استمرت الاحتفالات بالدوران فائق السرعة، لعجلة الإنتاج.. بعد توقف لما يربو عن عام.. كنا نعتقد أن الثوار في ميدان التحرير، هم أسباب الأزمة الاقتصادية.. وراحت كل الأطراف تبحث عن سر توقف عجلة الإنتاج.. فإذا بمصادفة سعيدة جعلتنا نضع أيدينا علي ثقب الأوزون الذي تسبب في توقف هذه العجلة.. كلمة السر كانت تكمن في الإضراب أو العصيان المدني.. فبمجرد أن طالبت مجموعة من الائتلافات الثورية، بإعلان الإضراب أو العصيان.. انتفض «الشعب المصري الشقيق» وهرول مسرعا لتدوير العجلة.. واحتفل حزب الأكثرية مع قرينه حزب النور السلفي.. وعزفت الموسيقي علي صفحات الصحف وشاشات الفضائيات.. العجلة دارت يا رجالة بالانجليزي! بعد ساعات قليلة من دوران العجلة فوجئنا بأنها تتوقف في العين السخنة.. فهناك ميناء سبق أن توقفت عجلاته وتسبب في خسارة للدخل القومي وصلت إلي 400 مليون جنيه.. هذا غير توقف عجلة إنتاج ميناء دمياط، الذي تسبب في خسارة تجاوزت 500 مليون جنيه.. أما السادة المدرسون فقد أوقفوا عجلة الإنتاج في مطلع العام الدراسي، لمدة ثلاثة أسابيع.. وفازوا بالتعويض عن هذا الإيقاف، متمثلا في زيادة الرواتب والحافز.. وعلي نهجهم كان يمضي عمال هيئة النقل العام.. وأدركهم موسم جني الأرباح بزيادة في الراتب والحافز.. وكذلك فعل عمال هيئات السكك الحديدية والبنوك والوزارات المختلفة.. أي أن الإضراب العام كان أمرا واقعا علي أرض مصر لمدة عام.. وإذا شئنا التحدث عن العصيان المدني سنجد أنه أمر واقع منذ سنوات طوال.. فمعظم العاملين في الدولة.. يذهبون إلي العمل دون إنتاج.. وإن أنتجوا فهذا بفعل الإكرامية والرشوة.. وكذلك سنجد جميع مصالح القطاع العام تمارس الإضراب الجزئي والعصيان الجزئي دون أن يقترب منهم مسئول.. بل إن الكارثة تتمثل في إضراب عام لرجال الشرطة، وعصيان عسكري تام لعدة أشهر.. وكان الرد علي ذلك بمطالبة الإعلام بضرورة رفع حالتهم المعنوية.. ومساندتهم حتي يستعيدوا مزاجهم وروحهم المعنوية، ليتمكنوا من العودة وممارسة عملهم. الذين يتحدثون عن سقوط الإضراب تجاهلوا كل تلك الحقائق، وأسردها من الذاكرة.. ولو أنني شئت الدقة لكشفت عن عشرات الوقائع التي لم تتعامل معها حكومة ولا أجهزة في الدولة.. بل كان الجميع يستقبلون تلك الحالات من الإضراب والعصيان علي مدي العام ببشاشة وتفاوض تراوحا بين اللين وهدهدة أصحابها.. فلماذا كانت تلك الحالة من العصبية والتشنج والتحسب للدعوة إلي إضراب عام أو ما أسموه العصيان المدني؟ الإجابة أن الحالات التي كلفت الوطن مليارات من الخسائر الاقتصادية.. لم تكن لها رسالة سياسية.. فيما أطلقوا عليه المطالب الفئوية.. والاسم الحقيقي لها حقوق من ضاعت حقوقهم علي مدي سنوات طوال مضت.. أما الإضراب الأخير، فقد كان سياسيا بامتياز.. يطالب أصحابه بالإسراع نحو إجراء انتخابات رئاسية، ويعترضون علي عدم كشف هوية قتلة الثوار.. ويصرخون لبطء مراحل محاكمة رموز النظام الساقط.. ويعلنون الاحتجاج علي جمعهم في بورتو طرة، ليرسموا الخطط والمؤامرات ضد الوطن.. ويرسلوا أوامر تنفيذها مع التمويل اللازم لتحقيق ذلك.. ولن أشير إلي كارثة الضبعة، وتعاملت معها الحكومة كما لو كانت أزمة عابرة لا تستحق التعليق.. بل إن مجلس الشعب تعمد مع سبق الإصرار والترصد تجاهل هذا الملف تماما.. وكأن أهم مشروعات المستقبل لا تعني نواب الأمة.. ضع كل تلك الحقائق أمامك.. وضع ارتجاف كل أصحاب المواقع الرسمية من أعلي رأس إلي أصغر موظف في البرلمان.. فضلا عن الأحزاب التي تتمتع بثقة الناخبين.. لتكتشف أن مصلحة مصر والبحث عن استقرارها، ليس هدف كل من فرحوا بأن الإضراب العام نال حظه مما اعتبروه فشلا. ما يهمني هو الإشارة إلي أن الصراع بين ما كان قبل 25 يناير، وما يتمناه الشباب وكل المخلصين في الوطن بعد هذا التاريخ.. يصعب أن ينتهي بسهولة.. فإذا كانت السلطة التي شاخت فوق مقاعدها، قد تخلصت من بعض ترهلها.. فهي تخشي النحافة لتتلاشي خلف الكواليس!. وهذا سيحدث بقوة الثورة أو بفعل عوامل التعرية.. لكنهم يقاومون بكل ما امتلكوا من ثروة في مواجهة شباب لا يمتلك غير الثورة.. وإن كان أعضاء البرلمان يعيشون أمجد أيام حياتهم، فلا أملك غير أن أذكرهم بما عاشه سابقوهم.. فقد ضحكوا وقهقهوايوم أن قال المخلوع عن الثوار «خليهم يتسلوا».. وجاء من اعتقدنا أنهم يمثلون الشعب فإذا بهم يمثلون علي الشعب.. وأطالع وجوههم فرادي ومجموعات يضحكون ساخرين من الثوار ولسان حالهم يقول «خليهم يتسلوا».. ويبقي القول الفصل في ذلك، بأن من ضحك أخيرا ضحك كثيرا!