رحل الأستاذ أنيس منصور الصحفي الكاتب الفيلسوف.. والإنسان رجل غريب لا يستطيع النوم كثيرًا لأنه درب نفسه علي عدم النوم طويلا واستغل الساعات التي وفرها في أن يتعلم وأن يتثقف ثم أن ينقل العلم والثقافة لنا نحن الذين نمنا ساعات طويلة. كانت لغته في الكتابة رشيقة بسيطة سلسلة.. كان إذا تحدث يكون قصير الحديث لأنه يريد أن يسمع، حتي وإن كان الحوار تافهًا أو سطحيا، رجل غريب لأنه كان يسعي للعلم بكل جوارحه، يسعي للمعرفة. تعلمت منه الكثير وأنا أقرأ له، وتعلمت أكثر عندما اقتربت منه وسمعت عن حياته وأسلوبه. اخترت أن يكون عنوان مقالي في وداع أنيس منصور هو «أنيس جدا منصور جدا جدًا» وهو عنوان المقال الذي كتبه أنيس منصور لرثاء صديقه مصطفي شردي في أخبار اليوم منذ 24 عامًا، كان واحدا من أروع ما كتب بعد رحيل أبي وأستاذي «شردي» واليوم رغم مرور كل هذه السنين استخدمت نفس العنون الذي شرح فيه أستاذنا أنيس منصور كيف كان شردي في حياته الصحفية يستخدم كلمة «جدًا» لذلك يا أستاذ أنيس لقد كنت مثقفا جدًا وإنسانا جدا جدا. لم تكن رحلة أنيس منصور مع الحياة سهلة ولكنها بالنسبة له كانت رحلة تحصيل دائم.. كأنه يتسلي ذلك الرجل وهو يترجم ويقرأ بعدة لغات لم يدخل أنيس منصور مدارس لغات ليتعلم، بل لم يعتمد في تعلمه للغات علي الجامعة. لقد اخترع أنيس منصور طريقة خاصة ليعلم نفسه اللغات، كان يقرأ الكتب ويترجمها كلمة كلمة ليتعلم اللغة. وكان يتبادل مع بعض الأصدقاء دروس اللغات حتي لا يكلفه التعليم شيئا. في الستينيات كانت مجموعة ضخمة من أبناء أخبار اليوم تتبع برنامجًا وصفه أنيس منصور للانشغال في فترة بعد الظهر في الشوارع المحيطة بالمبني حتي يعودوا للعمل مساء دون الحاجة إلي النوم، وكانوا عادة يذهبون إلي السينما لأنها مكيفة وكراسيها مريحة نسبيا.. واكتشف بعضهم بعد ذلك أن الأستاذ أنيس يخرج من الفيلم في الكثير من الأحيان.. وأن ذلك سببه خوفه من أن ينام في الكرسي. وكان يخرج ليجلس في أي قهوة في وسط البلد ثم يعود إلي أصدقائه قبل نهاية الفيلم بدقائق. رحم الله أنيس منصور الذي انشغل سنوات وسنوات ليكتب عن أشياء لا نعرفها فتتسع مداركنا.. رحم الله أنيس منصور الفيلسوف الذي قدم لنا نظرية مخلوقات الفضاء الذين بنوا عجائب الأرض.. وقدم لنا عظماء التاريخ وأيام صالون العقاد رجل كان يعشق الرحلات وحول عينيه إلي آلة تسجيل تعيد عرض ما شاهده عبر قلمه في زمان لم تكن فيه أجهزة تصوير متطورة ولا إنترنت.. كان وصف أنيس منصور للرحلات حول العالم يحملك في عالم من الخيال وتتحول كلماته إلي صور ملموسة أو مذاق واضح علي شفتي القارئ لقد عاش هذا الإنسان بيننا وحفر اسمه في تاريخ الأدب والثقافة والإعلام في الوطن العربي أستاذ وفيلسوفا من أبناء الدقهلية علمنا الكثير.. حمه الله.