اليوم يحتفل محبو يحيي حقي ومقدرو فضله بعيد ميلاده الخامس بعد المائة، فقد ولد في السابع من ينايو سنة 1905، وعبر سنوات عمره الحافل بالعطاء الثري الخصيب، أسهم الكاتب والناقد والمفكر الكبير بجهد بارز في إثراء الثقافة المصرية، فقدم أدبا فريدا ونقدا مرهفا ورؤي فكرية واجتماعية تعبر عن هموم الحياة المصرية ومتغيراتها وتحولاتها. من الذي ينسي روائع حقي: صح النوم، قنديل أم هاشم، أم العواجز، عنتر وجوليت، الفراش الشاغر، دماء وطين؟. قصة البوسطجي من أنضج ما كتب يحيي حقي، وقد تحولت إلي فيلم سينمائي ناجح أخرجه حسين كمال، وتألق فيه شكري سرحان وصلاح منصور، وفي القصة البديعة شهادة بالغة العمق عن ذلك النسيج الوطني المصري الذي لا تمييز فيه بين مسلم ومسيحي، ذلك أن الجميع يخضعون لقيم وتقاليد اجتماعية موروثة، ولا متسع للقول بأن الاختلاف الديني يفضي إلي تباين في السلوك. المعلم سلامة تاجر نحل صعيدي، وعلي الرغم من أنه مسيحي يزهو بزيارات القسيس له، ويأخذ أسرته للكنيسة كل أسبوع، فإنه بتعبير الكاتب الكبير: لا يكاد يفترق في مظهره، في أخلاقه وعاداته، عن بقية المسلمين اللبس واحد، والعمامة فوق رأسه عليها المقدار ذاته من التراب، تتحجب امرأته في الطريق كأهل البلد. كان سلامة مطالبا أن يثأر لشرفه بقتل ابنته الحبيبة إلي قبله، والدافع إلي فعلته هذا اجتماعي لا مهرب منه، فالمسلم والمسيحي في الصعيد، وفي كل وأي مكان آخر يخضعان لمنظومة واحدة من الأخلاق والقيم، وبغض النظر عن طبيعة هذه المنظومة والموافقة عليها أو رفضها فإنها تعبر موضوعيا عن الوحدة الوطنية المتينة العابرة للأديان. اليوم ولد يحيي حقي، ذو الأصول التركية القريبة، الذي عاش عمره عاشقا للوطن ومدافعا عن ثوابته، واليوم يحتفل ملايين المصريين المسيحيين بعيد يشاركهم المصريون المسلمون في الاحتفال به. التحية واجبة للكاتب المبدع الذي أمتع وأنعش القلوب والأرواح، ولأبناء الوطن جميعا مسملين كانوا أم مسيحيين، وطن الخلود الذي لا يعرف الفرقة ولن يعرفها يوما.