أكثر الدول احتراماً للقانون وللقضاء دول لا يوجد بها وزير للشئون القانونية وآخر للعدل وكلاهما عضو في السلطة التنفيذية!! قضية بعد قضية وكله بالقانون!! أكثر الدول خرقاً لاستقلال السلطة القضائية واغتصاباً لحقوق السلطة التشريعية هي تلك التي ترفع كل يوم شعاراً تدعي فيه استقلال القضاء وسيادة المشرع، بينما هي تجمع بين سلطتي التحقيق والإحالة وتختار القاضي وتحول بين المواطن وقاضيه الطبيعي وتملك أن تعطل القانون أو تمنحه إجازة مفتوحة أو تستبدله بغيره من قوانين نصف الليل! الدولة القانونية هي التي تعرف أن زمن القوانين حسنة السمعة وسيئة السمعة قد انتهي وأصبح الخيار بين دول وأمم حسنة السمعة تعرف للقانون رسالته وتحفظ كرامته أو دول سيئة السمعة تحول القانون إلي مطية لارتكاب أقبح الأفعال وأكثرها استبدادية!! في مصر سعت السلطة منذ نصف قرن لفرض وصاية غير شرعية علي الشعب عبر الهيمنة علي السلطة التشريعية والقضائية واستخدام هذه الهيمنة في تصفية مؤسسات المجتمع المدني واحدة تلو الأخري، أحزاب، نقابات، أوقافاً، جمعيات أهلية، حركة طلابية وعمالية وكله كان بالقانون!! عندما يفسد الطريق لصياغة الدستور، أبوالقوانين، تفسد القوانين، وعندما تفسد القوانين تفسد العدالة وعندما تفسد العدالة يفسد القضاء وعندها يفسد كل شيء وبالقانون. مصر التي عرفت أعظم القضاة أمثال عبدالعزيز فهمي، عرفت أيضاً الدجوي وعرفت قضاة قساة وأحياناً جبناء، عرفت قضاة شجعان مثل النحاس والهضيبي وعرفت سليمان مظهر عضو هيئة محكمة الثورة الذي قال أمام المحكمة أنه يبتعد عن الشر بالغناء له وكله بالقانون. من في هذا الوطن لا يغني ويرقص؟ مصر في أشد عصور الفساد والمحسوبية حكم القضاء فيها ضد الخديوي عباس عندما حاول أن يستولي علي مال فلاح فقير وواجه القضاء الملك فؤاد في عز جبروته عندما حاول أن يستولي علي وقف الأميرة الهامي أم الخديوي المخلوع واستقال وزير العدل ثم الحكومة عندما صدر حكم النقض وأثبت قيام مأمور البداري بأسيوط بتعذيب وبتلفيق قضية لفلاح صغير مستخدماً سلطته القانونية، فلاح وليس طبيباً أوأستاذاً جامعياً أو رئيس حزب أو عضواً بالبرلمان هو فقط مواطن فلاح مصري صعيدي!! ، مصر التي تحترم القانون وهي التي تحدي القضاء رغبة الحكم وبدأ النقراشي وأحمدماهر وكانت الحكومة في مذكرتها تطلب إعدامهما، وهو القضاء الذي حبس شهود الزور ضد النحاس وميرهم باشاوناشد في قضية تزوير أوراق حزب الشعب،بينما كانت الحكومة في مذكرة الادعاء تطلب سجن الثلاثة بتهمة التزوير ففضح الحكم التلفيق وقضي ببراءة ميرهم والنحاس وناشد وحبس الشهود المدفوعين ضدهم. عندما عاد النحاس للحكم توقع الجميع أن يعزل خصمه العنيد السنهوري عن رئاسة محكمة مجلس الدولة ويأتي بغيره إلا أن النحاس رفض أن يفعلها بل إن الملك نفسه لم يفعل يوم أن أصدر السنهوري حكماً بعودة مجلة الاشتراكية التي سبت الملك وأمه بأقسي الألفاظ. إن القاضي الذي أعلن أمام المحكمة أنه يعرف الشر ويبتعد عنه بالغناء له فعل ما فعله بالقانون.. والقاضي الذي أصدر أحكاماً ترضي الله وتغضب الحكام هو أيضاً فعل القانون ويبقي السؤال أي قانون؟!