الإسماعيلية تطلق برنامجا تدريبيا مستوحى من التجربة السنغافورية في التعليم (صور)    نشاط مكثف لتحالف الأحزاب في انتخابات الشيوخ 2025    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    مدبولي يستعرض نماذج استجابات منظومة الشكاوى الحكومية في قطاعات مختلفة    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    بعد عودته لساعات، انقطاع التيار الكهربائي عن بعض مدن الجيزة    سعر اليورو اليوم الإثنين 28 يوليو 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    28 يوليو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    شركة عجيبة للبترول: وضع بئر Arcadia-28 على الإنتاج بمعدل 4100 برميل مكافئ يوميا    استشهاد 41 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال منذ فجر اليوم    رئيس الوزراء البريطاني سيحث ترامب على الضغط على إسرائيل لوقف الحرب فى غزة    رئيس وزراء ماليزيا يأمل فى نجاح مباحثات وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا في بلاده    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    الشرطة الألمانية: انهيار أرضي يُحتمل أن يكون السبب في حادث القطار المميت    رئيس وزراء السودان يصدر قرارا بتعيين 5 وزراء جدد    أرينا سابالينكا تواصل صدارة تصنيف لاعبات التنس    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    المصري يستنكر بشدة ما حدث من تجاوزات في مباراة الترجي الودية    الشحات: لن أرحل عن الأهلي إلا بقرار من النادي    الصفاقسي: معلول سيتولى منصبا إداريا في النادي بعد الاعتزال وهذا موقف المثلوثي    رومانو: دياز يصل اليوم إلى ميونيخ للانضمام إلى بايرن    الحبس سنة لبلوجر متهم بنشر محتوى خادش للحياء    طقس اليوم بمطروح والساحل الشمالى.. حار رطب ونشاط الرياح وارتفاع الأمواج    جامعة جنوب الوادي تستعد لاستقبال طلاب المرحلة الأولى بمعامل التنسيق الإلكتروني    الداخلية تحكم قبضتها على المنافذ..ضبط مئات القضايا خلال 24 ساعة    تفاصيل بوستر مهرجان الغردقة لسينما الشباب    دفن زياد الرحبانى في مدفن حديقة منزل فيروز    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    أمين الفتوى: الصلاة بالبنطلون أو "الفانلة الداخلية" صحيحة بشرط ستر العورة    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    الصحة تحقق في وفاة شابة داخل مستشفى خاص    الصحة العالمية : مصر أول بلد بالعالم يحقق المستوى الذهبي للتخلص من فيروس C    الإطار التنسيقي الشيعي يدين هجوم الحشد الشعبي على مبنى حكومي ببغداد    رسمياً.. بدء تقديم تظلمات الثانوية الأزهرية 2025 «موعد انتهاء التقديم والرسوم»    الاتحاد الأوروبي يقر تيسيرات جديدة على صادرات البطاطس المصرية    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    محافظ القليوبية يجري جولة مفاجئة بمدينة الخانكة ويوجّه بتطوير شارع الجمهورية    السيسي يحتفل بدخول شاحنات "هزيلة " بعد شهور من التجويع… وإعلامه يرقص على أنقاض مجاعة غزة    هدي المفتي تكشف علاقتها ب ويجز لأول مرة: "مش مقربين"    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    طرائف الانتقالات الصيفية.. الزمالك وبيراميدز كشفا عن صفقتين بالخطأ (صور)    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    بالصور.. اصطدام قطار بجرار أثناء عبوره شريط السكة الحديد بالبحيرة    طعنة غدر.. حبس عاطلين بتهمة الاعتداء على صديقهما بالقليوبية    بعد تهشم إصبعه.. جراحة معقدة تنقذ يد مصاب بمستشفى ههيا في الشرقية    وائل جسار ل فضل شاكر: سلم نفسك للقضاء وهتاخد براءة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 28 يوليو    «مكنتش بتاعتها».. بسمة بوسيل تفجر مفاجأة بشأن أغنية «مشاعر» ل شيرين عبدالوهاب.. ما القصة؟    