كان المتصور أن يكون يوم الفاصلة فرصة رياضية وشعبية جميلة تظل عالقة في الأذهان بذكريات المحبة والإخاء.. اختارت مصر ورحب السودان ونحن والشعب السوداني توءم يمكن أن نطلق علي السوداني كل ما نطلقه علي المصريين من صفات نقول مثلا طيبين.. كلانا طيبون لم يكن في البال غدر الطرف الآخر.. الذي أرادها معركة حربية فرضها علي الطرف السوداني الذي قاوم ولم يستطع رد هذا الكيد والغدر اللئيم، ولما تصعبت الأمور احتضن المصريين في بيوته ودافع عنهم قدر ما يستطيع. لقد جعل هؤلاء اللقاء الرياضي لقاء وحشياً.. بربرياً.. منحطا في السلوك والتعامل.. هوية قومية أعرف أن أجزاء الوطن العربي لو تجمعت لصارت قوة، والتاريخ يقول إن الأعداء يعرفون هذه الحقيقة ويعملون جاهدين علي طمسها.. وكان هدم هذه الفكرة في البداية يعتمد علي التدخلات الخارجية، ولكنهم توصلوا إلي حقيقة جديدة وهي أن تدمير الوحدة العربية.. بلاش الوحدة.. التقارب والتضامن العربي ممكن أن يتم بواسطة الحكام أنفسهم.. ووجدوها أسهل وأسرع وأقوي فتكا وأقل تكلفة. بعد الذي رأيناه من تحويل الفرح إلي مأتم.. والسعادة إلي تعاسة.. وخيانة أخوين معا في وقت واحد.. خيانة مصر والسودان معا.. بعد الذي رأيناه.. تذكرت ما كان قد طرحه عبدالله كمال في "روزاليوسف" من مناقشة قضية "مصر أولا".. ناقشني فيها في مقهي "فيينا".. وكتبت ثلاث مقالات وقتها في روزا قلت في الوطن "مصر أولا بالقطع".. ولكن حتي في المصلحة العليا للوطن فلابد من التعاون والتضامن بل والوحدة.. تذكرت ذلك وتساءلت هل كان رئيس تحرير "روزاليوسف" يعرف ما لا أعرفه.. هل كان يستشرف آفاقا ويجوس في السياسة دروباً، كنت أجهلها..؟ ماذا لو أنه أثار الموضوع ثانية في هذه الأيام.. ماذا ترانا قائلين.. لا شك أن الأمر لن يكون في صالح العروبة التي تعيش أسوأ أوقات تاريخها وأكثرها بؤسا وشقاء!.. أثبت الرئيس الجزائري بوتفليقه أنه ضالع في المؤامرة مباشرة.. لا يمكن أن تميزه عن روراوة.. كلاهما وجهان لعملة واحدة ودليلي أنه في بدايات الأزمة كان هناك الاجتماع الأفريقي - الصيني في شرم الشيخ، ولو أنه حضر وجلس مع الرئيس لتغيرت أمور كثيرة، ولكنه لم يأت لأنه لا يريد تهدئة ولا حبا ولا سلاما.. لأنه لا يريد "عروبة حقيقية" ولا رياضة حقيقية.. لاحظ - مع الفارق - أن زاهر عندما تقدم بمبادرته مع روراوة في الخرطوم تركه هذا وانصرف.. نفس الموقف. ما شكل هذه المباريات الرياضية يا عرب التي يسب فيها اللاعبون لاعبي الفريق المنافس.. وما تلك الطائرات الحربية والكوماندوز المدجج بالأسلحة البيضاء والسنج.. ما هذه التصرفات الشائنة من بنات وشباب الجزائر؟.. ما هذه "المخيمات شبه العسكرية" التي نصبت في الخرطوم المسالمة ويبيت فيها المتآمرون متربصين! أردناها رياضية.. فأعلنوها حربا.. أردناها شعوبا.. وأرادوها شعوبية.. أردناها حبا.. وأرادوها عداء وغدراً. المنغلق بوتفليقه ذهب بها إلي السلاح الذي يفوز به.. وهو التآمر والمذابح.. وأسألوا جيرانه العرب؟.. استمعت إبان الأزمة إلي جزائري بذقن مشكوك في صحتها في الB.B.C قال إن الرياضة سياسة وهي تعكس غضبنا من مصر وتجني عليها في غزة.. وتساءلت أو لم ير غزة وهي تستقبل انتصار مصر في مباراتها الأولي وفرحتهم بهزيمة الجزائر؟ العوض علي الله.. في العروبة.. وفي الروح العربية التي دهستها أقدام الغوغاء خارج المستطيل الأخضر وداخله.. والعوض علي الله في الأخلاق التي انتهكها اللاعبون الجزائريون داخل المستطيل الأخضر وخارجه. في شبابي كتبت مسرحية "نار في الجزائر" عامرة بالوطنية والعروبة وقمنا بتمثيلها علي مسرح "النيل" بفارسكور فانفعل بها الآلاف وكانت الروح عالية علو السماء.. كنا هياما بالعروبة.. كنا سكاري بالأخوة العربية كنا؟.. ما الذي حدث يا عرب؟.. ماذا حدث يا جزائر؟.. ظللت في حيرتي وألمي حتي استمعت إلي كلمات "علاء مبارك" الذي استرسل بكلمات عذاب فيها كل ما شغل بالي وبالك.. وفكري وفكرك.. عبر عن ألمنا جميعا فتداوي كل أحاسيسنا المليئة بالمرارة.. فكان أكثر من رائع.. وسهرت حتي الصباح متعلقا بموقف الرئيس الذي لم يذهب إلي فراشة إلا بعد الاطمئنان علي كل المسالمين.. الرياضيين بحق الذين سافروا إلي أحضان أخوة الجنوب حتي يعودوا إلي الكبيرة مصر في أمن وسلام!. عليه العوض.. ومنه العوض.. فيك يا جزائر.. علي فكرة عرض العروبة مستمر علي مسرح اللا معقول العربي والدخول مجانا وبدون تأشيرة!.