«التخطيط» تعقد ورشة حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان للعاملين بالوزارة    التنظيم والإدارة يوضح حقيقة عدم توفير اعتمادات مالية ل3 آلاف إمام بالأوقاف    وزير الرى يلتقى أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية    رئيس الوزراء وسط ركاب مترو الخط الثالث.. و«الوزير»: «الرابع» يشمل 39 محطة    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    خالد حنفي: علينا إطلاق طاقات إبداع الشباب والاهتمام بريادة الأعمال والابتكار    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    خلال لقاء نظيره اليوناني.. شكري: حرب غزة أبشع أزمات التاريخ المعاصر    أزمة بين إسبانيا والأرجنتين بعد تصريحات لميلي ضد سانشيز    انطلاق مباراة زد والاتحاد السكندري بالدوري    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    بعد التحقيقات.. الأهلي بطلا لدوري الجمهورية 2003    ضبط المتهمين بقتل شاب في مدينة المستقبل بالإسماعيلية    8 مصابين فى حادث تصادم "ميكروباص" وربع نقل بأسوان    بيروت ودبي.. تفاصيل حفلات عمرو دياب في شهر يونيو    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    إعلان نتائج مسابقة جوائز الصحافة المصرية عن عامي 2022-2023    حصريًا على dmc.. موعد عرض مسلسل "الوصفة السحرية"    يعالج فقر الدم وارتفاع الكوليسترول.. طعام يقي من السرطان وأمراض القلب    إجراء 19 عملية زراعة قوقعة للأطفال بسوهاج    هل يوجد مشروب سحري لزيادة التركيز يمكن تناوله قبل الامتحان؟.. استشاري يوضح    هيئة الدواء تشارك باجتماع منظمة الصحة العالمية حول استخدام المضادات الحيوية    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    إلهام شاهين تحيي ذكرى سمير غانم: «أجمل فنان اشتغلت معه»    إيرادات الأفلام تواصل التراجع.. 1.2 مليون جنيه في يوم واحد    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    ڤودافون مصر توقع اتفاقية تعاون مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لدعم الأمن السيبراني    بعد طائرة الرئيس الإيراني.. هل تحققت جميع تنبؤات العرافة اللبنانية ليلى عبد اللطيف؟‬    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    وزيرة الهجرة: الحضارة المصرية علمت العالم كل ما هو إنساني ومتحضر    شيخ الأزهر يبحث تعزيز الدعم العلمي لأبناء بوروندي    مناورة بترولية بالعلمين بالتزامن مع حفر أول بئر بالمياه العميقة غرب المتوسط    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    العثور على طفل حديث الولادة بالعاشر من رمضان    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    كواليس جلسة معارضة المتسبب فى وفاة الفنان أشرف عبد الغفور    افتتاح دورة إعداد الدعاة والقيادات الدينية لتناول القضايا السكانية والصحية بمطروح    الليجا الإسبانية: مباريات الجولة الأخيرة لن تقام في توقيت واحد    الرئيس الجزائري: فقدت بوفاة الرئيس الإيراني أخا وشريكا    نائب جامعة أسيوط التكنولوجية يستعرض برامج الجامعة أمام تعليم النواب    بروتوكول تعاون بين التأمين الصحي الشامل وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لتطوير البحث العلمي فى اقتصادات الصحة    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    ضبط 20 طن أسمدة زراعية مجهولة المصدر في البحيرة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    بدأت بسبب مؤتمر صحفي واستمرت إلى ملف الأسرى.. أبرز الخلافات بين جانتس ونتنياهو؟    مجلس الوزراء الإيراني يعقد جلسة طارئة في أعقاب تحطم طائرة الرئيس    معين الشعباني: تسديداتنا أمام الزمالك لم تكن خطيرة.. ولاعب الأبيض قدم مباراة رائعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا التي لا تتخلي عن الهيمنة
نشر في نهضة مصر يوم 31 - 01 - 2010

من بين تساؤلات عديدة تمخض عنها الجدل الحامي الوطيس، الذي تشهده الأوساط السياسية والدوائر الإعلامية الأمريكية هذه الأيام حول تقويم أداء الرئيس باراك أوباما وإنجازاته علي الصعيدين الداخلي والخارجي قياسا إلي وعوده التي سبق وأن قطعها علي نفسه إبان حملته الإنتخابية قبل ما يربو علي عام مضي وما يستتبعه ذلك كله من تأثيرعلي شعبيته، يطل برأسه التساؤل بشأن مصير الهيمنة الأمريكية علي عالم ما بعد الحرب الباردة في ظل إدارة ذلك الرئيس الديمقراطي، علي الأقل خلال السنوات المتبقية من ولايته الأولي.
