قبل مباراة مصر والجزائر بالقاهرة العام الماضي رأيت سيدة في نادي الصيد تتحدث بصوت عال لثلاث سيدات.تستنكر الضجة المثارة حول المباراة. مؤكدة أن القصد منها إلهاء الناس عن مشاكلهم الحقيقية وتفريغ طاقة الشباب الذي يعاني البطالة وتحويل مسار السخط علي الحكومة في اتجاه آخر. حاولت السيدات إقناعها بغير ذلك لكنها رفضت أن تسمع. فقد قرأت ما قالته في بعض الصحف.وإحنا عارفين أن الصحافة ما تكذبش!.ولهذا تطالب نقابتهم أن تستثنيهم من الحبس!. نظرية مؤامرة الحكومة لإلهاء الناس بواسطة الكرة كان يرددها أعداء عبد الناصر في عهده (في السر طبعا)، وكان أحبابه ينفونها بشدة طبعا برضه. الآن يروجونها علنا ضد كل الحكومات التي جاءت بعده! فلا جديد تحت الشمس. لا أستبعد أن تتآمر أي حكومة في مصر قديما أو حديثا.لكن نظرية إلهاء الناس بالكرة لم تكن صحيحة أبدا. فالناس في كل الدنيا تعشق كرة القدم وأثيرت وقت عبدالناصر لأن دخول التليفزيون عام 60 جعل جمهورا أكبر يشاهدها من منازلهم. الآن تذاع في كل فضائيات العالم.وإذا كان الإعلام الحكومي يهتم بها فالصحف المعارضة والصحف التي تدعي الاستقلال والفضائيات الخاصة تهتم بالكرة أكثر من الحكومة لكنها في الوقت نفسه تردد أن الحكومة تلهي الناس بالكرة! فلا حياء في العلم ولا حياء في الإعلام!. المثير للسخرية أن الحقيقة علي العكس تماما. فعشق الجمهور للكرة هو الذي يدفع الإعلام العام والخاص وشركات الدعاية وأصحاب البيزنس وطالبي الشهرة من الفنانين للاهتمام بالكرة والتزاحم لالتقاط الصور مع نجومها. الحاقدون علي مصر لمجرد أنهم يكرهون الحكومة لم ينكروا فرحتهم بفوز مصر بكأس أفريقيا حتي لا تسقط عنهم ورقة التوت الأخيرة. ولعلهم يفهمون الآن أن مصر ليست هي الحكومة. ومن يكره الكرة ،والثري المشغول بعد نقوده، والفقير المشغول بالبحث عن رغيف، والمسن الذي زهد الدنيا، والطفل الذي لم تتفتح مداركه بعد.. شعر بالفرحة. وحتي القبط شاركونا الفرح والزهو. تصوروا؟!! آه والله، وإن كنت اعتب عليهم أنهم لم يبعثوا للمصريين بتهنئة كما فعلت بعض الدول!. رغم مظاهرات الملايين فرحة بالفوز لم يحدث ما يعكر صفو الأمن.ونقل التليفزيون صور المحجبات والسافرات من كل الأعمار والطبقات وسط جموع الرجال والشبان ولم نسمع عن حادث تحرش. وكي لا أسقط في فخ التعميم أعترف بأنني لم أر بينهن متنقبة واحدة ولو ناظره من شرفة حاملة علم مصر.(وهل نشاهدهن أمام دور السينما و المسارح و الملاعب الخ؟). فمثلهن علي استعداد لمشاركة رجالهن في إلهاء الناس عن فرحة الفوز للتركيز علي ما تحققه حماس وسوريا وحزب الله وكل الجماعات المماثلة التي تلعن مصر والمصريين بما فيهم الجزائر التي كسبت أمامنا أو خسرت اتهمتنا بشتي التهم وعلي رأسها أن حكومتنا تلهينا عن محاربة إسرائيل بدلا من حماس!. من الأمور التي تتعب القومجيه أن الفرق العربية عندما تنافس الفرق الأفريقية والآسيوية لا تشكو إذا هزمت منهم، ولا تشمت إذا فازت عليهم.... إلا مصر!. فمصر عندما تفوز علي فريق عربي أو أجنبي يتذكر المصريون إنهم مصريون!. لكن البعض منا يريد أن نقول عند الفوز أننا عرب، أو مسلمون وعند الهزيمة أننا مصريون!. كأن هذا يتعارض مع ذاك!. كتب رئيس اتحاد كرة سابق أنه (يحب تسمية فريقنا بمنتخب الساجدين ولا يحب التسمية التي أطلقها علينا العالم وهي منتخب الفراعنة!) ربما لأنها لا تطلق إلا علي المصريين! بينما الساجدون هم كل المسلمين بما فيهم القاعدة وطالبان وإيران!. الفراعنة تعني مجدا مصريا متصلا لأكثر من ألف عام جعلت الأمريكان يقلدون مسلة فرعونية ويضعونها في أشهر ميادينهم ليقولوا للعالم أن حضارتهم ستدوم ألف عام كحضارة المصريين.الحضارة التي يتأفف منها رئيس الاتحاد السابق. إلي هذا الحد يريد بعضنا أن يبيعونا للآخرين بأن يجعلونا نتنكر لأنفسنا ولكلمة الفراعنة التي تعني الحكام المصريين فقط و حصريا! الذين حكموا العالم وسبقوا الآخرين. الذين يتشدقون بنظرية إلهاء الناس بالكرة يتناسون أن أي هزيمة لفريقنا يستغلونها هم ليشهروا بهذه الحكومة التي فشلت حتي في الكرة!. المصريون لا يحزنون إذا انهزموا من فرق عالمية فهم يعرفون أنها من بلاد متقدمة عنا في كل المجالات.ويفرحون إذا هزمناهم مرة لكنهم لا يظنون أننا بهذا أصحبنا أفضل منهم.لكنه يعني أننا يمكن أن نتقدم إذا تسلحنا بشروط التقدم. بالطبع كانت فرحة الكثير من المصريين بلهاء. والبلاهة موجودة في كل الشعوب. ولاشك أن من المصريين من يتكاسل عن العمل ويكذب ويغش وينافق ويحتال ويتخطي القوانين ويبحث عن مصلحته فقط. لكنه يعتبر فوز مصر فوزاً له وأملا في التقدم لذلك يشارك في الاحتفال به مضحيا بوقته ونقوده ويرفع العلم ويهتف حتي الفجر ويوزع المشروبات والحلوي مجانا. فوزنا الأخير لا يلهي الناس عن الحكومة. بل علي العكس يحملها المسئولية ويجعلهم يسألونها لماذا لا نتفوق في جميع المجالات؟، وهي ورطة للحكومة ومؤامرة غير مقصودة ضدها!. وإن كنت شخصيا أشارك فيها عن قصد!. المصريون يبحثون عن هدف يجمعهم ودور يسند إليهم ليرفعوا اسم مصر عاليا. وهم علي استعداد لبذل الجهد والعرق إذا اقتنعوا. طلبوا منهم أن يبنوا هرما أعلي من الهرم الأكبر وسوف يستجيبون!.