من يقرأ الجرائد والمجلات التي صدرت في أواخر عام 2008 ، يجد أن العالم كله كان ساخطاً علي ذلك العام بشكل كبير ، ومستبشراً بعام 2009 بشكل عظيم .. شهد العالم في هذه الأيام أزمة اقتصادية طاحنة في الولاياتالمتحدة ، وسياسات أقل ما توصف بأنها غير عاقلة للرئيس بوش .. وفي الوقت ذاته ، شهد فوز الرئيس أوباما برئاسة الولاياتالمتحدة ، وأصبح شعار حملته الانتخابية هو شعار العالم كله في مواجهة العام الجديد (2009) " نعم ، نستطيع " ، واستبشرت الشعوب كلها بهذا العام الوليد!! ، وكعادة الأيام ، مضي العام وتم توديعه بقصائد ذم وتقريع لم يشهدها عام قبله !! .. واليوم وعلي الرغم من استبشارنا بعام 2010 ، وأمنياتنا فيه بأن تتحقق فيه كل أحلامنا ، أو بعضها إن تعذر الأمر ، فإننا لا نتوقع أن نودع العام بشيء مختلف عما ودعنا به سابقيه من أعوام .. وذلك ببساطة شديدة لأنها عادة البشر منذ أبينا آدم !! كنت أقلب منذ أيام ديوان شاعر النيل حافظ إبراهيم ، ولفت نظري وجود مجموعة من القصائد في تحية العام الجديد ، وقد كانت مناسبة للشعراء في هذه المناسبة أن يذكروا أحداث العام الماضي ، وأمنيات العام المقبل !! وكان الشعراء يتبارون في هذه المناسبة ، ولذلك قيل عن حق إن الشعر ديوان العرب الذي يحفظ تاريخهم وأحداثهم .. في هذا الديوان وجدت قصيدة رائعة في استقبال عام 1909 يقول في مطلعها " أطل علي الأكوان والخلق تنظر .. هلال رآه المسلمون فكبروا .. وبشرهم من وجهه وجبينه .. وغرته والناظرين مبشر .." وفي عام 1910 ، نظم حافظ إبراهيم قصيدة أخري في استقبال العام الجديد وفي ذم العام المنصرم ، يقول فيها للعام الجديد " أشرق علينا بالسعود ولا تكن .. كأخيك مشئوم المنازل أخرقا.. لو كنت أعلم ما يخبئه لنا ... لسألت ربي ضارعاً أن يمحقا ... " .. نفس الكلام الذي نقوله الآن بعد مضي مائة عام بالتمام والكمال علي قصيدة حافظ إبراهيم .. ويبدو أن الإمام علي ، كرم الله وجهه ، كان أعلم بطباع الأيام ، وبتقلبات الزمن ، وبالطبيعة البشرية التي تستبشر دائماً بما هو قادم ، وتذم ، لفترة ، ما مضي ، ثم تحن إليه بعد فترة ، كان الإمام علي يكرر دائماً قول الشاعر " رب يوم بكيت منه فلما .. صرت في غيره بكيت عليه " .. إنه الحنين الدائم إلي الماضي ، واستشعار جلاله وعظمته . وفي اللغة الدارجة احساس بقيمة الزمن الماضي ، وبالحنين الدائم إليه ، ولذا نكرر دائماً بمناسبة وبدون مناسبة " الله يرحم أيام زمان " ، حتي ولو كانت هذه الأيام حينها سواداً حالكاً .. إنها طبيعة البشر يا سادة ، أن نستبشر قليلاً بما هو قادم ، وأن نلعن العام قليلاً بعد رحيله ، وأن نحن إليه دائماً بعد ذلك .. هل نترحم مستقبلاً علي عام 2009 ؟ لا أتمني ذلك ، ولكنها طبيعة البشر!!