الظاهرة التي يعاني منها الجميع سواء في السياسة أو الاقتصاد، في التليفزيون أو غيره هي بالتحديد صعوبة التسويق للحقائق والتي في نفس الوقت سهل جداً تزييفها.. أنا في هذا الشأن لا أدعو للتسويق الجيد لأعمال الحكومة ولا للحزب الوطني وغيرهما لكن أرصد ظاهرة مؤذية أجد أنها بدأت تأخذ طريقها إلي معظم أركان الشعب المصري وهذه الظاهرة تعني بوضوح أن الناس وحتي النخبة لا تتقبل الحقائق بسهولة بل أدمنت التشكيك في كل شيء، هذا المنطق أرجعه إلي الجو أو المناخ السياسي والاجتماعي والظروف التي عاشها الشعب والنخبة زمان كانت الحقائق غائبة والإعلام الموجه رسميا لا ينطق إلا بما يسمح به الحاكم.. في هذه الظروف تساوت الأكاذيب واختلطت مع الحقائق ومع صعوبة كشف الفروق إلا أن الرسالة كانت كاذبة ومع الأسف مؤسفة، الناس استيقظت علي هزيمة 1967 بعد أن كانت الحقائق المنشورة أو بمعني أدق الأكاذيب هي المتاحة أمام الناس وقد صدقوها وتفاعلوا معها ،الغريب أن النخبة السياسية شاركت في نشر الأكاذيب وتسويقها وقادت عملية غرسها داخل وجدان الناس المهم أن الناس استيقظوا علي هزيمة مدوية واحتلال سيناء وتحطيم الجيش ومعنوياته.. الشعب المصري استيقظ علي ضوء الأحداث وأيقن أن ما كان النظام يسعي لتكريسه داخل عقول الناس ما هو إلا أكاذيب، لاحظوا وركزوا كيف نجح النظام وقتها في تسويق أكاذيب وما هي النتيجة.. الآن أشاهد أننا لم نتخلص بعد من هذه القضية فالفارق بين المناخ السياسي زمان والحالي واضح، زمان لم يكن أحد يجرؤ أن يتحدث بحرية أو ينقد أحدا وإلا... الآن كل الأمور والخيارات مطروحة ومن الإنصاف أن كل شخص يمكنه أن يعبر عن رأيه بحرية علي الأقل دون أن يتم سجنه أو اتخاذ إجراءات تأديبية ضده في عمله!! وبرغم تغير الظروف السياسية تماما مازال المجتمع المصري يعيش حالة مقلقة وأعتقد أنها ظاهرة ترجع إلي الخوف الذي عاني منه المصريون في فترة ما، كمثال واضح الشارع السياسي يعاني فراغاً والمعارضة ترصد كل صغيرة وكبيرة لعل وعسي أن تصبح موضوعاً تصنع منه سهما لتسديده إلي جسد الحكومة دون النظر هل هذا الموضوع يستند لحقائق أم لا ،لأن هناك حالة من الفوضي تعم جزءا كبيرا من المعارضة نشأ نوع من التعامل مع الأشياء وهو صعوبة تسويق الحقائق وسهولة تزييفها في قضية تصدير الغاز المصري إلي الخارج وهي قضية واضحة المعالم.. مصر تقوم بتصدير الغاز لعدد من الدول لا دخل للظروف السياسية فيها لكنها صفقات ذات أبعاد اقتصادية شأنها شأن دول مثل روسيا وقطر وإيران والعراق وغيرها. المعارضة وبعض السادة المحتقنين من قطاع البترول سواء الذين رفض القطاع التجديد لهم بعد الستين أو بعضهم ممن رفض القطاع منحهم المناصب الاستشارية في بعض الشركات أو ممن يرفضون احترام قواعد التوظيف التي وضعها البترول لتوفير الشفافية والعدل هؤلاء حاولوا ومازالوا تصوير بيع الغاز المصري علي أنه صفقات سياسية شككوا في كل الحقائق التي يصدرها قطاع البترول بشأن الاكتشافات والمخزون والإنتاج وهكذا يعيش قطاع البترول أزمة ترجع إلي عدم نجاحه في تسويق الحقائق التي يمتلكها أو في حوزته مثل حجم الاستثمارات ونجاح القطاع في جذب 8.9 مليار دولار في مجال أنشطة البحث والاستكشاف ومشروعات الغاز والبتروكيماويات ونجاحه في تنفيذ أعظم مشروعات الغاز وهو خط غاز الصعيد في وقت قياسي وبتنفيذ مصري كامل وبالفعل الغاز وصل إلي 13 ألف منزل بجنوب الوادي كما سيتم حفر 520 بئرا استكشافية و36 بئرا للغاز وتنمية 8 حقول منها ووضعها علي الإنتاج باستثمارات نحو 3 مليارات دولار.. حقائق قطاع البترول والتي أخفق في تسويقها منها اكتشاف البترول في الصعيد أيضا وتشغيل مجمع الميثانول بطاقة 1.3 مليون طن سنويا باستثمارات 950 مليون دولار ومجمع البولي بروبلين ببورسعيد لإنتاج البروبلين بطاقة 400 طن سنويا باستثمارات 1.7 مليار دولار. قطاع البترول فشل في تسويق تشغيل أول مصنع لإنتاج الذهب بمنطقة السكري بالصحراء الشرقية بطاقة إنتاجية 200 ألف أوقية كمرحلة أولي تصل إلي 500 ألف طن وأن الذهب بالفعل يتم إنتاجه حاليا من منجمي حمش والسكري. قطاع البترول أخفق في نشر الشعور بالرضا تجاه ما يتحقق من نجاحات في الصحراء الغربية من اكتشافات بترولية جديدة وأيضاً الشواهد البترولية والغاز في سيناء مما جعل م.