«صفعة موجعة.. نكسة كبرى.. سقوط الديكتاتور.. فوز مر» بهذه الكلمات وصفت هزيمة حزب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان «العدالة والتنمية» فى الانتخابات المحلية التركية، رغم حصده غالبية الأصوات بنسبة 44.32% من الأصوات إلا أنه فقد المدن الكبرى، ولعل أبشع ما فى تلك الهزيمة هو أنها بالنسبة للرئيس أردوغان كانت أبعد من كل تصوراته وتوقعاته، فقد ظن أن الدعاية الحماسية التى أطلقها حزبه ستتمكن من تخدير عقول الأتراك، حتى سكب الواقع على وجهه ماء الحقيقة الباردة القاسية، وهى أن ذلك لم يقف أمام إرادة الشعب التى تمكنت من تمزيق التحالف المرتعش الذى يقوده أردوغان. «انتصار المعارضة.. وانتكاسة الحزب الحاكم» انتصار المعارضة فى المدن الكبرى شكل ضربة قاضية حطمت طموحات الرئيس التركى فى فرض قبضته على زمام الحكم بشكل أكبر، بينما تجددت آمال الشعب التركى فى التحرر من تلك القبضة، بعد تقدم المعارضة فى اسطنبولوأنقرة إزمير وأنطاليا، ما يعنى أن «أسطنبول صانعة أردوغان» قد تقلب الموازين فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. للمرة الأولى منذ 16 عاما ومنذ تأسيس الحزب عام 2001، فقد أردوغان هيمنته على المشهد السياسى التركي، فبينما ادعى بن على يلدريم، رئيس «العدالة والتنمية» أنه حسم رئاسة البلدية لصالحه، أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات البلدية التركية سعدى جوفان، أن الأرقام شبه النهائية تصب فى صالح مرشح حزب «الشعب الجمهوري» المعارض أكرم إمام أوغلو. وحصد أكرم إمام أوغلو على 4 ملايين و159 ألفا و650 صوتا، مقابل 4 ملايين و131 ألفا و761 صوتا لمرشح حزب العدالة والتنمية بن على يلدريم. وتكبد أردوغان هزيمة أخرى فادحة مع خسارته العاصمة أنقرة التى بقيت تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية وأسلافه الإسلاميين على مدى 25 عاما، إذ تمكن مرشح المعارضة منصور يافاش من هزيمة مرشح حزب العدالة والتنمية محمد أوز هسكى بحصوله على 50,9% من الأصوات مقابل 47% بعد فرز 99% من صناديق الاقتراع. فى انتصار آخر للمعارضة، فاز مرشح الحزب «الشيوعي» التركي، فاتح محمد ماتش أوغلو، برئاسة بلدية ولاية تونج إيلى (شرقى البلاد)، وفق نتائج أولية غير رسمية، بنسبة 32.23%، ما يعد أول فوز للحزب الشيوعى التركى برئاسة بلدية. «حرب أهلية فى لجان الاقتراع» ما بين شجار بالأيدى واشتباك بالأسلحة البيضاء سالت دماء 9 أشخواص وأصيب 101 شخص بجراح خطيرة، ليدق ناقوس خطر الحرب الأهلية فى تركيا، ففى 8 مقاطعات بمدينة واحدة وهى غازى عنتاب، وقعت ستة اشتباكات مسلحة بين مؤيدى تحالف الشعب وتحالف الأمة أصيب فيها 57 شخصا من أقارب المرشحين بطعنات بالسكاكين، ورفعت 11 قضية بشأن تلك المشاحنات. فى ملاطية (بوتورج): قام شقيق مرشح لحزب العدالة والتنمية، بقتل 2 من أعضاء حزب السعادة، أحدهما موظف والثانى مراقب، كما أصاب شخص اخر بجراح خطيرة فى أثناء الساعات الأولى من عمليات الاقتراع، والسبب فى ذلك أن شقيق المرشح أراد الإدلاء بصوته أمام الناس خارج المكان المخصص باللجنة، لكن الموظف رفض ذلك ليتطور الأمر ويلقى حتفه، ويطلق المشتبه به النار على ممثل حزب السعادة. فى محاولة للتستر على بلطجة أنصار أردوغان، قررت النيابة العامة فى بلدية بوتورجا التابعة لولاية ملاطية شرق تركيا منع النشر فى هذه القضية، وحظر النشر فى جميع أنواع الأخبار والمقابلات والنقد والمنشورات فى وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والاجتماعية حول الحدث وملف التحقيق، بدعوى انتظار اكتمال التحقيقات. المعارك الأعنف وقعت فى غازى عنتاب بين أقارب المرشحين، أثناء إغلاق صناديق الاقتراع فى حى شهيد كامل، إذ وقعت حادثة أليمة اهتزت لها أرجاء تركيا، حيث قام نجل العمدة الحالى ببلدية شهيد كامل بإشهار سلاحه فى وجه خصومه، فكان الضحية المرشح سليمان كابلان وشقيقيه آدم وأيوب اللذين لقيا مصرعهما فى الحال، كما أصيب 6 آخرين وسط حالة من التراخى الأمنى لسلطات العدالة والتنمية