بعد قيام ثورة 25 يناير ظهرت علي الساحة السياسية مجموعة من الأحزاب السياسية التي انتشرت بسرعة الصاروخ، البعض منها وصلت عضويته لأكثر من 600 ألف عضو مثل حزب الحرية والعدالة الذي يتصدر قوائم الانتخابات حاليا ومرشح للسيطرة علي البرلمان المقبل، وكذلك حزب النور السلفي وحزب الفضيلة وحزب الأصالة وكذلك أحزاب العدل والمحافظين والحرية والمصريين الأحرار بالاضافة لأحزاب القائمة مثل الحزب الناصري والوفد وغيرهما حتي وصل عدد الأحزاب السياسية في مصر إلي 63 حزبًا سياسيا كلها ظهرت علي الساحة السياسية. كل هذه الأحزاب ظهرت علي الساحة السياسية لتصدر لنا حالة من حالات الزخم ولكنه زخم إعلامي بعد أن تم إنشاء مجموعة من الصحف والقنوات التليفزيونية التي أصبح همها الشاغل استضافة رموز هذه الأحزاب التي وللوهلة الأولي تجعلك تشعر بأن هؤلاء يسيطرون علي الشارع المصري وأنهم قادرون علي تحويل مصر إلي دولة ذات رفاهية اقتصادية كبري وأنهم سوف يحققون المطالب الثورية التي كان معظم مطالبها اقتصادية مثل رغيف العيش والعدالة الاجتماعية، والحرية، وحتي الآن لا نجد حزبًا سياسيا واحدًا سواء من الأحزاب الكارتونية القديمة التي تشكلت قبل الثورة في النظام السابق أو حتي الأحزاب الجديدة التي تشكلت بعد الثورة يقدم حلولاً للمشاكل الاقتصادية رغم إعلان كل حزب من هذه الأحزاب أنه فور وصوله إلي الحكم فإن الحالة الاقتصادية ستكون أفضل مما هي عليه الآن ولكنه لا يعلن عن كيفية ذلك. وفي دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية أكدت أن معظم رؤساء هذه الأحزاب وكذلك آراء بعض المرشحين المحتملين للرئاسة لا تحمل أو تبشر بخير للاقتصاد المصري فمعظم التصريحات التي خرجت تجعل الاقتصاد المصري والمستثمرين في حالة فزع، مثل تصريحات القضاء علي السياحة بحجة أن السائح يأتي إلي مصر ليشرب الخمور أو ترتدي السيدات المايوه البكيني أو إغلاق البنوك لأنها ربوية وتحويلها إلي بنوك إسلامية وغيرها من التصريحات التي تعمل علي اشاعة الفزع والقلق لدي البعض، ويلاحظ أن هذه الأحزاب تحمل في برامجها الاقتصادية عبارات مطاطية ولا تشرح حتي آلية التطبيق في حالة فوزها بالانتخابات وتوليها السلطة. فحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين الذي يعد الحزب الأقوي الآن علي الساحة السياسية تناول في برنامجه الاقتصادي النهوض بالاقتصاد المصري بإحداث عملية تنمية اقتصادية متوازنة ومستدامة مع توفير الحياة الكريمة للمواطن وتأمين احتياجاته من الخدمات الأساسية كالأكل والملبس والمسكن والصحة والتعليم ووسائل الانتقال ولم يفسر الحزب آليات التنفيذ أو حتي المدة التي يستطيع توفير كل هذه الامكانات خلالها في حالة توليه السلطة مستخدماً عبارات مطاطية، كما تقول الدراسة، مثل عبارة إحداث عملية تنمية اقتصادية متوازنة ومستدامة، ولم يشرح آليات التنفيذ وهو أمر غريب وعجيب. أما في حزب الوسط ذو المرجعية الإسلامية فقد أكد في الجانب الاقتصادي أنه يؤمن بتوجيه التحولات الراهنة الوجهة الصحيحة التي تخدم جميع أبناء الأمة، خاصة بعد أن تدهورت من ناحية الأحوال الاقتصادية لأبناء الطبقتين الوسطي والفقيرة وزادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء اتساعا لأن الثروة البشرية هي عماد أي نهضة اقتصادية حقيقية وهي هدفها النهائي، والبحث في سبل النهوض بأبناء الطبقتين الوسطي والفقيرة لأنهما تتحملان أعباء تردي الأوضاع الاقتصادية في مصر، وتري الدراسة أن هذه عبارات مطاطية لا يعرف الحزب كيفية تطبيقها علي الواقع وهو الشيء نفسه الذي فعله حزب النور السلفي الذي يقول في برنامجه الاقتصادي: تحقيق العدالة في توزيع الدخول وتحقيق نهضة اقتصادية شاملة مع مراقبة الأسواق وضبط الأسعار. أما البرنامج الاقتصادي لحزب المحافظين فيقوم علي حماية الصناعة والمنتج المصري، أما حزب المصريين الأحرار في الجانب الاقتصادي منه فيقول إنه يؤمن بالاقتصاد الحر الذي يؤدي إلي تقليص الفجوة بين طبقات المجتمع ويرتفع