إيحاء بال"بارانويا" والنرجسية تنقله "طلّة" أحمد العايدي للوهلة الأولي، لكنه إحساس بالذات مرن، حميد، يمكن التعاطي معه من حيث هو لزوم "البرستيج الأدبي". بشكل أو بآخر، شخصيا هو لا ينفي ذلك، لم أسأله مباشرة، لكن آراءه فيما يخص الكتابة وشخصية الكاتب تؤكد تلك الطبيعة، فهو يري أن وفرة دور النشر في الآونة الأخيرة جعلت الكتابة أشبه بالتمثيل، وحفلات التوقيع تعادل "تريلار" الأفلام والعروض الخاصة، لذك هو يعتقد أن للكتابة علاقة بالعزلة، أن يشاهد الكاتب ولا يشارك، ومشاركاته التي يجب أن تكون نادرة وقليلة، يصبح مجبرا عليها. في لقائه حضور خاص لنقرات "الماسينجر" وتعبيرات الشات المقتضبة، ومن بعد "ستاتيوس" الفيس بوك. ثم في جميع الأحوال "لازمات" من قبيل "بيس يا مان" و"كووول طحن" و"قشطة"، ربما لم يتحدث بها لكنه كتبها في "أن تكون عباس العبد" روايته الأولي والوحيدة منذ أن صدرت عام 2003، لم يكن غريبا إذن ألا تخرج اقتراحات مكان لقاء العايدي عن ركن إيطالي في "مول" شهير، أو "كافي شوب" سياحي لا يبعد كثيرا عن محيط إقامته في البر "الراقي" من القاهرة، بعيدا عن صخب وحميمية وسط البلد. هذا العام، خرج صاحب "عباس العبد" من عزلته وأصدر ديوان شعر! "العشق السادي" ليس نصوصا جديدة تماما، بل تجميع لقصائد منشورة علي فترات في الصحف، يخبرني أحمد أنه لم يجهّز موضوعا عاما للديوان، لكنها المصادفة التي جعلته يجمع تلك القصائد ومن ثم اكتشف أنها تصلح لكتاب. أما لماذا الآن، ولماذا الشعر؟ يرد: "اخترت للنشر ما انفعلت به، لأن الشعر لدي رافدان: موهبة وأنا لا أستند إليها، فلا أقول أنني شاعر، بل مريض بالشعر، والرافد الثاني هو الإحساس، وأنا أحس الشعر وسعيد به". يري العايدي أن الفن هو الإنسان، وعندما يتوقف عن الكتابة تماما يعني أنه لم يجد ما يكتبه طالما لا يتصل بالبني آدم، لكن رغم الهالة المصطنعة يبدو العايدي شعبيا، علي مدونته نشر قصيدة عن مباراة مصر والجزائر بأم درمان، يقول: "ماكنتش حابب كده، أنا ضد العصبيات، هي حاجة بايخة، لكن المؤكد أني كنت مشحونا باللحظة وخرجت في شعر". يعاند العايدي الرأي القائل بأنه صاحب رواية واحدة، ومن ثم خالي المشروع، يري المقولة مدحا وليس ذما: "أنا عرضة لما امتلكه من مخزون وما أريده، وليس ما يريده الجمهور، أكره الكتابة وفق باترون، دائما ما يتملكني الشك تجاه رغبات القرّاء، الانصياع لها يعني مغازلة الجمهور، وكم هي فكرة منفرة". يضيف: "الكاتب الحقيقي لا يحتاج إلي تأكيد موهبته، وليس مضطرا لأنه ليس في محكمة، التواتر في نشر الأعمال يؤكد التواجد، وهو زائل وضحل، وليس الوجود الدائم، وهذا الأخير ما يهمني، أحلم بالوجود، الذي يكفي لتأكيده ولو قصة قصيرة، أن أؤثر في الناس، طموحي هو التغيير في حالة من يقرأني، أما القارئ السلبي فلا يعنيني". لماذا التوقف إذن؟، يؤكد أن السبب راجع إلي تغير الهدف من الكتابة، وجزء مما حفّزه لإصدار "أن تكون عباس العبد" أن يعرف ويمارس حدود مقدرته علي كتابة رواية، وبعد ذلك انتهت الحاجة: "لم أعد محتاجا أن أعرف كيف أكتب رواية، اعتقد أن الوضع الآن سيكون بمثابة مراهنة علي ذوق الناس المتغير". معني هذا أن القادم سيكون شعرا أيضا؟ يقاطع: "نشرت ديواني عقوبة!، قلت لنفسي هذا هو "آخري" في الشعر، لست ممارسا محترفا، فقط تعلّقت دائما بالقصيدة، بالنسبة لي هي الكلام "اللي بيعلّم". عن الروح الإيمانية في الديوان، وطقوس مناجاة الله، يؤكد العايدي أنه مشدود إلي الشعر الصوفي، والحياة بدون إله بالنسبة إليه تجسيد للمأساة، لكنه لا يعتبر تلك الحالة التي تطعّم القصائد مناجاة لله بالمعني الحرفي، بقدر ما هي أفكار عن الأهواء التي تتنازع الإنسان، أو بمعني آخر الكبد أو المكابدة المذكورة في القرآن: "في ديواني لا أقصد الإيمان كطقوس، بل الإيمان بمعناه الروحي الإنساني البسيط". لسبب تجاري وتبسيطي للمستهلك يتفهّم أحمد ذلك التصنيف الخاص بالكتابة الجديدة، لكن ما يجب الحديث عنه من وجهة نظره هو هل يوجد كتابة من الأساس أم لا يوجد؟، يقول: "الرواية التي أستمتع بها شخصيا ليست حديثة أو قديمة، هي الرواية التي تحفزني علي التوقف عن قراءتها قليلا، إلي أن أكافئ نفسي بفنجان إكسبريسو أو قطعة جاتو من الثلاجة أو ساندوتش جبنة، وأعاود قراءتها من البداية لا مما توقفت عنده، كل من أحببتهم فتحت الثلاجة وأنا أقرأ أعمالهم". c.v مواليد السعودية - الدمام عام 1974 درس التسويق بالجماعة المفتوحة يعمل في الصحافة من خلال قصص الكوميكس المصورة آخرها شخصية "كارع" ينتظر صدور الترجمة الفرنسية من روايته "أن تكون عباس العبد" عن دار أكت سود