فى لجنة الانتخابات. قوات الشرطة تدخلت وأطلقت النار على الجانى، ما أصابه بجروح خطيرة، فيما تجددت الاشتباكات بين العائلتين حيث تم طعن ضابط الأمن الذى حاول إنهاء المشاجرة وطبيب آخر بالمستشفى. وفى أضنة وماردين وقونيا : فى بداية التصويت، أصيب 5 أشخاص منهم 4 نساء ورجل بنوبة قلبية بسبب مشاجرة على اختيار رؤساء البلديات. فى أنقرة : اندلع اشتباك مسلح فى ساحة مدرسة بين عشرات الأشخاص أسفر عن مقتل شخصين وإصابة شخصين آخرين. فى الوقت نفسه، فى أنقرة، اندلع قتال بين عائلتين أثناء ذهابهم للتصويت، فإحدى العائلتين توصى الأخرى بضرورة التصويت لمرشح العدالة والتنمية والأخرى توصى بالتصويت للمعارضة، وانتهت المشاجرة بتدخل الشرطة، إذ تم اعتقال 6 أشخاص من كلتا العائلتين الذين شاركوا فى القتال. وفى ماردين: أصيب 7 أشخاص بسبب العراك الانتخابي، وتوفى شخص إثر نوبة قلبية داخل لجنة الاقتراع. فى أرضروم: سقط 4 جرحى، ذلك بعد أن تعرض مرشح حزب العدالة والتنمية لحادث اعتداء من قبل بعض الناخبين الذين هتفوا ضده فهجم عليهم مؤيدى العدالة والتنمية فى اشتباك دامى استمر لساعات. كذلك تكرر الحادث فى مدينة شانلورفا ودنيزلى إثر هجوم مسلح من قبل شباب حزب العدالة والتنمية المسلح على الشباب المعارض امام إحدى اللجان الانتخابية واسفر الشجار عن إصابة 24 شابا بجراح خطيرة، ولازالوا يتلقون العلاج بالمستشفيات. وفى اسطنبول : فى حى كاديكوى: اندلع قتال قتال بالعصى والسكاكين سقط فيه عشرات الجرحى وقتيل واحد. فى ديار بكر: أصيب 26 شخصا، وفى ريف طرابزون بحى تونيا سقط جريحان، وفى توكات: 5 جرحى، وفى زونجولداك: 8 جرحى. « اعتقال المراقبين الدوليين» هو إحدى الطرق التى لجأ إليها أردوغان ليمنح فرصة لأتباعه باستكمال عمليات التزوير، لذا قام بمنع أى وفد دولى من مراقبة الانتخابات البلدية التى انطلقت صباح الأحد، إذ قامت السلطات التركية باعتقال اثنتين من أعضاء وفد حقوقى من إيطاليا وصل إلى مدينة ديار بكر، لمراقبة انتخابات البلديات. كذلك اعتقلت السلطات الأمنية فى مقاطعة «هانى» التابعة لمدينة ديار بكر، المراقبتين «سونيا هيلين روزيت، ونومى كولومبو»، وتم احتجازهما فى شعبة مكافحة الإرهاب، وهو الأمر الغريب إذ أن السلطات الأمنية أدعت أن سبب الاعتقال هو عدم الحصول على تراخيص من أجل الدخول إلى مركز مقاطعة «جيلان بينار» التابعة لولاية شانلى أورفة، فما علاقة هذه بالإرهاب! «تركيا بلد محروم من الحرية» هذا ما قاله رئيس بعثة المراقبة التى يقوم بها كونجرس السلطات المحلية والإقليمية التابع لمجلس أوروبا أندرو دوسون، منتقدا فرض القيود على حرية تعبير المواطنين والصحفيين الأتراك فى الانتخابات المحلية التركية. «إرادة الشعب تتحدى ألاعيب السلطة» وقائع التزوير وسرقة الأصوات وخرق نظام الانتخابات، كل تلك الحيل لجأ إليها حزب العدالة والتنمية ولكنها باءت جميعها بالفشل ولم تعنه على النصر سوى فى البلديات الصغيرة، شهدت تركيا بالأمس مخالفات بالجملة على يد حزب العدالة والتنمية، فى محاولة منهم للسيطرة عليها، إذ أثيرت حول العملية الانتخابية الكثير من الشبهات تفيد حدوث انتهاكات جسيمة فى مدينة سعرد فى شرق تركيا من قيام جنود بالجيش وعناصر شرطة تم نقلهم من العديد من المدن مثل كوجالى ويوزجات على متن 45 حافلة للتصويت. 200 ألف بطاقة تصويت مزورة دفع بها الحزب الحاكم كوسيلة لإنقاذه ولكن اللجنة العليا للانتخابات قد استبعدتها، كما رصدت اللجان الانتخابية 30 واقعة سرقة أصوات لصالح تحالف الشعب المؤيد لأردوغان. نتائج الانتخابات تعكس حالة من عدم الاستقرار الداخلى فى تركيا، ويرجع ذلك بسبب الغضب من تراجع معدلات النمو الاقتصادى، وانكماش قيمة الليرة التركية بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى ما يقرب من 20%، الأمر الذى أدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين، لافتة إلى أن توجه نتائج الانتخابات البلدية نحو دعم الأحزاب المعارضة فى الانتخابات تعبر عن رفضهم للسياسات الداخلية.