سامح فهمي وزير البترول يطلق علي 2010 عام سيناء. مصر كلها علمت أن فوسفات أبوطرطور مأساة وهو أضخم مشروع حقق خسائر للثروة المعدنية لكن جهود وزير البترول وقطاعه بعد انضمام الثروة المعدنية له كانت وراء التخلص من المشاكل والقروض التاريخية وبدأ المشروع يأخذ مساحة من اهتمام قطاع البترول والنتيجة وقف سيل الخسائر وتم حل كل المشاكل الموروثة وبدأ المشروع يأخذ طريقه للنجاح وأصبح العاملون في القطاع يجدون رواتبهم بعد أن كانوا زبائن دائمين علي وزارات أخري.. تقطاع البترول لم يحتفل بهذا النجاح ليس لأنه غير قادر علي إقامة الافراح مثل غيره ولا لنقص الخبرة في هذا الشأن لكنه ظن أن المجتمع يرصد النجاحات والشارع علي علم بها ولكن المثير للجدل أن تلك النجاحات لم تلتفت إليها الأعين وظلت النخبة المحتقنة ضد قطاع البترول والعاملين فيه تلعب بموضوع تصدير الغاز، لجأت للصحافة وحاولت تأجيج الشارع وحدث تضامن بين حزب الاحتقان البترولي وبعض الجهات ولكن في النهاية سقط من يد هؤلاء ورقة تسييس عملية تصدير الغاز وقد وجدت في أوراق السياسات للحزب الوطني ثغرة قد تتيح لها الظهور إعلاميا وهي دراسة شاملة بأن تقوم مصر بدور محوري ومركزي في عملية البترول والغاز والبتروكيماويات.. أوراق السياسات للحزب الوطني تؤكد أن مركز مصر الاستراتيجي وما لديها من بنيه بترولية متنوعة ومكانة سياسية واستقرار واضح وكلها مؤهلات لأن تقوم القاهرة بدور مهم في عملية بيع وشراء وتكرير المواد البترولية المختلفة بما فيها الغاز، حزب المحتقنين بتروليا لم يستسغ سماع الحقائق ولم يلتفت إلي ما جاء بأوراق السياسات ولجنة الطاقة بالحزب من نظرة مستقبلية لمصر في هذا الشأن وتمسك بكلمة حول دراسة إمكانية استيراد الغاز من العراق أو غيره شأنه شأن المواد البترولية الأخري.. حزب المحتقنين بتروليا لم يلتفت لأي موضوع آخر لكنه حاول ومازال تجييش الناس عن طريق لي الحقائق وتزييفها بأن استيراد الغاز يعني أن الغاز المصري في خطر!! وزارة البترول والخبراء وم.سامح فهمي شرحوا مفهوم ما جاء بأوراق لجنة الطاقة بأمانة السياسات وكشفوا أن كلمة الاستيراد هنا تعني المساعدة في تحديد شكل موقع مصر كبورصة في عالم البترول والغاز وأن هذا الاستيراد لا علاقة له بالاحتياطي من الغاز المصري ولا الاكتشافات التي تحدث، المهم أن قطاع البترول وجد صعوبة في تسويق الحقائق والغريب أن حزب المحتقنين بتروليا يقوم بسهولة جداً بتسويق الحقائق المزيفة وهي حقائق معدة سلفاً وبمشاركة مجموعات رسمية وغير رسمية أعترف من خلال متابعتي الدقيقة لقيادات البترول لا تجيد إلا العمل وغير مهتمة إلا بالإنتاج ومشغولة جداً بهموم العامل داخل القطاع، عندما تحدثت إلي سبعة من أكبر قيادات قطاع البترول و الغاز والبتروكيماويات والثروة المعدنية وهم مهندس شامل حمدي وم.عبدالعليم طه وم.محمود لطيف وم.شريف إسماعيل وم.هاني سليمان و.جلوجي مصطفي بحر والمهندس طارق الحديدي خرجت بحقيقة واحدة هي أن كوادر القطاع بالفعل حياتهم كلها محددة في أرقام وإنتاج وتصدير واستيراد وما يشغلهم حقا السباق بين قطاعات البترول علي من منهم يقدم لخزينة مصر مبلغا أكبر. لقد اندهشت عندما قال لي زميل لماذا قطاع البترول؟ هناك قطاعات أخري من الممكن تصدير حالة الإرباك إليها والعوامل متوافرة لديها قلت له: البترول قطاع مستهدف لأنه أولاً يقود قاطرة التنمية الحقيقية والأهم أن أي اضطراب حوله يعني امتداده إلي ل80 مليون مصري ليسوا كلهم تجاراً ولا مستوردين ولا أصحاب مصانع لكنهم يمثلون الشريحة الأكبر فهم الذين يستخدمون الوقود في السيارات والبوتاجاز والغاز في البيوت والمصانع ومنتجات البترول والبتروكيماويات في معظم الصناعات الأخري.. إذا من يريد تسديد ضرية لقطاع البترول هو هنا يسعي لحرق مصر وإثارة الشارع وأعتقد أن أي وطني لا يرضيه ذلك.