مائة وأربعون عاما تمر اليوم علي افتتاح قناة السويس، وكان الاحتفال الذي أعده الخديو إسماعيل أسطوريا باذخا مهيبا، لكن الكواليس التي لا ينبغي إهمالها تشير إلي أكثر من مليون عامل وفلاح شاركوا في عمليات الحفر، وإلي عشرات الألوف من الشهداء الذين سقطوا في سنوات الإعداد للمشروع العملاق الذي اقترن بأحداث وحوادث بالغة الأهمية في التاريخ المصري. قناة السويس علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وما أكثر المفردات التي تقترن بها: حفل الافتتاح الذي كان مضرب الأمثال، ديلسبس وألاعيبه، أسهم مصر في الشركة والقروض والديون، محاولات مد الامتياز واغتيال رئيس الوزراء بطرس غالي، تأميم القناة والعدوان الثلاثي، حرب سنة 1967 وتوقف الملاحة، انتصار 1973 وعودة الحياة إلي الشريان الحيوي، عمليات التطوير والتحديث والنجاح المشرف للإدارة المصرية عبر ما يزيد علي نصف قرن. في حمي الحديث عن مباراة مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم لكرة القدم، شهدت بعض البرامج الرياضية في عدة فضائيات مهزلة مؤسفة، فقد تطوع بعض المتعصبين كرويا لتأكيد أن العدوان الثلاثي علي مصر، في العام 1956، كان نتيجة للدعم الذي قدمه الرئيس عبدالناصر لثوار الجزائر، وهو ما استفز فرنسا للمشاركة في العدوان.. لا شك أن هذا العامل صحيح، لكنه ليس العنصر الوحيد أو الرئيسي، وتصل الكارثة إلي ذروتها عندما يؤكد أحدهم أن تأميم قناة السويس لم يكن سببا في العدوان! هذا الخبير الكروي الاستراتيجي يفتي فيما لا يعلم، وفضلا عن خطورة تحويل مباراة في كرة القدم، مع الاعتراف بأهميتها، إلي معركة حربية وسياسية تهدد بإفساد العلاقة التاريخية، فإن تفسير الوقائع من منظور أحادي يبدو بالغ الضرر، ذلك أن الملايين ممن يشاهدون مثل هذه البرامج قد يتورطون في تصديق كباتن الكرة من رافعي الشعارات الوطنية في غير موضعها!.. ليت أن هؤلاء الخبراء الأفاضل يبتعدون عما لا يفهمون فيه، حتي لا يزداد التشويه والاختلاط!