لا توجد بقعة علي وجه الأرض خالية من مرض H1 N1 ورغم التقدم العلمي المذهل الذي يشهده هذا العصر إلا أن العالم يقف حائراً أمام هذا الفيروس المتناهي الصغر الذي لا يري بالعين المجردة، ومن المهم أن نشير إلي طبيعة هذا المرض والعوامل التي تساعد علي انتشاره وطرق الوقاية منه وإلي حالة المرض في الدول التي تعتبر مسقط رأس الفيروس ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي رفعت درجات التأهب إلي أعلي المستويات حيث أعلن رئيسها أوباما حالة الطوارئ في أنحاء البلاد في 25 أكتوبر 2009 م. من الملاحظ أن وسائل الإعلام تطلق علي هذا المرض أنفلونزا الخنازير وهذا مرده إلي أن التحاليل المعملية أثبتت في البداية أن جينات هذا الفيروس الجديد تشبه إلي حد كبير فيروس الأنفلونزا الذي يصيب الخنازير في القارة الأمريكية غير أن الدراسات الحديثة تشير إلي أن هذا الفيروس يختلف عن الفيروس الذي ينتقل بين خنازير شمال أمريكا إذ إنه يحتوي علي جينات من أربعة مصادر فيروسية: فيروس أنفلونزا خنازير أمريكا الشمالية وفيروس أنفلونزا خنازير أوروبا وآسيا وفيروس أنفلونزا الطيور وفيروس أنفلونزا الإنسان. اللافت للنظر أن منظمة الصحة العالمية أعلنت في 29 أبريل 2009 م أن الإنسان بات في خطر بفضل هذا الفيروس غير أن الدوائر العلمية مازالت تقلل من شأن هذا الأمر. لقد أوضحت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن العلماء الذين يتابعون تطورات انتشار المرض يتفقون علي أن الفيروس في تكوينه الحالي لا يعتبر قاتلاً. فالانتشار الحالي لمرض انفلونزا الخنازير الذي ظهر في سان داياجو الأمريكية وجنوب المكسيك لا ينذر بالخطر مقارنة بالانفلونزا الموسمية. وكما جاء علي لسان عالم الفيروسات ريتشارد ويبي في صحيفة لوس انجلوس فإن الفيروس لا يملك القوة كفيروس عام 1918 الذي أودي بحياة 50 مليون شخص. أما بيتر باليس خبير الأنفلونزا والميكروبيولوجي في مركز سينا الطبي في نيويورك فيذهب إلي أن الفيروس يعوزه حامض الأمينو الذي يساعد علي تكاثر جزئيات الفيروس في الرئتين ومن ثم فإن المرض لا يمثل خطورة علي حياة الإنسان. لعل أنفلونزا الموسمية تمثل خطورة أكبر. فالأنفلونزا الموسمية في أمريكا تؤدي كل عام إلي وفاة حوالي 36 ألف مواطن ويضطر حوالي 200 ألف شخص إلي قضاء بعض الوقت في المستشفيات. الخطورة الوحيدة لهذا المرض تكمن في صعوبة تمييزه عن الأنفلونزا الموسمية سواء فيما يتعلق بطرق انتقال المرض أو الأعراض المصاحبة له. فالعطس والسعال بطريقة خاطئة قد ينقل المرض للآخرين. من المهم أن ندرك أن الفيروس قد يعيش خارج جسم الإنسان لمدة تتراوح بين ساعتين وثماني ساعات. لذا فقد تحدث الإصابة إذا لمس الإنسان شيئاً ملوثاً بالفيروس ثم قام بملامسة الفم أو الأنف. أما أعراض هذا المرض فهي متشابهة مع أعراض الأنفلونزا الموسمية حيث تشتمل علي الحمي والسعال والتهاب الحلق والرشح وآلام الجسد والتعب ويمكن أن يصاحبه إسهال وقئ وأن يصاب الإنسان بأعراض تنفسية غير مصحوبة بالحمي. ولكن ما هو الموقف في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعتبر أحد معاقل المرض. تشير البيانات والإحصائيات الواردة من مراكز التحكم والوقاية من الأمراض إلي أن المرض ينتشر بين فئات عمرية محددة وتقل نسبة الإصابة لدي كبار السن. ووفقاً لهذه المراكز فإن الفترة من 30 أغسطس حتي 10 أكتوبر 2009 شهدت حوالي 5 آلاف حالة مؤكدة وجاءت الفئات العمرية المصابة بالمرض علي النحو التالي: 19٪ يبلغون من العمر 4 سنوات فأقل و25٪ من 5 سنوات حتي 18 عاماً و9٪ من 19سنة حتي 24 سنة و24٪ من 25سنة حتي 49 سنة و15٪ من الفئة العمرية 50 سنة حتي 64 سنة و7٪ فقط 65 سنة فأكثر. ورغم تقدم البنية الصحية في بلاد العم سام إلا أن المرض استطاع أن يودي بحياة بعض المواطنين من الفئات العمرية المختلفة حيث شهدت البلاد 292 حالة وفاة ( أي حوالي 6٪ من المرضي) في الفترة من 30 أغسطس حتي 10 أكتوبر 2009 منها 3٪ من الفئة العمرية أربع سنوات فأقل و14٪ من الفئة العمرية من 5 سنوات حتي 18 سنة و7 ٪ في الفئة العمرية 19 سنة حتي 24 سنة و33٪ من 25 سنة حتي 49 سنة و32٪ من 50 حتي 64 سنة و12٪ يبلغون من العمر 65 سنة فأكثر. وخلاصة القول فإن الأمر يتطلب الهدوء وضبط النفس عند التعامل مع هذا المرض الذي يمكن السيطرة عليه من خلال اتباع الإجراءات الصحية السليمة. من المؤكد أن التشخيص المبكر وتعاطي العقاقير المضادة للفيروس مثل التاميفلو والريلتيرا يأتي بنتائج جيدة. كما يمكن الحد من المرض من خلال تغيير سلوكيات الإنسان وخاصة الاعتياد علي نظافة اليدين وغسلهما عند ملامسة الأشياء.