ضاعف دخول العام الدراسي من أوجاع ميزانية الأسرة التي تلقت ضربات عديدة في رمضان ثم عيد الفطر وحتي إجازة المصيف " روز اليوسف " قامت بجولة في منطقة العتبة والموسكي ووسط البلد بالقاهرة حيث أكبر أسواق الملابس في مصر والتي يشتد فيها الزحام علي مدار 20 ساعة يوميا حيث يفد المواطنون والتجار من كل القري والمحافظات إليها لشراء ملابس العيد ثم الزي المدرسي والحقائب الدراسية والأحذية لزوم العام الدراسي الجديد ، ويمتلئ الشارع بالباعة الجائلين ، وكافة أنواع الملابس لكافة الأعمار من الطبقة الشعبية ولذلك فإن رواده من البسطاء أسعارها في متناول الجميع، وزاد الإقبال علي العتبة والموسكي الفترة الأخيرة حيث موسم ازدهار المبيعات قبل بدء العام الدراسي . وشملت الجولة التي استمرت عدة أيام شارع الفجالة بمنطقة رمسيس والذي تزدهر فيه مبيعات الأدوات المكتبية والخردوات والكتب الخارجية والملخصات حيث يوجد به أكبر سوق لتلك الأدوات في مصر وتورد لكافة مكتبات الجمهورية ، وتشهد الفجالة زحاما شديدا من الزائرين من القاهرة والمحافظات . سألنا رواد تلك المناطق ، فقال " أحمد أبو المكارم " - موظف من محافظة الغربية - حضرت إلي القاهرة لشراء مستلزمات الدراسة لأولادي الثلاثة الذين يدرسون في مراحل تعليمية مختلفة بالتعليم الأساسي ، وهو أمر ليس بهين ، ويستطرد : تمر تلك الفترة علي من كل عام بضيق شديد واختناق تام نتيجة الأعباء المالية الزائدة والتي لا يستطع أحد الهروب منها أو تجاوزها، وتحدث عن هذا الموسم بداية من شهر رمضان وأنه رغم كونه شهر العبادة والصيام والقرآن إلا أن ميزانية المأكولات والمشروبات والحلويات تتضاعف عدة مرات عن باقي شهور السنة بسبب كثرة العزائم للأقارب والمعارف بل وحتي متطلبات أهل بيته فتختلف عن الأوقات الأخري . أزمة تواجه المواطنين أما دخول عيد الفطر فيمثل عليه عبئا آخر لأنه لابد من شراء الملابس الجديدة والأحذية لكل أفراد أسرته مما يكلفه أكثر من ألفي جنيه ، ويليه دخول المدارس الذي يقضي عليه تماما، بعد اضطراره لشراء طقمين من الزي المدرسي المحدد لكل مرحلة دراسية والشنط لكل من أولاده الثلاثة أي 500 جنيه لكل واحد بإجمالي 1500 جنيه، إضافة إلي الأدوات المكتبية من الكراسات والكشاكيل والأقلام وخلافه والتي تكلف أكثر من ألف جنيه بداية كل فصل دراسي ، وبحسبة بسيطة يتكلف أبو المكارم ما يزيد علي 6 آلاف جنيه في شهرين في الوقت الذي يصل فيه أجره كموظف من 20 سنة 1500 جنيه خلال الشهرين ، أي ضعف راتبه ب 4 مرات كاملة ،مما يعجز تفكيره عن توفير الأموال اللازمة لتلك الفترة . وعن كيفية توفير تلك المبالغ يقول أضطر للدخول في جمعية مع بداية كل عام علي أن أتقاضاها في توقيت متزامن لموسم انفجار الميزانية ، وهذا هو الحل الوحيد خاصة أن الأزمة تواجه كافة المواطنين ولا ينجو منها أحد . حرب شرسة تواجه ميزانية الأسرة في الفترة الحالية حربا شرسة لتوفيق أوضاعها ، بعد أن استنزفتها مائدة رمضان وملابس العيد والكعك والعيدية حسب قول " آمال إبراهيم " إخصائية اجتماعية -40 سنة - والآن تواجه أعباء جديدة تتمثل في مصروفات العام الدراسي الجديد والتي لابد من توفيرها للحصول علي الكتب الدراسية والحقائب والكراسات والكشاكيل والملخصات والأقلام والمساطر وخلافه ، إضافة إلي ضرورة شراء عدد من الملابس والأحذية الجديدة . وغيرها من مستلزمات بدء الدراسة. " آمال " التي يوجد في أسرتها 3 أطفال تشير إلي أن أسرتها تواجه تلك الأزمة في ظل ارتفاع الأسعار المستمر والذي طال كل شيء ، وثبات معظم دخول الآباء والأمهات من الموظفين ، وإلحاح الأطفال علي أن يكون لديهم الجديد دائما ، متسائلة : كيف يذهبون إلي المدرسة بملابس أو أحذية العام الماضي ؟ وتستطرد : علي كربة أسرة تحمل تلك الأعباء والتي تتسبب في اشتعال المشاكل والخلافات داخل بيت الزوجية ، والحرمان من كل شيء من أجل توفيرها ، خاصة أن كافة المتطلبات أساسية وتتعود عليها الأسر المصرية وغالبيتها من مظاهر البزخ والترفيه إلا أنها لابد منها ، خاصة أن الأولاد ينظرون إلي غيرهم ولا يجب أن يتم حرمانهم منها لكي لا تؤثر علي حالاتهم النفسية في الصغر والكبر . تقسيط المصروفات المدرسية محسن أمين - موظف في شركة أغذية خاصة - أدخل أولاده مدارس خاصة ويحتاج لمبلغ يزيد علي 10 آلاف جنيه كمصروفات دراسية فقط بخلاف شراء الزي المدرسي الجديد ومستلزمات الدراسة والأدوات المكتبية وخلافه ، هذا رغم أنه لم يفق بعد من موسم الصيف وشهر رمضان وعيد الفطر وهي الفترة التي تكون فيها العزائم والولائم ضرورية لاجتماع الأقارب والأسر في كل عام كعرف متبع لدي المصريين الأمر الذي كلفه مثل هذا المبلغ المذكور ، أي ما يوازي 20 ألف جنيه في شهرين ، ولأنه لا يحوز هذا المبلغ اضطر إلي اللجوء لمدير المدرسة الخاصة التي ألحق أولاده بها لطلب تقسيط المبلغ بدلا من تحويل الأولاد للمدارس الحكومية ، وبعد مفاوضات كثيرة اضطر المدير إلي الخضوع لرغبته خاصة أن عدداً من أولياء الأمور نقلوا أولادهم من المدرسة . الدكتورة سلمي موسي - طبيبة بأحد المراكز الطبية - تقسم علي أنها لم تشتر لها ولا لزوجها ولا لأولادها ملابس جديدة في عيد الفطر ، وأن خوفها من زنقة دخول المدارس دفعها للاستغناء عن الكثير من الضروريات والاحتياجات ، كما أن هذا العام كان أصعب من الأعوام السابقة بسبب الظروف الحالية التي تمر بها مصر وارتفاع الأسعار بشكل جنوني مع عدم قدرة الدخول علي مواكبتها الأمر الذي حرم أسرتها من المصيف هذا العام ، أو عزومة الإفطار الرمضاني خارج البيت و التي تعودوا عليها من الزوج في كل عام ، واضطرت إلي إصلاح الحقائب المدرسية القديمة التي اشترتها لأولادها العام الماضي من أجل استخدامها العام الحالي. وأضافت الدكتورة سلمي: الأمر صار صعبا جدا، لكن ماذا سنفعل ؟ ، وأعمل أنا وزوجي وأجورنا غير كافية رغم أنها مرتفعة ، ولا تصمد أمام ارتفاع الأسعار وجشع التجار . قروض بنكية محمد الشاذلي - موظف في وزارة الكهرباء - حصل علي قرض من أحد البنوك بضمان وظيفته في محاولة لتمرير الظروف الحالية وسد متطلبات أسرته خاصة أنه لديه 4 أولاد في مراحل عمرية وتعليمية مختلفة ، وفي شهر رمضان لم يستطع أن يمنع تبادل العزائم مع الأهل والأقارب والأصدقاء ، مما كلفه مبالغ كبيرة مع انتهاء الشهر الكريم ، وتوجت الأزمة بالعيد الذي كان لابد فيه من شراء الملابس الجديدة لأسرته ولم يحرم من لبس الجديد سواه ومن القرض الذي حصل عليه الشاذلي سيدفع القسط الأول من المصروفات الدراسية ، وشراء مستلزمات الدراسة ، ويقول : الطفل أو الشاب اليوم لا يعنيه إن كانت أسرته تعاني من أزمة مالية أو لا ، والمهم أن يحصل هو علي ما يريد لكي يكون مثل زملائه ومن في عمره. تحتاج في كل مناسبة من المناسبات الثلاث إلي ميزانية خاصة من قبل الأسرة المصرية المثقلة أساسا بالأعباء والغلاء الذي عم جميع السلع الاستهلاكية وضعف الدخول كما يعبر أشرف عيسي - مدرس - ويواصل : الميزانية أهدرت تقريبا في شراء احتياجات رمضان وتشير التقديرات إلي أن المصريين أنفقوا مبالغ طائلة علي المواد الغذائية من السكر واللحوم البيضاء والأرز والمكرونة والزيوت والخضروات والفواكه والدقيق وغيرها . ويضيف أن الصائم يحتاج إلي تغذية خاصة خلال شهر رمضان وتوفير اللحوم وغيرها نتيجة المجهود الذي يبذله الصائم في نهار رمضان مما يكلف الأسرة أعباء كبيرة ، وأعقب ذلك عيد الفطر المبارك بضغوطه المادية التي تتكرر كل عام من ضرورة شراء ملابس جديدة للأسرة كلها والعيدية والكعك وخلافه ، ثم موسم دخول الدراسة الذي يتوج الأزمة بل ويضاعف من آثارها عدة مرات . مظاهر بزخ الفلول د.