بمستوي محدودي الدخل لتحقيق العيش الكريم لهم وخلق مناخ جاذب للاستثمار لكنه لم يحدد كيف يتم ذلك، وحتي الأحزاب الكارتونية القديمة لم تحمل أي برامج اقتصادية حقيقية، فحزب الجمهوري الحر يقر في برنامجه الاقتصادي بضرورة القضاء علي الاحتكار، وحزب الاتحاد الديمقراطي يقول في الجانب الاقتصادي: تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، أما حزب الجيل الديمقراطي فيتبني استراتيجية طويلة المدي للنهوض بالشباب، كما يقوم حزب السلام الديمقراطي علي السعي للعمل علي الإصلاح الإداري لأجهزة الدولة، ويدعو حزب شباب مصر: الاشتراكية الإسلامية ودعم القطاع الخاص وفي حزب الدستوري الحر يقوم الجانب الاقتصادي علي تهيئة الجو المناسب للاستثمار وتخفيض الضرائب وإنشاء بنك للفقراء، أما حزب الوفاق القومي فقد أراح نفسه عندما أكد أن الجانب الاقتصادي لديه يقوم علي التكامل الاقتصادي بين الدول العربية. وتقول الدراسة: حتي الأحزاب العريقة مثل الوفد والأحرار والعمل لم تكن لها رؤية واضحة في الجانب الاقتصادي خاصة من ناحية التطبيق، وتؤكد أن القليل من هذه الأحزاب له رؤية واضحة في آليات التطبيق مثل حزب التجمع والحزب الناصري، أما باقي الأحزاب السياسية البالغة 63 حزبًا فهي لا تملك رؤية حقيقية في الجانب الاقتصادي لتطبيقها فعليا علي أرض الواقع. ومن ناحيته يقول الدكتور صلاح جودة، مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية: إنه لا يوجد في أي حزب من هذه الأحزاب أي لجنة اقتصادية ولا يتم الاعلان عن ذلك ولا يوجد لأي حزب وزارة ظل تتابع الوزارة القائمة وتراجع وتراقب ما تقوم به وتنشر الفساد الذي تقع فيه، وأضاف أن هذه الأحزاب كلها لا يوجد لها أي لجان اجتماعية أو أي لجان موازية للجان الوزارات الحالية والسابقة وهذه الأحزاب لم تقم بالاعلان عن كيفية تنفيذ البرنامج الاقتصادي لها ولم يتم معرفة كيفية التطبيق علي أرض الواقع من عدمه فهي تذكر كلامًا مسترسلاً من أجل جذب الأنظار إليها فقط حتي المدة الزمنية التي يحتاجها الحزب لتطبيق برنامجه الاقتصادي أو حتي غيره من البرامج لم تذكر علي الاطلاق لذلك لا نعرف كيف يتم تطبيق هذا البرنامج علي أرض الواقع أو الفترة الزمنية. ويضيف الدكتور صلاح: الحكم حاليا من جانب الخبراء الاقتصاديين يكاد يكون شبه مستحيل علي البرامج الاقتصادية لهذه الأحزاب وإن كانت هذه البرامج بصفة عامة لا تقوم علي أساس واقعي ولا يستطيع أي حزب أن يقوم بتطبيق هذه البرامج الاقتصادية دون الاعلان عن آلية فعالة لذلك من أجل ذلك فإنه يجب القيام حاليا وحتي انتخابات رئاسة الجمهورية من جانب المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية بالإعلان عن البرامج الاقتصادية وعمل المناظرات اللازمة لعرض جميع وجهات النظر ولمعرفة المفيد منها للشعب المصري والناخب الذي يدلي بصوته ولا يعرف أي برامج فهو يدلي بصوته للمرشح حتي لو كان هذا الشخص لا يحمل أفكارًا حقيقية قد تفيد البلد، وحتي لا ندخل في دوامة التجارب سواء لكل حزب أو لكل مرشح محتمل للرئاسة فنظل في المربع صفر كما حدث في تجربة الدكتور عصام شرف رئيس وزراء الثورة الذي ظل تسعة أشهر رئيسًا للوزراء ولم يضع برنامجًا محددًا ولم ينته من أي ملف من الملفات المعروضة علي الساحة مثل الملف الأمني والملف الاقتصادي والخطأ الذي وقع فيه النظام السابق لمدة ثلاثين عاما أنه لم يضع برامج واضحة ومحددة بل كان كل شيء يمشي بارتجالية كبيرة ما جعله مع قيام الثورة ينهار في 18 يومًا فقط. ويؤكد جودة في حالة عرض برامج اقتصادية وسياسية يعرف المواطن ما هي الأحزاب الجادة من غيرها ممن يطلق التصريحات النارية وكذلك مرشحي الرئاسة، ونحن ندعو من الآن أن تتبني أي جهة علمية مدنية مناقشة هذه البرامج خاصة الخبراء الاقتصاديين لجميع الأحزاب والمرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية وذلك في ورش عمل يحضرها الجميع وتكون معلنة في معظم وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.