجاه فيؤجل القانون أحياناً ويفصل أحياناً أخرى وتستبعد مواد وتوضع مواد لأسباب تقنن الفساد وتضفى عليه المشروعية الزائفة لحماية البعض من المحتكرين والفاسدين وليس أدل وأقرب على ذلك من مشروع قانون منع الإحتكار والواقعة الشهيرة بإمبراطور الحديد ذلك الشخص الكريه عنوان الزمن الردئ والذى منع مادة فى القانون لحماية نفسه، وهى واقعة لا تخفى على أحد ولو أننا فى بلد قانون لحُكم على هذا وإنهاء نظام الحكم بأكمله لهذا لكننا فى بلد العجب إننا فى مصر المحروسة بالفساد واللصوص وكم من قوانين أهملت سنين طويلة جداً لكى لا يتم إقرارها وحتى عند إقرارها ومناقشتها من بصمجية وجهلة مجلس الشعب صدرت بكل عوار. ثم نأتى إلى الوجه الآخر لعمومية وتجرد القاعدة القانونية آلا وهو مبدأ شخصية العقوبة فكما أن القانون يطبق على عموم الناس دون تمييز فإن العقوبة شخصية لا تطبق إلا على من ارتكب الجريمة فقط ولا أحد غيره وياللعجب أيضاً فهذه القاعدة الأساسية والأصيلة فى قانون العقوبات مهدرة أيضاً، فكم من الجرائم التى يعجز جهاز الأمن عن اكتشاف مرتكبها ويتم إلصاقها لمن يطلق عليه المختل عقلياً والحوارات فى هذا ما أكثرها ولعل متهم بنى مزار لم تنساه الذاكرة بعد، وكم من برئ فى سجون مصر يتم إكتشاف براءته بعد زمن ولا شئ يحدث ولا تهتز الدنيا، وكم من ضابط مباحث عامة أو أمن الدولة يقبض ويعاقب ويهتك ويجرد ويقضى على عائلات بأكملها كى يسلم المتهم المشتبه به نفسه وكم من ضابط يلفق القضايا ولا أحد يحاسب بل ويعذب وينكل بالصوت والصورة ولا من محاسب. وقد استوقفنى مرة حديث عزت أبو عوف مع عمرو أديب عندما أخبره أن ضابط المرور أراد أن يعطيه مخالفة لأن السيارة ستائر سوداء وأن السيارة مصنعة هكذا من الشركة فقال له عمرو طالما هى صنعت ونزلت هكذا فالقانون لا يعاقب على هذا ورغم تفاهة هذه الواقعة لكن أكبر الضرر من مستصغر الشرر فالقانون قانون سواء فى وقائع بسيطة أو كبيرة فلا يوجد استثناء وهذا شئ بديهى فى العالم كله فالقانون نفسه فاسد كيف يمنع الستائر والزجاج الغامق لكل من معه أموال لشراء سيارة فارهة حالكة السواد من الداخل فلا غبار عليه أما من لا يملك المال فعليه أن يدفع الغرامة ويتعرض للعقوبة. ما الهدف إذاً من القانون وما المعنى من وراء إقراره وإذا كان الإنسان بأمواله ونفوذه يستطيع أن يجد له رخصة لخرق القانون ما الجدوى إذاً، وهل يصح أن يُطلق على هذا العبث قانون، وهل يوجد مثل هذا فى العالم؟ لكن يبدو فى مصر أن كل شئ ممكن حتى الشئ ونقيضه موجود بل وأى شئ يمكنك تخيله أو حتى لا تتخيله فالقانون يا سادة فى أرض المحروسة يتمتع بميزة منحها الله لهذا الوطن دون غيره من بلاد الله فالقانون عندنا له منور يمكن القفز من فوقه بل ويمكن أيضاً الإقامة والسكن في هذا المنور دون أدنى إعتبار لأى شئ آخر فالمنور موجود يا سادة يا ذوى النفوذ والجاه والسلطة والفساد، وكل حسب قوته ووضعه فى هذا المجتمع ويتسع حسب قوة ونفوذ كل شخص ولله الأمر من قبل ومن بعد.