تنسيق الثانوية العامة 2025 بالقاهرة.. درجة القبول والشروط لطلاب الانتظام والخدمات    منها «الاتجار في المخدرات».. ما هي اتهامات «أيمن صبري» بعد وفاته داخل محبسه ب بلقاس في الدقهلية؟    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    أم وابنها يهزمان الزمن ويصنعان معجزة فى الثانوية العامة.. الأم تحصل على 89% والابن 86%.. محمد: ليست فقط أمى بل زميلتي بالدراسة.. والأم: التعليم لا يعرف عمرا وحلمنا ندرس صيدلة.. ونائب محافظ سوهاج يكرمهما.. فيديو    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    بعد توقف 11 عاما.. رئيس حقوق الإنسان بالنواب يُشارك في تشغيل مستشفي دار السلام    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصادفات الزمن.. والنفخة "الكذابة"
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 30 - 12 - 2009

يتابع هيكل نصوصه التي يدّعي انه اعتمد فيها علي وثائق، قائلا : "الملك عبد العزيز أبناؤه الكبار اشتكوا أنه والله الملك بيغدق علي أبنائه من الزوجات القدامي.. علي أبنائه من زوجاته الجدد.. المحظيات الجدد بأكثر مما بيدي القدامي وحصل تقريبا أن الملك حس أو سمع الملك عبد العزيز أن أبناءه الكبار الأربعة وهمَّا أمير سعود اللي بقي ملك بعد كده والأمير فيصل اللي بقي ملك بعد كده والأمير محمد ما كانش عنده فرصة يبقي ملك والأمير خالد اللي بقي ملك بعد كده، الثلاثة سمع أنهم مش مبسوطين شوية من حاجات فكتب لهم جواب.. من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلي الأبناء سعود وفيصل ومحمد وخالد بعد ذلك من طرف أربعة الأمور التي سأذكرها لكم أدناه وهي، أولا أن تكونوا يدا واحدة فيما بينكم..
بسيطة دي لكن بقي الأهم، ثانيا أن كل شيء آمر فيه تنفذونها ولا تعترضونها أو تعارضوا من وكلت إليه أمرها، ثالثا كل ما سألتكم عنه أو لزم رفعه إليه تصدقوني فيه بأي حال من الأحوال، رابعاً ألا تعترضوا أمور ماليتي لا قريبها ولا بعيدها في قليل ولا كثير، هذه الأمور الأربعة افهموها واحرصوا علي تنفيذها بتنفيذ موجبها وكل شيء يصير منكم مخالفا لشيء منها اجزموا أنه سيكون سببا لسخطي عليكم يكون معلوما لكم، ختم عبد العزيز، كتبوا له الأربعة تحتها أو بعثوا له رد، بسم الله الرحمن الرحيم أدام الله وجودكم، بعد لثم أياديكم الشريفة كل ما ذكره جلالتكم أعلاه عن الأربعة أمور فهمها مملوكينكم.. المملوكين بتوعه.. وإن شاء الله نعمل حسب ما بها وترون ما يسركم ويرضيكم بحمد الله وقوته مملوككم سعود، مملوككم فيصل، مملوككم محمد، مملوككم خالد،".
لا أريد أن أعلق علي موضوع خاص بين الملك عبد العزيز وأبنائه حتي أن كان فعلا قد حصل، إذ إن ما حققه الرجل وابناؤه من بعده أكبر بكثير جداً من وقفة لا معني لها أبدا من قبل هيكل وهو معروف هدفه مسبقا، وسواء حصل هذا أم لم يحصل، فما تأثيره يا هيكل علي مصير المنطقة وعلي تاريخ عبد العزيز آل السعود الذي عرفنا سيرته منذ عهد بعيد، وأنه قد نجح في تكوين دولة وبمساعدة البريطانيين في المنطقة، وأنه وحّد أقاليم عدة في الجزيرة العربية وقد عاشت كل هذا العمر الطويل، وإذا كان هذا كما تدّعي، فإن أبناء الملك عبد العزيز أثبتوا جميعهم أنهم حماة لهذا الكيان الذي أسسه أبوهم، وكان لبعضهم دوره المؤثر في حياة المنطقة ابان القرن العشرين ونجحوا حتي يومنا هذا في إبقاء مملكتهم لها كلمتها، خصوصا بعد أن غدت من أهم الدول المصدرة للبترول في العالم.
