لم يكن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك يقتصر في ظلمه وطغيانه واهماله علي القري الفقيرة المهمشة التي كثيرا ما عاني اهلها من التهميش وانما امتد الخراب ليطال بعض القري التي ترتقي الي مستوي العالمية والمتفردة عن غيرها بثقافات او انشطة او تقاليد تجعل منها خزانة متحركة للدولة من خلال جذب السياح اليها من كل مكان في العالم بل تمادي التدهور ليجهل المصريون بوجودها في الدولة من الاصل وكم من العيب أن توجد قرية في الصعيد يعرفها الفرنسيون بيتا بيتا ولا يسمع عنها المصريون. انها قرية «جراجوس» إحدي قري محافظة قنا التي تبعد عنها بنحو30 كم والتي تعد الاشهر عالميا في صناعة الفخار والخزف والتي استطاع اهلها ان يحولوها إلي مدينة سياحية يرتادها آلاف السياح من شتي أنحاء العالم لمشاهدة الحرفة والصناعة التي يتقنونها. منذ ما يقرب من ستين عاما وتاريخ «جراجوس» حافل بالأحداث حينما جاء إليها باحث من الشام سنة 1940اسمه هنري حبيب عيروط مؤسس جمعية المدارس 1280 مدرسة علي مستوي الجمهورية وكان يرافقه راهب يسوعي فرنسي اسمه ستيفان دو مونجولفييه الذي جاء لتعلم اللغة العربية وكان له اهتمامات بالمهمشين والفقراء وسكان جراجوس علي وجه الخصوص ففكر في إنشاء مدرسة لتعليم شباب وأطفال القرية صناعة الفخار. وأنشئ مصنع جراجوس للخزف وهو صرح عظيم شيده المعماري المصري حسن فتحي الذي عرف في الستينات كبطل ل "عمارة الفقراء"، - وهو نظام العمارة الذي يعتمد بالأساس علي المكونات البيئية والمحلية - علي هيئة متحف، وأسسه الراهب الفرنسي استيفان ديمون، ليكون علي رأس الخريطة السياحية العالمية وحظي بزيارة ملك السويد في عام 1986م. ويظل هذا المصنع رغم المتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية شاهدا علي عبقرية الفنان المصري الجنوبي الذي وظف إمكانيات البيئة المحيطة في مجال الفن التشكيلي . وبسبب اهمال الحكومة تجاه هذه القرية وعدم الاهتمام بها اصبح هذا الصرح الشهير خارج نطاق الخدمة السياحية الامر الذي ادي إلي انخفاض الإنتاج إلي أكثر من النصف وبناء عليه توقفت الافواج السياحية بعد ما كانت تضع جراجوس علي رأس قائمة الزيارات. وفي مدونتها التي تحمل عنوان "ولع مصري"، تقول الفرنسية كلير فافر أن قرية جراجوس شهدت ازدهار صناعة وفنون الخزف بفضل الطين الأسواني الشهير الذي يتكون من الطمي المراكم علي مدي أعوام طويلة علي ضفاف النيل بفعل الفيضان. وهو العنصر الذي أصبح علي مدار السنوات مصدرا للفن والحرفة اليديوية التي اختارها معظم سكان هذه القرية الذين لا يزيد عددهم علي 35 ألف شخص ، 5% منهم من الأقباط. كشفت إيمان مهران في كتاب صدر عام 2003 بعنوان "الخزف في جراجوس"(دار الأنجلو المصرية) عن العلاقة بين تاريخ صناعة الخزف في مصر وأماكن ازدهارها وبين صعيد مصر وتطوره. وإذا كان الطمي هو هبة النيل لسكان قرية جراجوس ، فإن المفارقة أن فن الخزف والفخار قد وصل إليهم من مكان بعيد للغاية.. إذ تروي "فافر" أن إحدي إرساليات المسيحيين الجزويت (اليسوعيين) قد وصلت إلي مصر في نهاية القرن التاسع عشر واستقرت في الصعيد لتبني إحدي أقدم الكنائس الكاثوليكية في مصر وهي كنيسة جراجوس عام 1863 . وبعد الحرب العالمية الثانية ، وبالتحديد في عام 1945، بدأ الجزويت في تكثيف أنشطتهم في قري الصعيد، وبحث الأب ستيفان دو مونجولفييه مع أعضاء البعثة الفرنسية للتنقيب الأثري إمكانية بناء ورشة لصناعة الخزف والفخار.