فلقد فتح فوز الفتي الأسود ذي الجذور الأفريقية المسلمة باراك حسين أوباما برئاسة الولايات المتحدة وصراعه مع نفسه أولا ثم خصومه ومنافسيه ثانيا من أجل تحقيق إنجازات ملفتة في أشد قضايا وملفات السياستين الداخلية والخارجية لبلاده صعوبة، باب الجدل علي مصراعيه بين المفكرين والخبراء بشأن التأثير المحتمل لهذا الفوز وتلك الإنجازات علي مستقبل الهيمنة الأمريكية في عالم لا يزال إلي كونه أحادي القطبية أقرب. فثمة من ذهب إلي الادعاء بأن هذا الفوز يدشن مرحلة أفول تلك الهيمنة، حتي أن مفكرا أمريكيا من أصل ياباني بوزن فرانسيس فوكوياما لم يتورع عن الإعلان عن أنه ساند أوباما في حملته الإنتخابية الرئاسية وابتهج بفوزه كونه الزعيم الأقدر علي إدارة حقبة أفول أو غروب الهيمنة الأمريكية بإقتدار وبأقل خسائر ممكنة لأمريكا والعالم. وفي ذات السياق، سطر الكاتب الأمريكي الهندي فريد زكريا سلسلة من المقالات في مجلة "النيوزويك" الأمريكية عقب فوز أوباما أشارت في مضمونها إلي أن الرئيس الجديد هو الرجل الأقدر علي الاستجابة لعصر الأفول الأمريكي.
وإلي غير هذا المنحي ذهب نفر آخر من المفكرين الأمريكيين. فمن جانبه، إرتأي روبرت كاجان في مقال نشره بجريدة واشنطن بوست الأمريكية عقب الإعلان عن فوز أوباما، أن أمريكا ستظل رائدة ومهيمنة ما بقيت راغبة في ذلك ومؤمنة بقدرتها علي الاستمرار فيه، وما برحت قياداتها وشعبها محتفظين بقوة عزيمتهم في هذا المضمار. واعتبر كاجان أن الآراء التي تذهب إلي اعتبار أن فوز أوباما يؤرخ لبداية الأفول الأمريكي إنما تفتقد للأسس والحجج العلمية الموضوعية، فلا أوباما اعتبر نفسه يوما ما كذلك ولا برنامجه الانتخابي حوي إشارات تشي بذلك، بل علي العكس كان الرجل متفائلا حريصا علي تعزيز مكانة أمريكا ودورها علي الساحة العالمية ومصالحة الأمريكيين مع أنفسهم ومع العالم أجمع توطئة لإعادة الفعالية لقوة أمريكا الناعمة، التي هي إحدي الركائز المهمة لريادتها وهيمنتها، وهو ما كان سببا مباشرا من أسباب تفوقه علي منافسه الجمهوري جون ماكين.
ويعتقد كاجان أن مثل هذه الطروحات "الأفولية" ليست بالأمر المستحدث علي المجتمع الأمريكي، فهي عادة ما تتكرر علي رأس كل عقد من الزمن أو نحو ذلك، ففي أواخر عقد السبعينيات من القرن الماضي علي سبيل المثال، سقطت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية أسيرة لادعاء تشاؤمي فيما يخص مستقبل القوة الأمريكية العالمية أطلق عليه وزير الخارجية الأمريكية في حينها سايروس فانس، "حدود القوة الأمريكية". وفي أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات من ذات القرن، تنبأ بول كينيدي بالسقوط الوشيك للقوة الأمريكية نتيجة لما أسماه "التمدد المفرط" لتلك القوة وعدم تناسب قدراتها الاقتصادية مع تطلعاتها الإستراتيجية.وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي أيضا، حذر المنظر الأمريكي الراحل صموئيل هنتنجتون مما نعته "العزلة الأمريكية". واليوم، يروج البعض لما يسمي "العالم ما بعد أمريكي"، أو حقبة "الأفول الأمريكي".
وفي مسعي منه لتفنيد تلك الطروحات "الأفولية" من قبل من أسماهم "الأفوليين" إعتبر كاجان أن جميعها كانت أضغاث أفكار إذ لم يتحقق أي منها حتي الآن فقد كانت نتاجا لظروف دولية ومحلية قلقة، كما يعتقد أن مروجي تلك الطروحات قد تناسوا أن جل الركائز الحقيقية والموضوعية للريادة والهيمنة لا تزال بحوزة الولايات المتحدة ويمكن للرئيس الجديد أن يتخذ منها قاعدة للانطلاق نحو آفاق أرحب لتلك الهيمنة وهذه الريادة مستقبلا، وإن أتيحت لبعض القوي الإقليمية أو الدولية بعض مظاهر التميز أو الريادة الشكلية غير الموضوعية في مجالات بعينها كالسياحة أو الترفيه علي سبيل المثال. فاقتصاديا، لا تزال حصة الولايات المتحدة من الاقتصاد العالمي تبلغ 21% حاليا، وهي نسبة لا تقل كثيرا عما كان الوضع عليه في تسعينيات القرن الماضي حيث كانت تلك النسبة تبلغ 23%، كما كانت في الثمانينيات 22%، وفي الستينيات 24%.