أي وثائق؟؟ أي أسرار؟؟
ويبقي هيكل يتكلم قائلا: "إحنا ما فيش سر في الوثائق.. الوثائق غريبة قوي أن الوثائق حتي فيه وثيقة غريبة قوي موجودة فيهم.. فيهم.. فيه وثيقة من أولي زوجات الملك.. الملك عبدالعزيز أنا ما عرفش اتجوز قد إيه لكن هنا فيه القنصل.. كان فيه قنصل مهم جدا قعد في إنجلترا ودي جواباته.. مجموعة جواباته مش مذكرات ولا حاجة.. دي مجموعة جواباته لعائلته ده سير لايدر بولارد كتب.. كان بيكتب جوابات لعائلته لكن هو هنا كان بيقدر بشكل آخر في واحد من الجوابات كان بيقدر أنه الملك عبدالعزيز في حسابه هو مائة وخمسين واحدة مش مشكلة يعني لكن دي عملت مشاكل كبيرة قوي لكن هانتكلم فيها برضه ثاني، بمعني أنه حتي الوثائق الشخصية للملوك كلهم موجودة ومتاحة وما فيش فيها سر وبعدين الملك عبدالعزيز مثلا في العلاقات مع الإنجليز الملك عبد العزيز هنا ومجموعة الوثائق كلها مليانة.. ده أربعة أجزاء أنا جايب معي جزء واحد بس لكن.. ومع الملك مع شريف حسين الملك عبدالعزيز وشريف حسين الاثنين بيأخذوا بيطلبوا.. الملك فؤاد ما كانش بيطلب معونات مالية عنده دولة كبيرة وما عندهوش مشكلة معونات مالية لكن الملك عبدالعزيز من الأول خالص كانت طلباته وهي طلب الفلوس كل شوية بيطلب ذهب عايز مائة ألف روبية عايز سلاح وبعدين في الآخر بتقول له بيجي له جواب رسمي يقول له ليكن معلوما لديكم أنكم منذ الآن تحت حماية حكومة الهند طبعا، حكومة الهند البريطانية، إحنا الملك.. شريف حسين كميات طلباته من الفلوس والسلاح لا تنتهي، الملك عبدالعزيز بتروح له الفلوس داخل سحارات ويتكلموا عن السحارة الكلام كله عن السحارة دي وصلت لي من المركب واتأخرت والسحارة اللي فيها ذهب والذهب ده له مصدر أرجو أن دي تبقي في الذاكرة لأنه هارجع لها فيما بعد في حلقة قادمة كمية الذهب اللي بتتصرف واللي بتتطلب والحاجات دي كلها كمية مهولة، فيه فاضل حاجة مهمة جدا نتكلم فيها علي علاقته مع القوي الحامية وماذا أخذت منه هذه القوي الحامية وماذا أعطت له،" (انتهي النص).
دعني أتحدث عن ريدر بولارد وكأنك تريد أن تفهم الناس بأنك قد اكتشفت كنزا من المعلومات الخطيرة، وهي مجرد اختلاقات ربما لا أساس لها من الصحة، وحتي إن كان ريدر (وليس كما ذكرته لايدر بولايد) قد كتبها أو سجلها في رسائله، والرسائل الشخصية يا هيكل ليست بوثائق رسمية، فهي تحتوي علي الغث والسمين وهي عرضة للانفعالات والأمزجة ولا يمكن الاعتماد عليها أبداً في تقييم التاريخ وإطلاق الاحكام. ولما كنت عاجزاً عن التعريف بريدر بولايد، فإنني سأتكلم عنه باختزال كي نعّرف القارئ بأن الرجل له تاريخ طويل في كل من الحجاز والسعودية، وعمل لسنوات طوال فيهما.