أسامة عبد الخالق - خبير الاقتصاد بالجامعة العربية وأستاذ المحاسبة بجامعة عين شمس - يقول إن الأوضاع باتت أكثر سوءا بسبب الظروف الحالية التي تمر بها البلاد واعتبر ذلك أمرا طبيعيا ، وارجع سبب انخفاض الدخول إلي البطالة وإهمال التعليم والصحة ، وقال بأن السمة الأساسية لفترة حكم الرئيس المخلوع مبارك ما زالت قائمة لدي الفلول وغيرهم ممن ينفقون أموالهم علي مظاهر الترفيه والبزخ ، ويقابل ذلك ارتفاع في نسبة الفقر وانخفاض مستويات الحياة الآدمية في مصر، صاحبها عدم الشعور التام بالأمان نتيجة ضعف الحكومة القائمة منذ ثورة يناير وعدم قدرتها علي إدارة الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، ويكفي أن نذكر أن حكومة ثورة 23 يوليو 1952 استطاعت بعد شهرين فقط من قيامها تغيير وجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر بإصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي حقق العدالة الاجتماعية لطبقة الفلاحين المعدمة ومكن من تقريب الفوارق بين الطبقات في حين لم تفلح الحكومة الحالية في مصر من مجرد إعادة الانضباط الأمني . ويستطرد: مازالت وزارة الداخلية تعمل بنفس التوجهات والسياسات السابقة للثورة ، وغياب الأمن وأعمال البلطجة أمور تعيق العمل والإنتاج وتسحق المواطن المصري وتزيد من أعبائه خاصة انها يصاحبها فرض إتاوات علي المواطنين واستقطاع جزء من دخولهم ، متسائلا من أين يأتون بدخول إضافية للمعيشة خاصة أنهم في حاجة لادخار جزء آخر لرمضان ويليه العيد ثم الدراسة؟ مشيرا إلي أن هذا كله تحميل علي ميزانية الأسرة في ظل غياب الحكومة عن الإنفاق علي التعليم والصحة واضطرار المواطن إلي تحمل ذلك علي نفقته إضافة إلي أن ارتفاع التضخم في المتوسط بنسبة من 40 إلي 60 % يعني انخفاض الدخل الحقيقي للأسرة للنصف. البكاء علي الماضي وعن الآثار السلبية الناتجة عن كل ذلك علي المجتمع يلفت خبير الاقتصاد إلي أن كل هذا لا يصب إلا في حدوث انفلات أخلاقي في المجتمع والأخلاق نادرا ما تتمشي مع الفقر خاصة في المجتمعات العشوائية في مصر والتي تصل إلي 40% علي الأقل من المجتمع المصري . مشيرا إلي أن دخول المواطن في اللا أخلاق يعني أنه سوف يمد يده للرشوة أو السرقة وكل مظاهر الفساد سوف تنتشر أكثر وأكثر ، وقد يصاحبها بكاء علي الماضي والدعوة لعودة عصر المخلوع مرة أخري ، فهل هذا ما تريده الحكومة الحالية والمجلس العسكري أم أنه نجاح مخطط للثورة المضادة التي يقوم بها فلول النظام السابق؟ ويؤكد : الضغوط المادية علي المواطن تضاعفت العام الحالي عن السنوات الماضية بعد انخفاض دخل الأسرة بنسبة 50% نتيجة التضخم و50% أخري نتيجة البطالة لتساوي 100% إضافة إلي 50% نتيجة غياب الصحة والتعليم فتصبح 150 % و 50% نتيجة تعاقب مواسم ومناسبات رمضان والعيد والمدارس لتصبح 200% وهذا هو الحد الأدني للضغوط التي وصلت لها ميزانية الأسرة المصرية علي مرأي من الحكومة التي عجزت عن اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية والتي من شأنها تحقيق الرخاء للمواطن المصري أو علي الأقل الأمن والحد الأدني للحياة الآدمية .