أما بخصوص الأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي حاليا، فيري كاجان أن أمريكا ليست بدعا من دول العالم في هذا الخصوص فغالبية الاقتصادات الكبري تعاني هي الأخري من تلك الأزمة، التي سبق وأن دهمت الاقتصاد الأمريكي غير مرة في حقب زمنية مختلفة، بيد أنه نجح في تجاوزها مثلما هو الآن قادر علي ذلك بفضل تدخل الدولة وعبقرية التخطيط الاقتصادي الأمريكي ومرونة صناع القرار في هذا البلد الذين يسارعون في وضع الخيارات والحلول الكفيلة بتجاوز الأزمة في أسرع وقت وبأقل خسائر ممكنة.ومن ثم يظل الاقتصاد الأمريكي هو الأقدر عالميا علي تجاوز الأزمة والعودة إلي صدارة إقتصادات العالم مجددا.
وعلي الصعيد العسكري، تبقي القوة العسكرية الأمريكية غير قابلة للمنافسة من جانب أية قوة عالمية أخري، وفيما يعترف كاجان بأن القوات المسلحة لكل من روسيا والصين تنموان بمعدلات متسارعة خلال السنوات القليلة الماضية، فإنه يؤكد أن معدل نمو القوة الأمريكية هي الأخري يتنامي بشكل أعلي وأسرع كما تتفوق الولايات المتحدة علي ما سواها فيما يتصل بالتطور العسكري التقني والأسلحة الذكية. وفي حين يقر بأن كلاً من روسيا والصين قد نجحتا إلي حد كبير في الاحتفاظ بفارق كبير في القوة العسكرية بينهما وبين جيرانهم وعدد لا بأس به من القوي الإقليمية والدولية، يعود كاجان فيؤكد أن الأمر مختلف مقارنة بالولايات المتحدة، التي تظل الأقوي والأكثر تفوقا علي طول المدي، وإن تقاعس بعض حلفائها عن تعزيز وتطوير منظوماتهم الدفاعية علي نحو منهجي مقارنة بروسيا والصين، اعتمادا من أولئك الحلفاء علي المظلة الدفاعية الأمريكية استنادا إلي مبدأ الراكب المجاني أو Free Rider .
وبموازاة ذلك، يوقن كاجان بقابلية التشوهات التي طالت صورة أمريكا عالميا بجريرة السياسات المتخبطة لإدارة بوش السابقة، للمعالجة بل والتبدل إلي الأفضل، ذلك أن الآثار العلمية لتلك التشوهات تبقي ضبابية وصعبة الرصد، فليست صورة أمريكا هذه الأيام بأسوأ كثيرا من تلك التي بدت عليها إبان حقب زمنية سابقة، حيث لحقت بها تشوهات هائلة علي خلفية أخطاء وخطايا كبري طالت سياساتها في الداخل والخارج خلال سني الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي بدءا من عملية خليج الخنازير الفاشلة في كوبا عام 1961، مرورا بحرب فيتنام ومذبحة ماي لاي، ثم احتجاجات السود العنيفة التي اندلعت عام 1965 في لوس أنجلوس بسبب وحشية قوات الشرطة الأمريكية في التعامل مع أبناء الجالية السوداء، وكذا اغتيال جون كينيدي ومارتن لوثر كينج وروبرت كينيدي ثم فضيحة ووترجيت.
ويراهن كاجان علي قدرة الرئيس أوباماعلي تفهم ذلك جيدا وإدراك مدي ضرورة إنعاش ركائز القوة اللازمة لاستعادة الريادة والهيمنة الأمريكيتين، والعبور بالأمريكيين ذلك النفق المظلم من توتر علاقات بلادهم مع دول كثيرة وتشوه صورتها في نظر شعوب عديدة، شريطة ألا يصغي هذا الرئيس الجديد لآراء المحللين والمفكرين ذوي النظرة الأفولية بشأن مستقبل مكانة أمريكا ودورها العالميين، حيث يعتبر كاجان أن الطريق إلي تجاوز أمريكا لمحنتها الحالية ونجاحها في الاحتفاظ بريادتها للعالم وهيمنتها عليه يبدأ من إيمان الأمريكيين، قيادة وشعبا، بأهمية الهيمنة وضرورتها لذلك البلد، ويقينهم بأن التداعيات السلبية لسياسات بوش الابن الرعناء لا يمكن أن تنال من مكانة أمريكا وهيمنتها، وثقتهم في إمكانات أمريكا وقدراتها الذاتية علي تصحيح الأخطاء وتعديل المسار بما يضمن تعزيز الريادة والهيمنة.وفي هذا السياق، لا يتورع كاجان عن مناشدة الأمريكيين جميعا من أجل رفض الآراء الانهزامية التي تزعم أن هيمنة أمريكا علي العالم وريادتها له بسبيلهما إلي الأفول التدريجي، داعيا إياهم إلي تجديد الثقة في قدرات بلادهم غير المحدودة والوقوف خلف قيادتهم الجديدة ودعم طموحاتها وتطلعاتها للحفاظ علي تلك الريادة وهذه الهيمنة، بل وشد أزرها وإعادتها إلي جادة الصواب، إذا ما جنحت يوما ما وتحت أية ضغوط داخلية أو خارجية، بإتجاه الإذعان لتلك الطروحات الأفولية المتشائمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.