»الدين هو علاقة الإنسان بربه ويجب ألا يكون وسيلة للابتزاز السياسي« بهذه الكلمات الحاسمة رد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي علي رابطة المحجبات اللائي طالبنه بدعمهن في الانتخابات الأخيرة بعدما رشح حزب العدالة والتنمية محجبة واحدة من بين 40 مرشحة غير محجبة. لم يكن هذا الموقف كما يشرحه لنا الدكتور محمد سعد أبو العزم رئيس مركز القاهرة للدراسات التركية نابعا من مجرد رغبة أردوغان في إحداث توازنات سياسية لكنه ينبع من إيمان بمبادئ الحزب الرامية لأن تكون معبرا عن كل الأتراك وليس ذوي الاتجاهات الدينية فقط. الكفاءة إذن هي المعيار.. لذلك لانتعجب كثيرا عندما نعلم أن أصغر مرشح في البرلمان التركي بلال مجيد 27 عاما ينتمي لحزب العدالة والتنمية ليكون الحزب الوحيد الذي نجح في الاستفادة من التعديل الدستوري الذي خفض سن الترشح للانتخابات البرلمانية من 30 إلي 25 سنة. أما السر فيكمن ببساطة في نجاح الحزب في تربية كوادر شابة كانت بمثابة دعامة أساسية له سواء في الانتخابات أو في تنفيذ برنامجه الانتخابي. في »حملة طرق«الأبواب« نجح الشباب في حصد أصوات الناخبين المؤيدين للعدالة والتنمية.. لم يكن الأمر صعبا عليهم فانجازات الحزب سهلت كثيرا مهمتهم ويكفي دليلا القفزة التي حققها الاقتصاد التركي لتصل إلي الترتيب السادس عشر عالميا. ثراء التجربة التركية ونجاحات حزب العدالة والتنمية يجعلنا نتوقف طويلا عندما نستمع للدكتور أبو العزم وهو شاهد عيان رصد الانتخابات التركية الأخيرة عن قرب مؤكدا علي أهميتها كأحد الدروس التي يمكن أن نستفيد منها وإن كان لايفوته التأكيد أيضا أن لكل تجربة خصوصيتها ومن ثم فهو لايدعو لاستنساخ التجربة التركية لكن فقط لاستلهام ما قد يعيننا علي اجتياز مرحلة المخاض الثوري الصعب نحو بناء دولة ديمقراطية ومشروع مصري النكهة والروح. ❊❊ قبل الخوض في تفاصيل التجربة التركية وجدتني مضطرة للتوقف أمام الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر.. تعقد وارتباك المشهد سواء ماحدث في مسرح البالون أو في ميدان التحرير جعل من الصعب قراءته.. تعددت الروايات وتشابكت التفاصيل وكادت تختفي الحقيقة.. وسط هذه الحالة المربكة اختلفت الآراء وتعددت القراءات لذلك فرض تساؤلي الأول نفسه.. كيف ترصد ماحدث؟ ماحدث يؤكد للمرة الثانية أننا في حاجة لتجاوز الفترة الانتقالية بأسرع ما يمكن .. فليس من مصلحتنا أن تطول هذه الفترة.. فامتدادها معناه أن تظل الحكومة علي نفس الأداء المفتقد للقوة والحسم. ❊❊ من في رأيك وراء تحرك الأحداث نحو الأسوأ؟! هناك علامات استفهام كثيرة أمام ماحدث أولها يتعلق بالتوقيت فتزامن الحدث مع قرار حل المجالس المحلية من ناحية فضلا عن إعلان مجلس الوزراء والمجلس العسكري عن قرب صدور قانون انتخابات مجلس الشعب من ناحية ثانية تجعل أصابع الاتهام تشير إلي أن هناك من يدفع الأمور نحو التأزم ويريد عرقلة المسيرة وأن مصلحته تصب في اتجاه عدم استقرار الأوضاع. ❊❊ ألمح من كلامك إشارة لفلول الحزب الوطني؟ ربما.. لكنني أفضل عدم الاستغراق في نظرية المؤامرة.. صحيح أن فلول الحزب الوطني من المستفيدين من عدم استقرار الأوضاع لكن لايجب أن نغفل وجود أطراف أخري قد تكون خارجية فمن مصلحة دول كثيرة ألا تكون مصر مستقرة.. وهناك مؤشرات كثيرة تدل علي أن هناك أيادي خارجية تعبث في مصر وماحدث يؤكد علي أن هناك من استغل الحدث لإشعال الحريق.. ومع ذلك مازلت أري أن الأمور لن تسير نحو الأسوأ وليس من الصعب اجتياز هذه الأزمة مثلما حدث في أزمات أخري. ❊❊ يبدو تفاؤلك مبالغا فيه؟ ثقتي أنه طالما نحن أقوياء فلن يكون صعبا علينا اجتياز أي مشكلة تواجهنا.. وفي رأيي أن ردود الأفعال الهادئة التي ميزت تعامل الأحزاب وشباب الثورة وأغلبية القوي السياسية مع الحدث سهلت اجتيازه.. صحيح أن تبعات متوقعة ستترتب عليه لكن يقيني أننا سنجتازها سريعا. فما حدث ليس أصعب مما حدث في إمبابة وأطفيح التي استهدف من خلالها النسيج الوطني.. ومع ذلك تمكنا من احتوائها. ❊❊ هل تتوقع أن يدفع ماحدث القوي السياسية لتجاوز الجدل الدائر حول الدستور أولا أم الانتخابات بالبحث عن حل توافقي.. هل هذا مايدفعك للتفاؤل؟ أعتقد أن هذه الأحداث درس مهم للجميع لإدراك أهمية تجاوز مرحلة الجدل والبحث عن حل توافقي وعموما لست قلقا من خلافات القوي السياسية لأن الحل ببساطة هو الاحتكام للصندوق وللشارع وللناس فهي تختار ما تراه لكن مايقلقني أن يدفعنا الخلاف إلي المجهول أو إطالة الفترة الانتقالية بحيث يتحول هذا الخلاف إلي استعراض قوي وصراع. وفي رأيي أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في إظهار المشهد علي هذا النحو تماما مثلما حدث في الانتخابات التركية الأخيرة. ❊❊ كيف رصدت دور الإعلام هناك خلال فترة تواجدك لمتابعة الانتخابات التركية الأخيرة؟ كان أداء الإعلام بكل صوره المقروءة والمرئية من صحف وفضائيات يركز علي مايشبه حملة مضادة علي حزب العدالة والتنمية بشكل جعلني أتساءل هل يمكن للحزب أن يحقق نجاحا بعد كل هذا الهجوم الموجه ضده، كان الهجوم بالطبع مبررا بسبب سيطرة العلمانيين الأتاتورك علي أجهزة الإعلام والذين لم يدخروا وسعا في كيل الاتهامات لحزب العدالة والتنمية بأنه حزب يمثل البرجوازية الإسلامية وأنه نجح في خداع الفقراء بتقديم الرشاوي الانتخابية وأنه حزب رجعي يريد أن يأخذ بتركيا إلي الوراء وأنه ورطها وأساء إليها وكاد يضيع مستقبلها وتقدمها. ❊❊ ورغم هذا الهجوم الشرس نجح الحزب بنسبة 50٪ فما هي العصا السحرية التي امتلكها؟ نجح الحزب لأنه ببساطة رصد أحلام وهموم الناس ونجح في تحقيقها. علي عكس آخرين اتخذوا من وسائل الإعلام بوقا لهم بينما تفصلهم فجوة كبيرة عن مشاكل الشارع.. لذلك كان من الطبيعي أن يصوت الناس في النهاية للحزب الذي شعر بهم ورصد مشاكلهم وقدم إنجازات لهم. هذا هو سر النجاح والعصا السحرية التي تتحدثين عنها والتي يجب ألا تغيب عن الأذهان للقوي السياسية لتدرك أن الناس لاتحتاج لكلام أو وعود وإنما إلي مشاريع تترجم همومها وأحلامها. وبرامج تنفذ هذه المشاريع وتحولها إلي أرض الواقع. ❊❊ ماهو حجم الإنجاز الذي حققه حزب العدالة والتنمية طوال السنوات الثمانية الذي تولي فيه حكم تركيا؟ الحزب حقق الكثير ومن الأمور التي يفخر بها أنه نجح في بناء 420 ألف شقة للفقراء علي مدار السنوات الثمانية بينما لم يتم بناء سوي 50 ألف شقة فقط خلال 80 سنة قبل تولي الحزب حكم تركيا. ❊❊ لكنك تحدثت أيضا عن رشاوي انتخابية اتهم الحزب بتقديمها؟ هي مجرد اتهامات يحاول بها خصومه النيل منه فالحزب لم يعتمد علي تقديم الرشاوي وليس في حاجة لذلك لأن لديه برنامجا واضحا لحل مشاكل كل الأتراك. ❊❊ هل تتوقع أن تمر الانتخابات المصرية أيضا بدون تقديم رشاوي انتخابية؟ ليس من المستبعد حدوث ذلك لأن الناس أدركت حقيقة أن لصوتها قيمة وأن الوطن أصبح ملكا لها وأن كرامتها مصانة واحترامها مقدس والدليل علي ذلك تلك الطوابير الضخمة التي شاهدناها يوم الاستفتاء.. هذا المشهد الفارق أكد أن الشعب أصبح قوة لايستهان بها ولايجب أن نستخف بهم.. ومن غير الوارد نجاح من يقدم علي تقديم رشاوي انتخابية لهم فربما كان ما يدفع البعض لقبولها هو إحساسه بأن صوته لاقيمة له لذلك لايشعر بالحرج من بيعه مقابل 50 جنيها أو حتي كيس سكر، لكن بعد الثورة لاشك أن الأمور تغيرت لأن الكل يشعر أنه يشارك في صنع وطن جديد. ❊❊ الحديث عن الثورة يجرنا للحديث عن الشباب الذي فجرها لأتساءل كيف نرصد زخم الائتلافات هل هي ظاهرة صحية أم العكس؟ من الطبيعي أن تظهر العديد من الائتلافات بعد نجاح الثورة في إسقاط النظام.. لكن أخشي أن يقع الكثير من ائتلافات الشباب في خطأ الاعتقاد بأن النجاح في تصدر المشهد السياسي معناه التركيز علي الظهور في المؤتمرات والفضائيات وإجراء حوارات في الصحف. مع إغفال أن العمل السياسي الأمثل يتطلب الالتحام بالشارع ورصد مشاكل الناس وهمومها والعمل علي حلها. ❊❊ وماذا عن تجربة الشباب التركي كيف نجح في أن يكون صدي لهموم ومشاكل مجتمعه؟ نجاح الشباب التركي في خوض العمل السياسي يرجع إلي قدرة حزب العدالة والتنمية في جذب هؤلاء من خلال مشروع كبير طرحه الحزب دفع العديد من الشباب لتبنيه والمشاركة فيه. فحزب العدالة والتنمية نجح في خلق مناخ صحي وديمقراطي وأعطي اهتماما كبيرا بالشباب وبدأ في تأهيله علي ممارسة العمل السياسي لتربية كوادر وكفاءات تتولي قيادة الحزب فيما بعد. هذا المشروع بدأه الحزب منذ عام 2002 وها هو الآن يحصد ثماره.. فهناك لجنة خاصة بالشباب تعد إحدي اللجان الهامة المشاركة في صنع القرار داخل الهيئة العليا للحزب .. هذه اللجنة لايجوز مشاركة أو تولي مسئوليتها أي شخص تعدي سنه 29 عاما هذا الاهتمام الكبير بالشباب أثمر نجاح أحد كوادر الحزب الشابة وهو بلال مجيد 27 عاما في أن يصبح أصغر عضو في البرلمان التركي وليصبح بذلك حزب العدالة والتنمية الحزب الوحيد الذي استفاد من التعديل الدستوري القاضي بخفض سن الترشح للانتخابات البرلمانية من 30 إلي 25 عاما. ليس هذا فقط فمن بين مستشاري أردوغان هناك مجموعة من الشباب الأكفاء الذين تم اختيارهم لتأهيلهم وتدريبهم علي حمل راية الحزب فيما بعد. ❊❊ وهل من المنتظر أن يكون بينهم أردوغان آخر؟ بالطبع وهنا أحب أن أذكر أن أردوغان رغم كل ماحققه وما يحققه من نجاح إلا أنه لن يكون رئيسا للوزراء عام 2015 ليس بسبب أن قانون تركيا يمنع تكرار ترشحه لكن لأن الحزب نفسه لن يرشحه وعندما سألت عن السبب قالوا أن لديهم مائة أردوغان.. وكان هناك تساؤل مطروح قبل الانتخابات الأخيرة هل يمثل أردوغان الحزب أم أنه حان أوان طرح مرشح آخر وحسم الجدل لصالح أردوغان بعد رأي الحزب أنه في حاجة لأردوغان في هذه المرحلة وأن الشباب في حاجة لأربع سنوات أخري لإتمام تأهيلهم ونضجهم السياسي وزيادة مهاراتهم وكفاءاتهم لتولي هذا المنصب. ❊❊ هل التقيت بهذه النماذج الشبابية المتميزة؟ التقيت برئيس لجنة العلاقات الخارجية بالحزب باسطنبول وعمره 31 عاما وشكله يبدو أصغر كثيرا من سنه ومع ذلك يبهرك بقدرته علي إدارة مؤسسة عملاقة كالتي يتولي رئاستها وبرؤيته الواضحة العميقة.. هو علي دراية تامة ليس بتاريخ تركيا وحاضرها فقط لكنه يمتلك أيضا رؤي واضحة حول مستقبلها كيف تكون عام 2020 و2023 وماساعده علي ذلك أن برنامج الحزب نفسه يتبني هذه النظرة المستقبلية والتي تعكسها اللافتات الانتخابية بشكل واضح.. فاللافتة الدعائية التي تحمل صورة أردوغان نجدها تحمل أيضا الهدف (2023) وهو الشعار الذي رفعه الحزب في كل شارع بتركيا ليحمل برنامجا واضحا لما ستكون عليه البلاد في المستقبل. هذا البرنامج حمله الشباب فيما أطلق عليه »حملة طرق الأبواب« استعانوا به في تقديم إنجازات الحزب للناخبين وتصورهم لما يمكن أن تصبح عليه تركيا في ظل حكم العدالة والتنمية. لم يعتمد الشباب علي الكلمات الجوفاء ولا الوعود الكاذبة لكن كان كلامهم موثقا بالأرقام.. كيف كانت تركيا قبل العدالة والتنمية وكيف صارت اليوم والصورة التي ستكون عليها عام 2023. شرح الشباب للناخبين كيف كانت تركيا تعاني من التضخم حتي أن سعر الرغيف وصل إلي 3 ملايين ليرة، تضخم وصل إلي 90٪ أما اليوم فوصلت تركيا لتحتل المركز السادس عشر اقتصاديا علي مستوي العالم، ويهدف الحزب لأن تصل إلي المركز العاشر عام 2023. ليس هذا فقط فسجل إنجاز الحزب حافل بالإنجازات علي سبيل المثال تم رصف أكثر من 16 ألف كيلو متر من الطرق السريعة منذ عام 2002 وحتي الآن بينما لم يتم رصف سوي 40 ألف كيلو متر فقط في الفترة السابقة علي تولي حزب العدالة والتنمية الحكم.. وما يذكر في مجال رصف الطرق يمكن تطبيقه أيضاً علي كافة المجالات سياحة صحة .. تعليم .. إسكان وغيرها. هذا البرنامج الواضح وهذه الإنجازات جعلت شعبية الحزب في ازدياد مستمر ليصبح حزبا لكل الأتراك كما أراده قادته وليس للإسلاميين فقط. ❊❊ وهل رصدت مؤشرات علي ذلك؟ هناك الكثير فالانطباع الأول الذي أثار دهشتي أثناء زيارتي لمقر حزب العدالة والتنمية في أسطنبول هو هذا العدد من غير المحجبات، كذلك لاحظت أن لجنة الشباب بالحزب والتي كانت مهمتها طرق الأبواب للدعاية للحزب كانت تضم أيضا فتيات غير محجبات أما السبب في ذلك هو أن الحزب بالفعل نجح في أن يصنع نهضة حقيقية لتركيا ومن ثم يشعر كل من ينضم إليه أنه يشارك في صنع هذه النهضة. ❊❊ لكن ألا يميل الحزب لاختيار ودعم بشكل أكبر من يتفق مع مرجعيته الدينية؟ علي الإطلاق والدليل علي ذلك أن هناك ضجة كبيرة أثارتها المحجبات من خلال العديد من الائتلافات التي تضمهن بسبب أن الحزب رشح 40 سيدة ليس من بينهن سوي محجبة واحدة فقط، وهو ما أثار غضب المحجبات اللاتي طالبن إردوغان لدعم المحجبات المستقلات مادام لم يدعمهن في حزبه وهددنه بأنه سيخسر أصواتهن إن لم يلتزم بذلك وكان رده هو رفض هذا الطلب مؤكدا علي أن الحجاب والدين بشكل عام هو علاقة بين العبد وربه ولايجب ألا يكون وسيلة للابتزاز السياسي. وأن معيار الاختيار عنده هو الكفاءة فقط. ❊❊ لكن ألا تري أن هذا الموقف يمكن تفسيره علي أنه نوع من الغزل السياسي للشارع التركي العلماني؟ بالطبع لايخلو الأمر من مواءمات سياسية لكن دعيني أؤكد لك أن الشارع التركي ليس بهذه الصورة التي في ذهنك، فالأغلبية ليست علمانية وهناك نسبة محجبات ملحوظة وزاد عدد المساجد بشكل واضح.. كما أن الحجاب كان إشكالية حتي شهور قليلة مضت وكان يحظر ارتداؤه في المؤسسات الحكومية والجامعات لكن الأمر تغير الآن بعد تعديل دستوري سمح للمحجبات بارتدائه. ❊❊ كيف نجح الحزب في اجتياز مشكلة الحجاب رغم مابدت من تعقد وصعوبة طوال السنوات الماضية؟ حسمها ببساطة من خلال الشفافية والوضوح والتعامل مع الحجاب باعتباره قضية حقوقية وحرية شخصية وليست دينية دون المزايدة برفع شعارات إسلامية وإنما التركيز علي أن الإسلام هو دين يعلي من شأن حرية الفرد وحقوقه الشخصية. ❊❊ لكن في المقابل ألا يتعرض أردوغان لضغوط من قبل مايمكن وصفهم بالملتزمين دينيا؟ ليست ضغوطا وإنما نداءات من بعض المتدينين لمطالبتهم بسن قوانين لمنع تداول الخمور وضبطها .. وهنا رد أردوغان بأنه لايستطيع فرض وسن أي قانون إلا إذا كان يعكس مطلب شعبيا للأغلبية.. لكن علي الجانب الآخر لجأ أردوغان لحل بديل وهو عمل حملات توعية لمكافحة الإدمان بكل صوره مخدرات .. تدخين.. خمور.. ودعم مؤسسات المجتمع المدني للقيام بهذه الحملات لتوعية الناس بأخطار الإدمان هذه الحملات شملت كل قرية وكل شارع وكل حي بتركيا.. وأعتقد أن مافعله أردوغان يعد درسا مهما لنا في مصر بأن يكون التغيير عن طريق الإقناع لا بالضغط. ❊❊ أعتقد أن هنا بالتحديد يمكن تخوف الكثيرين من وصول الأحزاب ذات المرجعية الدينية للحكم لتفرض قناعتها ورؤاها بالحديد والنار وليس بالحكمة والموعظة الحسنة؟ لا أعتقد أن ذلك سيحدث لسبب بسيط أن هناك حكما عانينا منه جميعا باستخدام القوة والحديد والنار ومارس الديكتاتورية علي مدار 30 عاما فماذا كانت النتيجة أن الشعب ثار وأسقط هذا النظام القمعي. ❊❊ لكننا انتظرنا 30 عاما حتي تحرك الشعب الصامت؟ ماحدث في ثورة 25 يناير يثبت أن الزمن لن يعود للخلف وأن الشعب أدرك حجم قوته وعرف الطريق وأصبحت لديه القدرة والجرأة علي التحرك والتعبير والاحتجاج، جرأة تصل أحيانا لحد مبالغ فيه وأحيانا يساء استخدامها لكنها في النهاية تؤكد أن أحداً لن يتنازل عن حقه ولن يسكت عن الظلم ثانية. ولن يقبل أن يهان أو تهدر كرامته أو يفرض أحد عليه استبداده وسطوته حتي لو كان ذلك باسم الدين، لأن الشعب علي ثقة من أنه يملك إرادته وأن مصير من يحاول خذاعه أو يعمل في غير صالحه سيكون نفس مصير النظام السابق. ❊❊ كلماتك تفتح الطريق أمام الاحتذاء بالنموذج التركي لتطبيقه في مصر؟ يجب ألا ننسي أن لكل مجتمع خصوصيته وظروفه وحضارته ومن الصعب أو من المستحيل استنساخ التجربة التركية في مصر لكن من المهم الاستفادة منها ومن النجاحات التي حققتها وأول درس يجب التنبه إليه هو أن نجاح حزب العدالة والتنمية يرجع إلي أنه أصبح حزبا لكل تركيا وليس لفصيل أو تيار بعينه. بل وصل الأمر إلي أن الحزب بعدما تمكن من الوصول لهدفه وهو وضع دستور جديد للبلاد لم يطرح مشروعا خاصا أو مسودة أولي للدستور بل دعا جميع الأحزاب والقوي السياسية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار لوضع مسودة للدستور تحظي بأكبر توافق ممكن ثم تعرض علي البرلمان ليقرها.. هذه الرسالة التي أراد الحزب توصيلها تؤكد علي أنه حزب منفتح علي الجميع لايريد فرض أجندته الخاصة في قضية خطيرة مثل قضية الدستور وآثر أن يتم ذلك بالتوافق بين جميع القوي. ❊❊ هذا عن الداخل ماذا عن السياسة الخارجية. كيف نجح الحزب في أن تصبح تركيا نجما صاعدا يفرض نفسه بقوة علي الساحة الإقليمية والدولية؟ خطاب النصر الذي ألقاه أردوغان بعد فوز حزبه في الانتخابات يعكس بوضوح سياسة تركيا الخارجية حيث قال: »أنا في أنقرة لكن تركيا ليست في أنقرة واسطنبول فقط بل نحن أيضا في بيروت والقدس والقاهرة ودمشق« كلمات لها دلالتها وتعكس ثقة في أن يصبح لتركيا دور إقليمي فعال. ❊❊ وماذا عن الحلم التركي بالانضمام للاتحاد الأوروبي ألا تتفق معي أن تركيا غيرت وجهتها نحو المشرق.. هل تخلت بذلك عن حلمها أم أنها بحثت عن باب آخر للولوج منه لحلها القديم؟ تركيا بالطبع لم تتخل عن حلمها بالانضمام للاتحاد الأوروبي وإن كان سؤالا مطروحا هناك حول مدي مايحققه الانضمام من مكاسب لتركيا الآن في ظل أزمات اقتصادية تعاني منها العديد من دول الاتحاد أبرزها اليونان وأيرلندا وبريطانيا والبرتغال وأسبانيا لدرجة أن هناك تفكيرا في عدم الاستمرار في تطبيق العملة الموحدة (اليورو) وعلي عكس الحال تماما يأتي الاقتصاد التركي ليحقق نجاحات واضحة ليدفع وزير خارجية بريطانيا الأسبق للقول »يجب أن يدرك الأوروبيون أن حساباتهم كانت خاطئة تجاه تركيا«. ❊❊ إلي أي مدي يمكننا الاستفادة من التجربة التركية؟ إلي درجة كبيرة وهناك مناخ موات لتحقيق ذلك لأكثر من سبب أولا أن هناك رغبة من الأتراك للتواصل معنا وهي تريد أن تلعب دورا يتكامل مع الدور المصري ولا يتقاطع معه وتقدم نفسها للعرب علي أنها شريك يمكن أن يساهم في نجاح قضاياه الكبري. وهناك محاولات جرت في عهد الرئيس السابق مبارك لتوطيد هذه العلاقات وطرحت تركيا مشروعها لفتح الحدود بين البلدين إلا أن مبارك رفض لتصل الرسالة لتركيا بأن النظام المصري يريد للعلاقة بين البلدين أن تبقي عند حدود معينة. وأعتقد أن الأمر تغير بعد ثورة 25 يناير وأن السياسية الخارجية المصرية تسير في اتجاه تحسين العلاقات ومن المنتظر أن يقوم أردوغان بزيارة مصر في أواخر هذا الشهر بصحبة وفد من رجال أعمال واقتصاديين وسياسيين وشباب .. وفي رأيي أن تغيير السياسة المصرية تجاه تركيا وغيرها سيصب في صالح مصر ويفتح لها الطريق للاستفادة من كل التجارب الديمقراطية لتجعلها تخطو بشكل أسرع نحو بناء مشروعها الخاص الذي نسعي جميعا لاكتماله.