بولارد هو الوزير البريطاني المفوض في جدة
لقد قام السير أندرو ريان بهذه الرحلة الطويلة والشاقة في نهاية عام 1935، حاملا معه قبعة مزينة بالريش وعباءة مزركشة والشارات الأخري التي يلبسها ويحملها من يحصل علي وسام الشرف الإنجليزي المعروف باسم كيه. سي. بي. الذي قررت الحكومة البريطانية أن تمنحه لعبدالعزيز. وقد خلّف عبدالعزيز انطباعا حسنا علي ريان ومرافقه، كابتن جيرالد دي غوري، المعتمد البريطاني الجديد في الكويت.
لقد كان دي غوري، علي نقيض ريان، خبيرا في اللغة العربية وكان رومانتيكيا. وألف كتابا مشهودا عن رحتله أسماه ((أريبيا فينكس))، وعلي غرار تشارلزر كرين في بيت عائلة نصيف، افتُتن بصوت مقرئي القرآن الكريم الذين اعتادوا الجلوس في ممرات وشرفات قصر الملك عبدالعزيز في المساء. ((إنهم يجلسون في ظل المداخل المقنطرة، علي مسافة قريبة من مكان جلوس الملك حتي تصله أصواتهم ناعمة كنغمات أرغن بعيد)). وبعد العشاء ((أخرج الملك من جيبه الداخلي زجاجة عطر صغيرة وأزاح سدادتها الزجاجية الطويلة ورش العطر علي راحات أيدينا.
ثم جاء محرقو البخور لبعث الدخان من المبخرات.. وراحوا يسيرون إلي الأمام وإلي الوراء، عائدين إلي كل منا ثلاث مرات، ثم جاء أولاد ورشوا علينا ماء الورد من قارورات فضية طويلة)). لقد أفصح الملك عبد العزيز عن هذا الاعتداد بالنفس ذاته للسير ريدر بولارد عندما زاره في الرياض في السنة التالية. ويبدو أن الملك لم يقدّر مدي مَيل الدبلوماسيين البريطانيين لنشر مذكراتهم. لقد خلف بولارد ريان في منصب الوزير المفوض وأتاح له هذا مشاهدة بلاد العرب لأول مرة منذ الفترة التي كان قد قضاها كنائب قنصل لدي حكومة الحجاز الهاشمية في مطلع العشرينيات. وقد أدهشه أكثر ما أدهشه النظام الذي أصبح الآن يعم البلاد في حين أنه لم يكن من المأمون في عهد الشريف حسين بن علي الابتعاد عن أسوار مدينة جدة.
لقد أعجب بولارد بما فعله الملك عبدالعزيز من أجل بلاد العرب. وأعجب أيضا بنظام الكتبة والمترجمين الذين كانوا يدونون كل يوم نشرات أخبار محطات الإذاعة الأوروبية ويقرءونها علي الملك نفسه بعد صلاة العشاء. وقال السير بولارد: إن الملك كان مطلعا علي الشئون الدولية أكثر من العديد من الأوروبيين المثقفين)). إلا أن بولارد لم يعجب بقصر المربع الجديد الذي كان الملك عبدالعزيز يبنيه خارج أسوار المدينة، ملاحظاً أن الملك كان أنجح كرجل دولة منه كمهندس معماري. انزعج بولارد من علامات الترف بين الأمراء الصغار ولكنه شعر بأن أحدا لا يستطيع أن يتهم الملك عبدالعزيز بالتبذير: ((كان أحد ملامح عشاء الملك كأسا بنفسجي اللون مطليا بالميناء، يحمله خادم مسلح جاهزاً ليشرب منه الملك حليب النوق)). تضمنت مهمة السير بولارد الإعداد لرحلة لم يسبق لها مثيل: رحلة استكشافية عبر الجزيرة اعتزمت الأميرة آليس، حفيدة الملكة فكتوريا وابنة عم الملك جورج السادس الذي كان قد توّج منذ عهد قريب، القيام بها في ربيع عام 1938. وستكون هذه أول مرة يزور فيها فرد من عائلة مالكة أوروبية بلاد العرب، والمرة الأولي التي يستقبل فيها الملك عبدالعزيز امرأة جهاراً.
