حل الكاتب والروائي عبد الوهاب الأسواني ضيفا علي اتحاد كتاب مصر ب"محكي القلعة" ليروي تجربته الأدبية والحياتية في ضيافة الدكتور حامد أبو أحمد. قال الأسواني بعد حيرة في اختيار نقطة بداية الحديث: نشأت في بيئتين متناقضتين هما رمل الإسكندرية حيث "الخواجات" والتحرر الذي قد يصل إلي حد تقبيل الفتي لفتاته وسط الطريق دون تعليق من أحد، و"جزيرة المنصورية" القابعة في قلب الصعيد، حيث تخفي المرأة وجهها وتلتصق بالحائط إن مر بجانبها رجل غريب، حيث كان عمل أبي في التجارة يقتضي أن يقسم العام علي المكانين. وعن بدايته مع كتابة القصة قال: ترك التاريخ بداخلي حب القصة، فما التاريخ إلا قصص، ومن هنا بدأت أنشطتي الثقافية فكونت في عمر السادسة عشرة مع أصدقائي ندوة "السبت" لنتناقش حول كتابتنا، ثم ما لبثت أن بدأت حضور ندوة محمد حافظ رجب علي أحد المقاهي، وكان يلقي فيها اثنين من أساتذة جامعة الإسكندرية محاضرات حول القصة القصيرة والكتابة بشكل عام، كنت حينها أعتقد أنني مؤرخ ولكنني اكتشفت أنني أكتب الأمور من وجهة نظري، فأحذف أمورا وأضيف أمورا، كما أن التأريخ يحد من ذكاء وخيال المؤرخ لأنه ينقل الوقائع كما هي. وأكمل: علاقتي بالكتابة الصحفية بدأت عندما حصلت علي المراكز الأولي في المسابقات الأدبية التي أتقدم لها، وهو ما لفت إلي نظر يوسف السباعي رئيس تحرير "آخر ساعة" في ذلك الوقت، وقال لي "أسلوبك يتسم بالسخرية" ثم عرض علي العمل بالصحافة، ولكنني وقتها كنت قد قرأت مقالاً بعنوان "الصحافة مقبرة الأدباء" واقتنعت بمحتواه، فرفضت دعوة السباعي مما أغضبه مني جدا، ولكن العرض تكرر من رجاء النقاش حين تولي رئاسة تحرير مجلة "الإذاعة والتليفزيون"، وكانت الظروف حينها قد اختلفت، فقبلت وتم عمل عقود لي أنا وزملائي في المجلة التي عطلني العمل بها عن العمل الأدبي مدة قاربت الأربع سنوات، لأنني لم أكن من خريجي الإعلام، وكانت لي مقالة ثابتة بعنوان "ابتسامة الماء" وجدتني أكتبها فتنشر مباشرة، وأتلقي عنها ردود أفعال جيدة، وهو ما عوضني عن الكتابة الأدبية لفترة، كما كتبت سيناريو مسلسل "اللسان المر" وبرغم سعادتي بالمردود المادي حينها، فإن ارتباطي برجاء النقاش جعلني أسافر معه رغما عني إلي قطر، حيث أسس جريدة "الراية"، ثم لم يلبث أن انتقل إلي مجلة "الدوحة" وهنا قررت العودة إلي مصر لأعاود الكتابة، وعن آخر أعماله الأدبية قال الأسواني: أنا الآن غارق في روايتين جديدتين، انتهيت من أولهما، وسأنتظر شهرين أو ثلاثة لأعاود قراءتها بعين محايدة، عنوانها المبدئي "جوليا اليونانية" استلهمت أحداثها من جو الإسكندرية في آخر أيام الأجانب بها، وتدور قصتها حول فتي وفتاة تربطهما علاقة حب وتتعاقب عليهما الأحداث، وفي تلك الرواية استخدم الرمزية بصورة جمالية، لا تخل باستمتاع القارئ العادي بها كعمل درامي. أما الرواية الثانية فتكاد تكون انتهت كتابتها الأساسية، ولكن ينقصها كتابة ثانية وثالثة، وهو ما سيستغرق مني وقتا طويلا وعنوانها "إمبراطورية حمدان" وتدور حول شاب صعيدي ذهب إلي الإسكندرية علي ظهر قطار، ثم أصبح مع الوقت من الأغنياء الذين يرفع لهم الأجانب قبعاتهم، ولكنه في الوقت ذاته تغير علي أهله وأصدقائه. وفي نهاية حديثه انتقد الأسواني حركة النقد الحالية قائلا: في يوم من الأيام كانت "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" و"الشعب" إلي جانب المجلات الأسبوعية تنشر دراسات أدبية للكبار أمثال محمد مندور ولويس عوض وغيرهم، وهو الوقت الذي ازدهرت فيه حركة النقد الأدبي، ولكني لا أعلم ماذا حدث الآن، فقد تحول النقاد إلي "الشهداء العظام"، لا يجدون مكانا لنشر دراساتهم، فيضطرون لطبعها في كتب لا يعرف بها أحد. وكشف الأسواني عن شعوره بأنه لم يأخذ حقه نقديا وإن كان لم يتم تجاهله لدرجة الظلم، وأكد أن ضعف النقد ينعكس علي الأدب، حيث لم يعد هناك من يفرق بين الغث والثمين فيه، فانتشرت الأعمال الرديئة التي سمحت للكثير من أنصاف الموهوبين من الشباب بالانتشار علي حساب المواهب الحقيقية، التي لم تعد تجد من يسمع صوتها، وزاد الطين بلة النقاد الذي يتشدقون بنظريات وتراكيب هم أنفسهم لا يفهمونها، ولا يفهمها الآخرون، معتقدين أنهم بذلك عباقرة ، وهؤلاء أيضا أنصاف نقاد تسببوا في زحام المشهد الثقافي.