الفلسفة هي علم التفكير النظري للوقوف علي جذور المشكلات وعللها البعيدة، ففلسفة السياسية هي البحث النظري في إشكاليات وقضايا التجربة السياسية، فمنذ عام 322 قبل الميلاد قال أرسطو «إن غياب الحكومة يعني الفوضي»، ومع تطور المجتمعات نشأت الدول بمؤسساتها المختلفة فأصبحت الحكومات المنتخبة هي مجموعة من أفراد الشعب يمثلون حزباً سياسياً حاز علي أغلبية أصوات الناخبين وبات مسئولاً أمام شعبه عن تشكيل حكومة تدير شئون البلاد وتحقق مصالح العباد. وبقدر ما تحقق تلك الحكومة من إنجاز يكون حكم الشعب عليها وعلي حزبها في الجولات القادمة من الانتخابات، وهنا تبرز إشكالية مهمة متعلقة بالرؤية السياسية وبرامج الحزب البديل المنافس علي كسب ثقة الجماهير من جانب، ومن جانب آخر وعي تلك الجماهير وحافزيتها للمشاركة السياسية ومدي وعيها وقدرتها علي المفاضلة بين البرامج السياسية وما تحمله تلك البرامج من ضمانات التحقق علي أرض الواقع. والعلة البعيدة جذر المشكلة في التجربة السياسية المصرية هي نشأة الغالبية العظمي من الأحزاب بشكل يناقض النشأة الطبيعية، فالأصل أن تملك فئة من المجتمع رؤي سياسية وبرامج لمواجهة المشكلات المعيشة متقاربة تمكن تلك الفئة من كسب ثقة الجماهير ومن ثم يتطلب الأمر عندها جمع هؤلاء المتقاربين فكرياً في إطار شرعي لإنشاء كيان سياسي شرعي للمنافسة علي كسب ثقة القطاع الأكبر من الجماهير للحصول علي تفويض من خلال صناديق الاقتراع لإدارة شأن البلاد وهو التداول السلمي للسلطة. أي أن ما ينبغي أن يكون هو أن تأتي برامج الحزب سابقة علي إنشائه ففي بدايات التجربة الديمقراطية كانت فئة محدودة من الأثرياء هي من تمارس السياسة وتصل للمجالس النيابية فيتحالف أعضاء البرلمان المتقاربون فكرياً في تكتلات لإنشاء أحزاب تضم أصحاب الفكر الواحد. لكن ما هو كائن لدي قطاع كبير من الأحزاب هو أن عددًا من الأفراد لا تجمعهم أي أفكار ولا رؤي سياسية فقط تجمعهم الرغبة في الظهور والوجود من خلال قناة شرعية فيجلسون ثم يبحثون فيما بينهم عن اسم الحزب وتوجهه السياسي ولا مانع من استئجار من يصوغ برنامجه علي طريقة «تيجي نعمل حزب؟» فتجد المؤسسين يبحثون عن توقيعات المؤسسين من الأقارب والمعارف والجيران حتي لو كان صاحب التوقيع لا يستطيع التفريق بين الحزب السياسي والنادي الرياضي. وهنا نجد أحزابًا تظهر بلا شعبية وبلا برامج قادرة علي استقطاب الأعضاء والأسوأ أن الأحزاب الكبيرة ذات البرامج والتوجه السياسي المعروف والتاريخ السياسي الناصع تتحول إلي شبه أحزاب أندية تضم الباحثين عن الشو الإعلامي، فحزب مثل الوفد بعراقته ورغم ما قدمه مؤخراً من نموذج للتداول الديمقراطي للسلطة بدأ يتخبط في نشوة العودة للظهور علي الساحة السياسية فتجده يضم أعضاء دون النظر إلي ما إذا كان العضو الحديث يؤمن بمبادئ وفكر الحزب أم لا، فالمهم فقط هو أن يجلس رئيس الحزب إلي جوار شخصية شهيرة لالتقاط الصور لحظة توقيع استمارة العضوية. الدكتورة سعاد صالح انضمت للحزب فصدرت عنها تصريحات ضد الأقباط مناقضة لفكر الحزب ثم عادت وتراجعت عنها فما كان من رئيس الحزب الدكتور سيد البدوي إلا أن سعي لعلاج الموقف بدعوة رجل الأعمال نجيب ساويرس للانضمام للحزب لترشيحه للرئاسة لإظهار ليبرالية الحزب.. فهل يجوز أن يختار حزب مرشحه علي أساس ديني لإثبات ليبراليته؟! إنها الليبرالية المضحكة وفلسفة التخبط.