لقد آليت أن أسجل هذه الأفكار مباشرة من دون لف ولا دوران لنعرف ما الذي يحمله السير بولارد حقيقة إزاء الملك عبدالعزيز.. وعليه، فإن أسلوب هيكل في إلصاق التهم باسم الوثائق خاطئ ولا يمكن التعويل عليه أبداً.
بريطانيا والخلافة: سوء التفسير
يتابع هيكل اقواله وهو يدين كلا من الحكومة البريطانية والمسئولين العرب الذين تعاملوا معها: "أنا في هذه اللحظة معي جايب معي عدد قليل جدا من صور وثائق، أنا هاسيب علي جنب خالص ماذا في هذه الفترة وهؤلاء الأمراء يسعوا إلي رضي بريطانيا ويسعوا إلي أنها تثبتهم في مماليكهم.. كل واحد منهم يسعي إلي أنه الحكومة البريطانية لا تعترض مسعاه للخلافة والحكومة البريطانية رافضة كل مسعي للخلافة مش علشان حاجة ثانية رافضة لكل مسعي لسببين، السبب الأول أنها لا تريد أن تعطي لأحد منهم قيمة تتعدي حدوده لأنه مطلوب أن كل واحد منهم يلزم حدوده ولا يخرج منها والقيمة الثانية أنها لا تريد حاجة موحدة لا تحت فكرة عروبة ولا تحت فكرة إسلام،".
من الصعب جدا علي هيكل واضرابه فهم العقلية الغربية، بل من الصعب جدا عليهم فهم طبيعة العلاقة التي تربط بين الدول.. ومن الصعوبة جداً عليهم فهم مسارات التاريخ ومعرفة ما الذي يفرضه الأقوياء علي الضعفاء ومن الاصعب عليهم ادراك ما لا يمكن للضعفاء تحقيقه إزاء الأقوياء ومدي حاجة الضعفاء الي الاقوياء. أنهم يتكلمون بنفخة كاذبة وكأنهم لا يمتلكون تاريخا هزيلا لمجتمعات متناثرة ومنقسمة حكمها المماليك والغرباء لمئات السنين! إنهم لا يدركون فهم طبيعة مجتمعاتنا وقد خرجت تواً من رحم تاريخ مليء بالبشاعات وانها بحاجة الي ما يمكن تداركه من الآخرين! إنهم لا يدركون أن العرب لم يشكلوا علي امتداد القرون الاربعة أو الخمسة الأخيرة أي كيانات سياسية قوية يمكنها ان تقف لتعلن عن شخصيتها الدولية في العالم!
إنهم لا يدركون أن من مصادفات التاريخ ان حظي العرب في القرن العشرين برجال بناة نجحوا من خلال جهود استثنائية أن يكونوا للعرب دولا ذات مؤسسات واجهزة مهما كانت هزيلة وبصراحة لولا الانجليز والفرنسيين لما استطاع العرب أن ينجحوا في بناء تلك المؤسسات العسكرية والمدنية والقضائية والاقتصادية والثقافية.. كم أتمني علي هيكل وعشرات بل مئات من أمثاله أن يكون لديهم إدراك متبادل بين الواقع والماضي ليدركوا قيمة ما انجز في القرنين التاسع عشر والعشرين. كم اتمني أن يقرأ هيكل وجماعاته كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون من الجيل النهضوي ليروا ما الذي كان عليه العرب في العصر الحديث.. وسواء أعطي الغربيون قيمة لزعمائنا أم لم يعطوهم .. وسواء أعطاك الغربيون قيمة لك أم لم يعطوك.. فكل العرب دولا وزعماء ومجتمعات بحاجة إلي الغربيين في كل جوانب تكوين الحياة المعاصرة. وإذا كنت تنتقد يا هيكل الغرب لأنه صنع بعض الزعماء، فانني اتحداك ان تأتي لي باسماء اخري لم يصنعها الغربيون حسب وصفك - إذ إنني أقول إن الغربيين لو لم يجدوا من هو اقدر علي تحمّل المسئولية لما قبلوه.
