رحم الله الأستاذ " أنيس منصور"، رحمة واسعة، فكان ضوءًا مشعًا لمحبي القراءة، والمعرفة، وأيضاً للمهمومين بالوطن وشئونه وخاصة في عصر من أهم عصورنا الحديثة (عصر السادات) حيث كان المرحوم "أنيس منصور" من أكثر الصحفيين والأدباء المقربين للرئيس الراحل "السادات". وتمتع المرحوم الأستاذ "أنيس منصور" بحضور عالٍ جداً، حيث يمكن في جلسة أن يثُلِبْ كل مستمعيه إلي مايقصه، من أحاديث ووقائع (بطريقته)! والتي أيضاً لا تخلو من تعليقاته الخاصة جداً علي ما ينقله من معلومات أو أحداث! ولقد كان من حظي أن أرافق الأستاذ "أنيس منصور" لعدة مرات في رحلات خارج البلاد، فلقد رافقته إلي معرض (هانوفر) للسجاد الميكانيكي لمدة تزيد علي عشر سنوات، كان اللقاء بيننا يتم بالدعوة الكريمة من الصديق المشترك "محمد فريد خميس"، وكانت مصاحبة الأستاذ شيئًا من الخيال. ولقد ارتاح الأستاذ لمزاملتي في رحلاته المتكررة، لعدة أسباب، ربما لإحساسه باستمتاعي بأحاديثه، فكنت خير مستمع لا متحدثاً،كما كنت أتحدث فقط حينما يسألني عن شيء، وبالقطع هذا شيء يرتبط بتخصصي في (صناعة السجاد) أو في (العمارة)، "والتخطيط للمدن "وجمال "العناصر الزخرفية" علي الجدران وغيرها من فنون. وكان المرحوم "أنيس منصور" وهو من كبار الحكائين المصريين لا ينقطع أبداًَ عن الحديث، كان دائماً متحدثاً عن كل ما نراه ويربطه بشجون وأفراح الوطن. وأتذكر في إحدي رحلاتي ومصاحبتي له، كان الفنان "عمر الشريف"، هو نجم هذه الرحلة، حيث استعانت به شركة (النساجون الشرقيون ) كفنان مصري عالمي، لكي تنتج بعض تصميمات السجاد المصري، مستوحية الأفكار التصميمية من الأفلام العالمية للفنان المصري الكبير، وقد نجحت هذه الفكرة الصناعية الفنية، نجاحًا منقطع النظير، إلا أنها (قَلُبِتْ بَّغَمْ)! بعد أن انتشر الخبر في معارض دولية مثل (هانوفر ألمانيا) و(أطلانطا -أمريكا) و (لاس فيجاس أمريكا)! حيث كان الفنان "عمر الشريف"، قد وقع عقداً مع آخرين في "تونس" عن استحقاقهم لكل الحقوق لما يعلن عنه " عمر الشريف" تجارياً، وهذا ما جعل المشكلة تعود إلي الجهة المنفذة (النساجون الشرقيون) مصر!! وهذه قصة أخري! وكانت تلك الرحلة بمصاحبة الأستاذ "أنيس منصور" والأستاذ الدكتور "صبري الشبراوي"، والمرحوم الأستاذ "رشاد أبو سعدة"، ووزير الصناعة الأسبق مهندس "محمد عبد الوهاب" وبالقطع كانت هذه الصحبة المصرية المتميزة في رحاب أكبر المعارض في العالم، "هانوفر وأطلانطا " قد استغرقت أكثر من أسبوعين، نعيش معاً ونأكل معاً، ونستقبل المعجبين بالإنتاج المصري والفن المصري، وكان "عمر الشريف" أكثرنا كرماً في هذا حيث وقف أمام "استاند العرض" للشركة فخوراً وإن كانت انقلبت بغم "أيضاً"! نتيجة المود المتغير للفنان! إلا أنه كان هناك الأستاذ/ أنيس منصور دائماً الفيلسوف المحتوي لكل ما يحدث من تناقضات، والجاذب للجميع في الاتجاه الذي يحدده هو وليس غيره! كان عظيماً وسوف يظل عظيماً بما تركه لنا من كتب ومفاهيم ومقالات ومشاركات مصورة ومسجلة، لقد حرصت أن أسجل للأستاذ /أنيس منصور كل ما قاله وكل ما علق عليه في رحلاتي معه، الشيء الوحيد الذي كان يقلقني في مصاحبتي معه، هو أنه يقوم من النوم الساعة الرابعة صباحاً وأول من يناديه أنا لكي أساعده في إيجاد كوب شاي ساخن، وقليل من عسل النحل، وكنت لا أخيب ظنه أبداًَ حتي ونحن في درجة حرارة 20 تحت الصفر في إحدي ليالي يناير بمدينة "دالتون" بولاية "جورجيا" حيث لم أخيب ظنه أبداً. رحم الله "أنيس منصور" رحمة واسعة!