ليس هناك دليل ملموس علي ان المسرح في اليونان وهي أول بقاع الارض التي نشأ فيها هذا الفن قد ظهر هناك علي يد مؤسسة او هيئة، وليس هناك مايدل علي ان ارسطو عندما كتب كتابة الشهير" فن الشعر " والمبني تعقيبا علي مسرحية سوفوكليس العظيمة والرصينة "اوديب ملكا "كان يتبع جهة ادارية او رقابية، وليس هناك دليل علي ان عرض اوديب ذاته وان عرض كان يتبع جهة انتاجية حكومية او رسمية خاضعة للدولة اليونانية في حينة، لكن المسرح الاب الاول للفنون نشأ حرا وترعرع حرا واستمر مع هذه الحرية التي استمدها من كتابه ومخرجيه وممثليه وطاقمه الفني الذي اشرف ودعم وساهم في تقديمه، ان استمرار مسيرة المسرح في بقاع العالم وحتي الآن ما هي الا تكملة لهذا الابتكار وبراءة الاختراع اليونانية الصنعة والخيال الفني حتي وان تضاءل المسرح في اليونان الآن وليس بحجم هذا الاثر الحضاري العظيم الذي تركه الفنان اليوناني لا شريك مؤسسي له من عدة قرون قبل الميلاد وحتي وان غاب المسرح لقرون مظلمة توسطت مسيرة حياته، الا انه بقي وعاد مرة اخري الي لياقته وحيويته بعد العصور الوسطي وذلك بفضل الفنان المسرحي الذي حاول احياء نهضة المسرح منذ القرن السادس عشر وحتي ان اصابه ما اصابه في اي عصر واي بقعة فلن يكون ذلك الا لحظات في تاريخ الدهر الانساني. وحتي عصر النهضة والاحياء، الحياة الثانية والجديدة للمسرح لم يكن راسين وكورني وموليير جزءاً من مطلب حكومي فرنسي بكتابة مسرحيات وعروض تمثيلية وحتي هيجو ودي فينيوموسيه وحتي غيرهم من فرنسيي القرن العشرين يونسكو وجاري وكامو ومن قبلهم علي الجانب الانجليزي من شكسبير وتوماس كيد ومرورا ب اليوت ووايلد واوزبون وبنتر وحتي عندما انتقل المسرح الي قارات جديدة ونشاة الدراما الامريكية وعلي رأسهم يوجين اونيل وتنسي ويليامز وارثر ميللر وفي اقصي الشرق الاوربي والدراما الروسية ل تشيكوف وجوجول وبوشكين واستروفسكي الي جريجوري جورين ، حتي عندما انتقل المسرح عربيا علي يد يعقوب صنوع ومارون نقاش وانتشر صيته علي يد جوقات خاصة متنوعة متحررة من الارتباط بالدولة اشهرها عزيز عيد وعلي الكسار ونجيب الريحاني ويوسف وهبي ، حتي وفي الفترة التي احتوت الدولة المسرح تحت جناحيها انشأت مسرحها واشرفت عليه من باب اعلاء الثقافة- وهي فترة تحتاج الي تأأمل لاحقا - جاور فيها مسرح الدولة العديد من المسرح الحر والخاص. لايحتاج العاقل الي اثبات ان المسرح نشأ متحررا من انتسابة الي مؤسسة او هيئة حكومية قد تفسد وقد تعطب وقد تجامل وقد تعادي وقد تعاقب وقد تكافيء وقد تردع وتعمل بأساليب ابعد عن المنطق كمنطق العصا والجزرة والبقاء للالطف وشبكة المجاملات وتلك الاهواء والتي وان المت بقلعة اسقطتها . ولننظر الي اهم واشهر مؤسستين مسرحيتيين خاصتين ومنافستين لكل الفنون في العالم وهو مسرح سيرك الشمس بكندا وفروعه الاخري والخاص ب "جي لابارتيه" والذي تكلف احد الملابس في احد العروض له 32 ونصف مليون دولار فهو آخر صيحات المسرح والمسرح الآخر مسارح برودواي مدينة تطوير المسرح في العالم والتي تعتبر التجديد الاكبر لفكرة تحرير المسرح واستقلاله. والتحرير هنا هو ان تحرر رقبة المسرح من قبضة الدولة فهو يرهق الدولة والدولة هي الاخري ترهقه للدرجة التي تجعل صمت الاثنين رغبة خفية مكتومة للطلاق القادم والتخلص من بعضهما، فتحرير المسرح سيضمن وجود العناصر الجيدة والجيدة فقط والمتجددة دائما بفضل فعل المنافسة الحرة لمن يملك ومن يجيد ومنه سيخلق تطويرا لادوات الفنان بعيدا عن الركود وسيزيد من فرص الافضل وسيقلل من فرص حاجزي الميزانيات للقطط السمينة بفضل البركات الطيبات وسيخرج حالة الجمود والرتابة والبلاهة والمتاهة التي اصابت عالم المسرح في البلاد. ان تحرير المسرح سينشر حالة من البعث والاحياء لروح المسرح الجيد والانتعاش لرواده وسيعفي الدولة من اعباء المرتزقة والمرتزقين وارباع الموهبين وعلي الجانب الاخر سيعفي الموهبين والمخلصين من غارات المتطفلين والمدعين وسيخلق ميثاقا نزيها للعملية الابداعية . تحرير المسرح هو جزء هام من تحرير السوق الضخم في عالم مفتوح حر ويحرر الفنان من ان يكون موظفا براتب وسيضمن للجميع بداية بالمبدع مرورا بطقم العمل الفني وانتهاء بالمتلقي خدمة أفضل واجود بل وتتناسب الفكرة والتغييرات الضخمة التي صاحبت العالم وبالتالي مجتمعنا فوجود المسرح الي الان في ظل الدولة عبء لا طائل منه لكليهما فلا الدولة تستفيد من وجوده في ظلها ولا المسرح ذاته يستفيد من وجوده داخل هذا الظل، وبما اننا نحترم المسرح ،وبما كان المسرح دائما ينطلق حرا بعيدا عن قبضة الدول ولما كانت الدول دائما هي التي تستقطب المسرح لميول غابت طبيعيا في عصر السوق الحر عن السيطرة، ولما كان كل ماحولنا قد تحرر من ماء وكهرباء وارض وفضاء فلم لايتحرر بالأحري من ولد حرا. المسرح..................... سيد الفنون لكن المتجذرين بأرض البيروقراطية، والمنتفعين ببرك المال الراكد، والميالين الي الاشكال العصرية للبطالة المقنعة، نشر الفوضي القبيحة منها علي الأخص، لان اشد ما يكرهونه هو الحرية لان الاشياء تستقيم بها، والغريبة انهم لن يفهموا تحرر المسرح رغم فهمهم وممارساتهم وانغماسهم الجبري والقصري بتحرر التجارة، ذلك لان المرتزقة كثر والمتنطعين اكثر واقول لهم كما قال الشاعر عفيفي مطر كي افهم معني الحرية اعطوني بعض الحرية فنعطي للمسرح حقه في التحرر من قبضة الدولة.