إن الوطنية كمسألة معنوية هي نسبية من إنسان لآخر ومن مجتمع إلي آخر.. فلا يمكن أن تتهم غيرك وتطعن في وطنيته، في حين انه قدّم ما يستطيع أن يقدمه أي وطني إلي وطنه. وإذا كانت عقدتك من زعماء معينين، فالأحري أن تبحث عن مواطن القوة والضعف في أي واحد منهم ، وكم له من قيمة في داخل منظومات شعبه.. إذ لا يمكن ابدا ان تشعر بأنك صاحب قيمة إلا من قبل من يعجب بعملك. وسواء أراد الانجليز منح العرب مملكتهم الموحّدة أم خلافتهم الإسلامية .. فهل سينجح العرب في تأسيس مثل ذلك الكيان الهائل وكانوا قد خرجوا من تاريخ عقيم؟
هل تعتقد يا هيكل ومن يدور في فلكك أن هكذا أحلام يمكن أن تحققها حتي لو كانت هناك موافقات من قبل الإنجليز؟ ألا تعتقد أنك تسّوق اوهاما لم تتحقق بمثل هذه السهولة أبدا؟ ثم دعني أسألك: إذا كان العرب أنفسهم لهم قبائلهم وأقاليمهم وبلدانهم وكياناتهم لما قبل عصر ظاهرة الاستعمار.. وقد كانت الصراعات والانقسامات هائلة بين الاوليغاريات والتكتلات والتحزبات والأقاليم والاثنيات والقبائل.. العربية قاطبة، فكيف تريد من الإنجليز أن يمنحوا العرب دولة عربية واحدة أو خلافة دينية موحدة؟ لقد عشتم وعشنا علي حلم الوحدة العربية التي لم تتحقق علي أيدي العرب أنفسهم.. فكيف تريد من الآخرين منح صكوكها قبل أن تدرك مدي حالات التجزئة الموجودة ليس في الجغرافية والأمكنة، بل في الذهنيات والعقليات والتصرفات والأساليب وحتي الافكار؟
وأخيرا: ماذا أقول؟
لقد كان بعض التجارب (العربية) جديرة بالتقدير، ولكن لم يهتم بها أصحاب المعرفة، وعاشت الناس بهوسٍ مقنع بالرضا، والتفاخر بأمجاد موهومة وبتواريخ لا تنعش في الذاكرة أي قيمة فكرية، إذ ليس لها إلا إرضاء العواطف والتنطع بالأمجاد! إنني أدعو إلي أن يأخذ هذا "الموضوع" حجمه الطبيعي من إثارة الوعي كي تدرك الأجيال الجديدة في هذا القرن، كم خذلتها الأجيال السابقة في القرن العشرين تحت شعارات البطولات الوهمية! إن معرفة الحاضر وتوقعات المستقبل لا يمكنها أن تعرف إلا من خلال قراءات معمقة في تاريخ الأحداث وسيرورتها، والتفكير العقلاني في تقاطعاتها وتصادماتها مع سير خطوطها وانطلاقها إلي حيث الميدان.
لقد أثبتت التجربة التاريخية، للأسف الشديد، أن النمط الذي يتزعمه هيكل في تفسير حياتنا التاريخية العربية هو نمط سيئ للغاية، خصوصا عندما سيتأثر به الجيل الجديد في مجابهة الأحداث الساخنة! وسوف لن يدرك الناس معرفة أضدادهم.. واشدد هنا علي وظيفة التفكير المدهش في استنباط المعاني الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها، والمجردة من ادلجة عصر مختلف بآلياته وعناصره وتراكيبه وتفكيره، يلازمه تحسس بالمستقبل، مجرد هو الآخر من أي نوازع سياسية أو أيديولوجية.. لكنه مكرس لخدمة المبادئ التاريخية والحضارية والإنسانية عند البشرية قاطبة.. خصوصا ونحن نعلم أن صورة العرب والمسلمين معرضة دوما للتشويه لدي المتلقي في العالم كله سواء كان التشويه مكتوبا أم مسموعا أو مرئيا!
الحلقة المقبلة يوم الأثنين
الكاتب.. مفكر عربى عراقى مقيم فى كندا
وأستاذ فى جامعات عربية وأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.