شاءت إرادة الله أن تنكشف الأمة العربية أمام نفسها وأمام العالم، في حدث بسيط لا تقف أمامه دول العالم كثيرا وهو متصل بمباراة في كرة القدم.. أمر مضحك ومؤلم في نفس الوقت.. لم يكن هناك صراع حدودي أو إهانة جسيمة من دولة لدولة ولكنها مباراة.. مجرد مباراة ولكنها كشفت حقيقة العلاقات العربية- العربية وأخجلتنا من أنفسنا بل وأيقظتنا من سباتنا! إنها أوضاع العالم العربي بدون كرة وبدون لعب كرة ولكننا كنا نغض الطرف عنها عامدين أو لنقل آملين أو مخادعين لأنفسنا! لقد تيقنت أنها مشاعرنا الحقيقية تجاه بعضنا البعض بالفعل ونتذكر أنه أثناء حرب فلسطين 1948 أنجز الجيش المصري إنجازات هائلة وكاد جيشنا أن يقضي علي هؤلاء اللصوص، ولكن قائد الجيوش العربية وقتذاك الملك عبدالله شرق الأردن كان الانتصار في غير صالحه لأنه يريد -كما إسرائيل- أن يستحوذ علي الضفة الغربية لتصبح دولته كلها الأردن بضفتيه.. وقال: أدعو الله أن تنهزم قوات مصر لأن هذا هو طريق الخلاص.. صحيح أنه نالته رصاصات أمام باب المسجد الأقصي.. ولكنه فعل ودبر، ولم يكبح عبدالكريم قاسم رئيس العراق جماح نفسه فغداة إعلان الكويت استقلالها حرك قواته، فما كان من عبدالناصر إلا أن أرسل قواتنا لحماية الكويت ورفض عودة القوات الإنجليزية وحول قاسم الكويت إلي كابوس.. حتي كان صدام حسين فاجتاح الكويت واستولي عليها ووقع في الشرك الذي نصبه الأعداء الحقيقيون للأمة العربية، وكانت الطامة الكبري التي استدعت العربي ضد العربي وسلاح العرب يتحارب مع ذات السلاح العربي. وأذكر أنه في فورة القومية العربية التي أشعلها بحماسه وجهاده ووطنيته جمال عبدالناصر أن فرضت سوريا الوحدة علي مصر، علي غير رغبة من الرئيس، ولكنهم أقنعوه أنه بهذا يحمي سوريا من إسرائيل ومن الشيوعيين السوريين، ورضخ الزعيم فقد كان كما سبق وكتبت آسر الجماهير وأسيرها وأعلنت الدولة النموذج 1958 ولا أستطيع أن أحصد كم المؤامرات التي حاكتها دولة عربية، وكم الأموال التي رصدتها للإطاحة بها وأطاحوا بالدولة الحلم 1961، فكان عبدالناصر نفسه من جرحي العروبة! ونذكر أنه بعد أن فاز جمال عبدالناصر بقناة السويس بحرب 1956، ظلت الأبواق العربية تضغط عليه ذاكرة أنه سمح لسفن إسرائيل بالعبور من خليج العقبة ولم يمنعها، ولو أن هؤلاء القوم يبغون خيرًا لأمتهم لقالوا: وماله إنه ثمن بسيط لجلائهم عن أراضينا ولكنهم ظلوا يعايرونه ويثيرونه حتي أوقف الملاحة فكانت حرب 1967 وفيها فرح الكثيرون من العرب أشقاؤنا أكثر مما فرح الصهاينة والأمريكان، وبعدها كنا نذكر الأمة العربية بقلب مكسور! لا أريد أن أعود إلي حرب اليمن التحريرية لإنقاذ شعب عربي كان يعيش حياة القرون الوسطي ولكنهم تكالبوا علي مستأجرين المرتزقة من الدول الأوروبية ليحاربوا الجيش المصري. ولكن من أسف أن حرب 1967 المخطط لها بإحكام جرت وقائعها وأكثر من ثلث الجيش في مهمته باليمن.. وكله صناعة عربية مضروبة. أريد أن أعود إلي الجزائر.. لا نمن ولا نعاير أحدا ولكن نقول لهم ولشبابهم.. هل تعرفون الثمن الذي دفعته مصر من أجل استقلالكم؟ إن حرب الاستقلال الجزائرية تشرف كل عربي.. فلقد احتلتها فرنسا 1830 واعتبرتها مقاطعة فرنسية ولما اشتعلت الثورة كانت مصر هي العون والسند، وحاولت فرنسا بكل السبل أن تمنع مصر ورفض جمال عبدالناصر واستمر، ولهذا شاركت فرنسا في عدوان 1956، واحتلت القوات الفرنسية بورفؤاد والإنجليزية بورسعيد المصريتين.. بسبب مساندة مصر العظيمة للثورة العظيمة. ليس هذا فقط.. بل هل يعرف شباب الجزائر أن ما تهددنا به إسرائيل الآن بقنابلها الذرية، لقد أنشأت لها فرنسا مفاعل ديمونة الذي أنتج هذه القنابل نكاية فينا بسبب الجزائر.. فأي ثمن باهظ وباهظ جدا الذي دفعته مصر التي تعادونها كل هذا العداء وتكرهونها كل هذه الكراهية! هل تذكرون الاتحاد الثلاثي الذي دعا إليه ناصر ثم السادات والقذافي في ليبيا وجعفر النميري في السودان، لقد مات بالسكتة القلبية رغم أنهم يعرفون أنه مهم جدا بالفعل وفي صالح الأمة العربية ولكن من سيتركهم في حالهم؟ إن الأمة العربية تدعو للاتحاد والوحدة بالخطب الرنانة فقد أما لو تجمعت دولتان أو ثلاث وقرنت القول بالفعل فسوف تشهد ضدها الأسلحة العربية والمؤامرات الاستخبراتية حتي تسقطها فماتت الفكرة في مهدها.. وتحدثنا عن العروبة بوهن! ربما كانت ركلة الكرة في مرمي الفريق المصري في أم درمان قد أسقطت القناع عن حقيقة المشاعر العربية تجاه كل منها للآخر وربما كانت تلك المباراة التعسة هي الومضة التي أضاءت حقيقة العلاقات العربية -العربية، وتنير الطريق أمامنا حتي لا نتمادي في أحلامنا.. وحتي لا نتوه في دروب أوهامنا.. ولعلها خير لمواجهة الواقع المؤلم.. ولكن الداعين لإزالة اسم الجزائر من شوارعنا ومدارسنا.. أقول لهم إن الاسم رمز للجهد المصري العظيم ونوايانا الطيبة وهو جزء من تاريخنا نحن ولا يطمس بل اقرأوه وتمعنوا فيه ودلالاته.. وللحديث بقية